شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مشاعر الجزيرة الناهضة يعبر عنها أبناؤها (1)
الفجر يتجدد
قرأت بيتاً من الشعر وقفت عنده طويلاً أسأل من قائله؟! فقد تنسمت فيه ريح النفس العربية الحرة الأبية والعقل العربي المدرك العارف. أما البيت فهو:
من هنا شع للحقيقة فجر
من قديم ومن هنا يتجدد!
إلا أنها البشرى أثلجت صدري، إذ اسمع وأرى من يؤمن بأن الفجر قد شع من هنا فأضاء الدنيا.. ومن هنا يتجدد!
وشطر البيت الأول تقرير لحقيقة تاريخية لا يختلف فيها اثنان، ولكن الإيمان الذي عبر عنه الشاعر في الشطر الثاني بقوله: "ومن هنا يتجدد" هو بيت القصيد..
فلكم كان يحز في نفسي أن أسمع واقرأ كلاماً لرجال من العرب المبهورين بمظاهر الحضارة الراهنة، يدل على أنهم قد تحولوا عن كعبتهم فحقروا أنفسهم وظنوا أن الخير عند غيرهم من أمم الأرض، لقد فتن هؤلاء التقدم المادي في ميادين العلم والصناعة، وبما أن العرب تخلفوا في هذه الميادين فقد حقت عليهم كلمة التأخر والجمود. وإذن فينبغي أن تكون قدوتهم - إذا أرادوا نهوضاً وتقدماً - تلك الأمم الناهضة السابقة حتى لقد قال رجل يزعمون أنه أديب الجيل أو عميد الأدب، إن واجب العرب هو الأخذ بالحضارة الأوروبية بخيرها وشرها!! حلوها ومرها! ونشر هذا الرأي في كتاب على الناس.
ولقد جاء هذا الشاعر ببيته البليغ ولم اقرأ بقية قصيدته بعد - يزيل في سهولة ويسر تلك الأوهام الضالة وينبه العرب إلى الفجر الذي شع على الجزيرة وأضاء الدنيا بالخير والعدل من قديم. هذا الفجر، سيتجدد إشعاعه من هنا أيضاً، حيث بيت الله الحرام.
إن هذه الحقيقة ينبغي أن يؤمن بها العرب تماماً فيعملوا على تحقيقها لخيرهم وخير الناس جميعاً.
إن القوى العلمية والمادية والصناعية في يد الإنسان المؤمن التقي تتحول إلى أعمال خيرة نافعة للناس كافة، وهذه القوى نفسها في يد الإنسان الجاحد الضال. تتحول إلى أعمال ضارة مدمرة لبني الإنسان جميعاً.
وقرأت بعد ذلك في عدد المنهل الخاص قصيدة كاملة للأستاذ السيد محمد السنوسي فإذا بأبياتها تتضمن من المعاني ما يتسق مع هذا البيت القوي:
من هنا شع للحقيقة فجر
من قديم ومن هنا يتجدد
لقد بدأت يقظة العرب وها هم أولاء أبناء الجزيرة يعبرون عن مشاعر قومهم في قوة وبلاغة ووضوح.. ويدفعون ببيانهم النهضة حتى يسترد العرب مكانهم من العالم.
يقول السنوسي في قصيدته "أم القرى":
يا مركز الإشعاع يا ينبوعه
يا كوثر الأضواء يا أم القرى
منك استمد الكون سر جماله
وسمى (ديمقراطية) وتحضرا
ثم يقول:
تتضرع الدنيا لديك ويرتمي
في لابتيك (جبينها) متعفرا
وإليك تتجه القلوب فوجهي
قلب العروبة تحو توثيق العرى
مدى أنا ملك الرقاق ولطفي
بيديك هذا العالم المتوترا
يقظة وإشراق:
ويتحدث عن الشرق - ويعني به العرب - في قوة وبلاغة فيقول: لا فض فوه:
الشرق والإشراق من أسمائه
ما كان إلا الحاكم المتسيطرا
فإذا تغشاه الضباب وقيدت
خطوات أمته القيود تأخرا
فالليث يجمع نفسه متحفزا
للوثب حين تراه يمشي القهقري
والنسر ينفض من جناحيه الندي
قبل الصعود إلى السماء مبكرا
وهدوء أمواج البحار تأهب
للمد يكتسح الشواطئ صرصرا
ودخان أذيال السحاب طليعة
لسنا البروق تلظيا وتسعرا
لا الشرق مخمور الشعور ولا السنى
سكرى ولا وعي الشعوب مخدرا
دعوة ابن عبد الله:
إنه رجل يحسن التعبير عن مشاعر قومه العرب في بيان بليغ ومن قبل ذلك قال عن دعوة "ابن عبد الله" صلى الله عليه وسلم.
في دعوة كالشمس ساطعة السنا
تهدي الضليل وترشد المتحيرا
الفضل للأعمال في دستورها
لا للمناصب والمناسب والثرا
وإذا البرية تحت ظل لوائها
إسلامها القربى وتقواها العرى
أمم تؤلفها العقيدة نسبة
ومن "العقيدة" ما يفوق العنصرا
الأسوة الحسنة
والآن هل عرفتم طريقكم أيها العرب للنهوض والتقدم؟ إنه سبيل أجدادكم التآسي بمحمد وأصحابه صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
إن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم قائمة مدوية موجهة إلى العرب أولاً ثم إلى العالمين. وإن هذه المشاعر الطيبة التي تجيش بها نفوس أمثال شاعرنا السنوسي لدليل على بشائر الفجر بإذن الله.
ولعلّ من المصادفات العجيبة أن تنبت الجزيرة شعراً حياً كهذا الذي نقرأه في الوقت الذي يصيح فيه عميد الأدب المزعوم في مصر بقوله: "ليس في مصر شعر ولا شعراء" إلا فليهون على نفسه، العميد، فإن الجزيرة التي نبت الشعر فيها ونما، ونزل القرآن فيها وأضاء الكون لا زالت، كما هي بأرضها وسمائها ورمالها وصحرائها وسكانها الذين يتحركون بعد الغفوة ويهبون بعد السكون فإذا هم في الطليعة قولاً وعملاً.
وفي فحولة واعتداد بالنفس يختم الشاعر قصيدته بقوله:
أملقت من أدبي إذا هو لم يكن
شعلاً تنير صوى الطريق لمن سرى
وبرئت من قلمي إذا هو لم يكن
فتنا بأحلام العروبة مثمرا
غرس نضحت عليه فيضاً من دم
حر يؤججه الشعور تأثراً
إلا فلتطمئن أيها الفتى فلن تملق من أدبك، ولن تبرأ من قلمك، ذلك لأنك صدقت فيما قلت وأحسنت، و مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :936  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 76 من 112
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.