شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبد الله بن عباس (1) (1)
نسبه وولادته:
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد الخلفاء العباسيين.
ولد رضي الله عنه بمكة، والنبي وبنو هاشم محاصرون في الشعب قبل الهجرة بثلاث سنوات، وهاجر مع أبيه قبيل الفتح فشهد الفتح وحنيناً والطائف وغزا إفريقية مع عبد الله ابن أبي سرح سنة سبع وعشرين.
ولايته:
تولى إمارة الحج سنة خمس وثلاثين بأمر عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو محصور بالمدينة، وحضر مع علي واقعة الجمل، وكان على ميسرة جيش علي في صفين وشهد معه قتال الخوارج، وولاه علي، على البصرة وكان أهل البصرة مغبوطين به يفقههم ويعلم جاهلهم ويعظ مجرمهم ويعطي فقيرهم، ولم يزل والياً على البصرة حتى قتل علي فاستخلف عليها عبد الله بن الحارث ومضى إلى الحجاز ثم خرج إلى الطائف وفي الطائف قضى الأيام الأخيرة من حياته وفيها قضى نحبه سنة ثمان وستين بعد أن نيف على السبعين. وقد صلى عليه ابن الحنفية رضي الله عنه وكبر عليه أربعاً وقال: ((اليوم مات رباني هذه الأمة)).
وفي رواية: مات خير هذه الأمة. وقد كف بصره في آخر عمره فكان يقول:
إن يأخذ الله من عينيّ نورهما
ففي لساني وسمعي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل
وفي فمي صارم كالسيف مأثور
طلبه للعلم:
صحب ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم وهو صبي لم يبلغ الحلم، فأخذ عنه وحفظ الأقوال وضبط الأفعال والأحوال وتوسم فيه الرسول العظيم مخايل النجابة والألمعية فدعا له بالحكمة وسأل الله أن يفقهه في الدين ويعلمه تأويل القرآن، فلا غرابة بعد ذلك أن نراه يبلغ الشأو الذي ليس بعده شأو؛ والدرجة التي تقصر دونها الدرجات، وقد أخذ كذلك عن الصحابة علماً كثيراً، وكان يكتب ما يتلقاه في ألواح تكون معه، وأحياناً كان يستكتب بعض أتباعه وتكبد في سبيل التحصيل ما يتكبده أولو الهمم العالية، والنفوس الكبيرة، ونحن ندعه هنا يتحدث عما بذله من جهد في سبيل العلم.
قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: يا عجباً لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم؟ قال: فترك ذلك وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان ليبلغني الحديث من الرجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه، يسفي الريح على التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: لا - أنا أحق أن آتيك: قال، فأسأله عن الحديث قال فعاش هذا الرجل الأنصاري، حتى رآني وقد اجتمع حولي الناس يسألونني فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني. وهكذا سمت بابن عباس همته حتى أصبح قدوة للطامحين وعلماً في النابهين، وقعدت بصاحبه همته فبات من المغمورين؛ ولله در شوقي إذ يقول:
شباب قنع لا خير فيهم
وبورك في الشباب الطامحينا
قال ابن عباس: ((وجدت عامة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الحي من الأنصار، إن كنت لأقيل بباب أحدهم ولو شئت أن يؤذن لي عليه لأذن لي ولكن ابتغي بذلك طيب نفسه)).. أنظروا إلى هذا الأدب العالي، يقضي هذا الفتى السري الشريف وقت القيلولة اللافحة بباب أحد مشايخه يتحين وقت انتباهه من نومه ولا يبيح لنفسه أن يزعجه أو يجشمه استقباله في وقت راحته على ما كان يعلمه من سرورهم بلقائه، كما قال في حديث آخر: ((وكنت لا آتي أحداً منهم إلا سُرَّ بإتياني إليه، لقربي من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهاكم مثلاً آخر من أدب ابن عباس مع شيوخه وأساتذته: ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عباس بركابه، فقال: لا تفعل يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال هكذا أُمرنا أن نفعل بعلمائنا، فأخذ زيد يد ابن عباس فقبلها وقال: هكذا أُمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا.
بمثل هذه الأخلاق، وبمثل هذا التوقير للعلم والعلماء أصبح ابن عباس حبر الأمة وعالمها وقدوة الشباب وفخاره.
طريقته وآراؤه في التعليم:
كان ابن عباس إذا سئل عن مسألة فإن كانت في كتاب الله قال بها، وإن لم تكن وهي في السنة قال بها، فإن لم يقل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجدها عند أبي بكر وعمر قال بها وإلا اجتهد رأيه. وكان يميل إلى التنويع في الدروس والتنويع في الأساليب وإلى الأخذ من كل فن بطرف، ويتحرى ميول السامعين وما ينشطون إليه، وقد أثرت عنه جملة أقوال في هذا، كما أن عمله كان خير شاهد على ذلك، فمِّما أثر عنه قوله: العلم كثير فارعوا أحسنه، أما سمعتم قول الله تعالى: في آخر الآية (17) من سورة الزمر وجزء من الآية (18): فَبَشِّرْ عِبَادِ . الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ (الزمر: 17 - 18). وقوله العلم أكثر من أن يؤتى على آخره فخذ من كل شيء أحسنه، وقوله: كفاك من علم الدين أن تعرف ما لا يسع جهله، وكفاك من علم الأدب أن تروي الشاهد والمثل.
وقال: حدث الناس مرة في الجمعة، فإن أبيت فمرتين وإن اكترث فثلاثاً ولا ألفينك تُمل الناس هذا القرآن، ولا ألفينك تأتي القوم وهم في الحديث من حديثهم فتقص عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتملّهم، ولكن أنصت، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه، وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون ذلك.
وقد أُثرتْ عن ابن عباس طريقتان في التعليم، الأولى أنه كان يخصص لكل فن يوماً خاصاً به فكان يجلس يوماً ما يذكر فيه إلا الفقه، ويوماً ما يذكر فيه إلا التأويل، ويوماً ما يذكر فيه إلا المغازي، ويوماً للشعر ويوماً لأيام العرب.
والطريقة الثانية هي التي رواها أبو حمزة الثمالي عن أبي صالح ونذكرها فيما يلي بشيء من الإيجاز. قال: لقد رأيت من ابن عباس مجلساً لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها به الفخر. لقد رأيت الناس اجتمعوا على بابه حتى ضاق بهم الطريق فما كان أحد يقدر أن يجيء ولا أن يذهب، قال فدخلت عليه فأخبرته عن مكانهم على بابه. فقال ضع لي وضوءاً فتوضأ وجلس وقال: أخرج فقل لهم: من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه وما أريد منه فليدخل فآذنهم فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم عنه وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر، ثم قال: إخوانكم. ثم قال: أخرج فقال من أراد يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل، فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة، وهكذا دخل أصحاب الفرائض، وما أشبهها ثم أصحاب العربية والشعر والغريب من الكلام.
ولعلَّه من أبلغ الشواهد على حب ابن عباس للطرافة وميله إلى دفع السآمة عن طلابه وتجديد نشاطهم الحكاية الآتية:
روي أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فجعل يسأله حتى أملَّه، فجعل ابن عباس يظهر الضجر.
وطلع عمر بن ربيعة على ابن عباس وهو يومئذ غلام فسلم وجلس فقال له ابن عباس: ألا تنشدنا شيئاً من شعرك فأنشده:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
غداة غدٍ أم رائح فمهجر
حتى أتمها وهي ثمانون بيتاً فقال له ابن الأزرق: لله أنت يا ابن عباس!!
أنضرب أكباد الإبل نسألك عن الدين فتعرض، ويأتيك غلام من قريش فينشدك سفهاً فتسمعه فقال: تالله ما سمعت سفهاً، فقال ابن الأزرق أما أنشدك:
رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت
فيخزى وأما بالعشي فيخسر
قال ما هكذا قال، إنما قال: فيضحي وأما بالعشي فيحضر.
قال أو تحفظ الذي قال؟ قال والله ما سمعتها إلا ساعتي هذه ولو شئت أن أردها لرددتها، قال فَارْدُدْها فأنشده إياها.
وفي هذه القصة زيادة على ما تقدم دليل على ذوق ابن عباس الأدبي وقوة حفظه وذكائه.
مدرسة ابن عباس وتلاميذه:
علم ابن عباس في كل من مكة والمدينة والبصرة وكان الطلاب بلازمونه حتى في السفر.
قال يزيد بن الأصم: خرج معاوية حاجاً ومعه ابن عباس فكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم، ونظرت عائشة رضي الله عنها إلى ابن عباس ومعه الخلق ليالي الحج وهو يسأل عن المناسك، فقالت: هو أعلم من بقي بالمناسك.
وقد مر بنا وصف أبي صالح مجلس ابن عباس للتعليم وازدحام الطلاب عليه وفي ذلك ما يغني عن الإشادة والتنويه.
يقول صاحب فجر الإسلام: كذلك علم بمكة عبد الله بن عباس في أخريات أيامه فقد علم في البصرة وعلم في المدينة، ثم لما كان الخلاف بين عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير ذهب إلى مكة وعلم بها، فكان يجلس في البيت الحرام ويعلم التفسير والحديث والفقه والأدب، وإلى عبد الله بن عباس وأصحابه يرجع الفضل فيما كان لمدرسة مكة من شهرة علمية، وأشهر من تخرج في هذه المدرسة من النابغين مجاهد وعطاء بن أبي رباح وطاوس بن كيسان.
واستمرت هذه المدرسة قائمة تتلقى العلم فيها طبقة عن طبقة، ويطول بنا القول لو عددنا مشهوري العلماء من كل طبقة الخ....
ولقد اشتهر ابن عباس بصفة خاصة في التفسير حتى لقب بترجمان القرآن وأثرت عنه أقوال وروايات كثيرة جمعت فيما بعد في السفر المعروف بتفسير ابن عباس. أما آثاره الأدبية فنجد منها نماذج كثيرة مثبوتة في تضاعيف كتب الأدب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :528  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 68 من 112
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج