شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
احتفال بمكتبة السيد جميل (1)
صاحب السعادة مدير المعارف العام..
حضرات السادة..
شكراً لكم على تفضلكم بمشاركتنا في هذا الحفل المتواضع، تشجيعاً منكم للعلم وطلابه، ومؤازرة للحركة العلمية والأدبية التي تدين بكثير من الفضل لرجل المعارف الجليل فضيلة الشيخ محمد بن مانع ولحضرات رجال التربية والتعليم ورجال الصحافة والأدب الرفيع.
وشكراً أيضاً للجنة المسامرات الأدبية بالمعهدين التي أتاحت فرصة لقضاء بعض الواجب على تجاه الصديق الراحل السيد جميل داود المسلمي رحمه الله تعالى، فلقد دعاني حضرة الأستاذ المشرف على هذه اللجنة إلى إلقاء كلمة في حفل اليوم عن الفقيد العزيز بمناسبة وصول مكتبته الثمينة إلى هذه المدرسة.
وإن للسيد جميل داود في ذمتي، من عهود الإخاء والولاء، لدينا لم أوفه ولا أستطيع أن أوفيه في موقفي هذا فليس المجال مجال الإفاضة في تأبين الراحل الكريم وتعداد مناقبه وشمائله ولذلك ستكون كلمتي بمثابة إشارة موجزة. إلى ما بذله الفقيد من جهود في سبيل تحصيل العلم وتحقيق مثله العليا في خدمة أمته ومليكه مما هو جدير بأن يكون مثلاً صالحاً لطلاب المعهدين وأسوة حسنة للشباب الطامحين وسأنوه قليلاً على بعض الذكريات التي تمس هذا الموضوع وتعطينا صورة مصغرة عن نبل نفسه وكرم شمائله فإن له في قلبي لذكريات غالية وعهوداً واجبة الرعاية، خليقة بالإشادة والتنويه، فلقد قضيت معه قرابة أربع سنوات في دار البعثات بمصر، يظلنا سقف واحد وتؤلف بيننا أواصر الود والإخاء وتقارب الأماني والأهداف، عرفت السيد جميل في تلك السنوات واتصلت به قبل ذلك وبعده، معرفة الزميل للزميل واتصال الصديق بالصديق، فعرفت فيه أخاً حفياً بإخوانه وفياً لأصدقائه، محباً لبلاده مخلصاً لمليكة، وآنست فيه قلباً طاهراً نقياً وخلقاً جميلاً رضياً. ولقد كنا بحكم الزمالة والصداقة نتجاذب أطراف الحديث إبان الطلب في مسائل شتى من العلم والأدب والاجتماع، وكنا نتناقش ونتجادل في قضايا التربية والتعليم في جلسات مجلس المعارف، فكنا نتفق آناً ونختلف أحياناً وربما احتدم الجدل بيننا وانصرف كل منا وفي نفسه من الأخر ما فيها، وربما أضمر كل منا عتاباً حاراً لأخيه حتى إذا التقينا كنت وإياه كما قال الشاعر:
أزور محمداً فإذا التقينا
تكلمت الضمائر في الصدور
فارجع لم ألمه ولم يلمني
وقد رضي الضمير عن الضمير
هذه لمحة خاطفة عن ذكرى زمالتي للفقيد العزيز اجتزيء بها لأنتقل إلى النقطة المقصودة في الدرجة الأولى من هذه الكلمة وأعني بها جهوده في طلب العلم وتحقيق أهدافه العلا.
لقد كان السيد جميل داود - فيما أعلم - أول شاب حجازي، في العصر الحديث، سمت همته إلى إتمام دراسته العالية في المعاهد العليا في الخارج، في وقت كان الناس فيه يرون في ذلك خروجاً على التقاليد الموروثة وشذوذاً عن المحيط الذي يعيشون فيه، ولذلك لاقى في سبيل الوصول إلى غرضه هذا معارضة شديدة، وصداً عنيفاً كاد يُخمد الآمال التي كانت تصطرب بين جوانبي ولكن العزيمة الصادقة لا تهن ولا تخور أمام الصداقات والبعثات وهكذا أبت عزيمة جميل أن تثنى عن إدراك غايته فوطد العزم على السفر إلى مصر - قبلة العلوم والمعارف، وغادة أحلامه وآماله - مهما كلفه ذلك من ثمن ومهما تعرض له من أخطار، فلا بد إذن من المغامرة ولا بدا إذن من ركوب الأخطار وإذا لم يكن السفر إلى مصر تواً فليكن السفر إلى الهند أولاً ومن ثم يكون السفر إلى مصر، وهكذا تم للفتى المغامر أن يصل إلى مصر وأن يضطلع بأعباء الكفاح في هذا السبيل معتمداً على الله وحده ثم على نفسه الجياشة بأقوى العواطف والأحاسيس، ولم يزل في مصر يجاهد في سبيل طلبه ويكافح من صروف الدهر ما لا يحتمله إلا ذوو الهمم العالية والقلوب الكبيرة - إلى أن امتدت له يد كريمة أخذت بعضده إلى الهدف الذي كان يصبو إليه، تلك هي يد جلالة الملك المصلح عبد العزيز آل السعود، فأوفد أول بعثة علمية إلى مصر. فما كان أسعدها فرصة أتاحت لهذا الشاب الطموح ولنفر من زملائه الذين اقتفوا أثره في النزوح إلى مصر، تحفزهم الرغبة في التعليم العالي - أتاحت لهم السبيل لبلوغ الهدف الذي كانوا ينشدونه، فسرعان ما انضموا للبعثة وكانوا النواة الأولى للبعثات العلمية التي توالت بعد ذلك. وهنا بدأت تتفتح أمام الفتى الطامح زهور الأمل الناضرة، فاقتحم روضها الأربض وأصبح بين عشية وضحاها طالباً بالجامعة المصرية ولم يزل يجد ويكدح حتى تخرج في كلية الحقوق محامياً وما لبث أن عاد إلى وطنه المشوق إليه حتى أظلته الرعاية الملكية السامية فعين معاوناً بوزارة الخارجية، وشغل إلى جانب ذلك وظائف أخرى منها عضوية مجلس المعارف الأعلى. وقد قَدّم في هذه المرحلة من حياته لأمته ومليكه من الخدمات والجهود الموفقة ما ضاعف الثقة به وجعل الحكومة تختاره لوظيفة أمين السر الأول (السكرتير الأول) للمفوضية السعودية بلندن. وقد أثبت في هذا المنصب من الكفاية والجدارة ما أهله لأن يرقى إلى منصب المستشار لتلك المفوضية. وما كاد أصدقاؤه ومواطنوه ينعمون بهذه البشرى حتى فاجأهم نعيه والآمال أقوى ما تكون تعلقاً به وتطلعاً إلى مستقبله اللامع. فكان المصاب فيه جللاً والفجيعة فادحة، لأن الأمة فجعت به في ابن من أبر أبنائها، قضى نحبه وهو يجاهد من أجلها، بعيداً عن الأهل والوطن وقصياً عن الأقارب والخلان. فبكته الأمة بقلوب حزينة واستمطرت لجدثه النائي شآبيب الرحمة والرضوان.
وارحمتا للغريب بالبلد النا
زح ماذا بنفسه صنعا
فارق أحبابه فما انتفعوا
بالعيش من بعده ولا انتفعا
ولقد شاء التوفيق العزيز أن يختم الفقيد حياته النبيلة بحسنة خالدة الأثر جليلة القدر تلك هي وصيته بإهداء مكتبته إلى مكتبة تحضير البعثات، مما يُسجل له في تاريخ الحركة العلمية لهذه البلاد يد أسداها للأجيال على تعاقب الأحقاب بالثناء العاطر والتقدير الجميل.
وإني لأترك لحضرة الزميل الفاضل الأستاذ عامر البحيري (2) التحدث عن هذه المكتبة الثمينة. وأسأل الله تعالى للفقيد الكريم الرحمة والغفران.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :659  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 82 من 112
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج