شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الهروب من الحياة (6)
كل فرد منا حر في تفسير معنى السعادة كما يريدها لنفسه أما أنا فلم ترق لي التفاسير التي استعرضتها في القواميس - إنك لتجد تفسير السعادة في معظم القواميس لا يخرج عن معنى الحظ والرخاء والرفاهية والثروة والجاه ثم قرأت هذا التعريف لأحد الأعلام ((السعادة هي حالة اطمئنان تمتاز بالدوام والاستمرار النسبي مع شعور شامل بالقبول والرضا ورغبة طبيعية في الاستمرار في واقع هذه الحالة)) ورغم ما يبدو لي من ذكاء وألمعية في هذا التعريف فإني لا اقره ما لم تترك لي حرية تفسير حالة الاطمئنان على طريقتي الخاصة. ومن رأيي أنه لا يمكن لأي إنسان أن يشعر بحالة الاطمئنان إذا أخطأ في حق نفسه بإهمال خصائصها. إن تنمية الخصائص النفسية والوصول بها إلى أعلى المراتب هو في رأيي منبع الرضا والاطمئنان، وليس محتماً أن يصل الإنسان في تنمية خصائصه النفسية إلى أعلى درجات الكمال ويصل مع ذلك إلى الثروة والجاه والغنى فقد يصل الإنسان إلى أعلى مراتب الكمال في الخصائص النفسية ومع ذلك لم تتح له فرصة الجاه والمال أو حتى الهدوء والاستقرار، ولكنه حتماً يصل إلى الرضا والاطمئنان فحالة الاطمئنان من وجهة نظري هي نتيجة لاقتناع الضمير ورضاه بالجهد المستمر الصادق للوصول بالخصائص النفسية إلى أعلى درجات الكمال والانصياع الكامل للاستجابة لنداء الفطرة في أعماق النفس، والوصول إلى درجة القناعة في الأداء والجهد هو السبيل إلى الرضا والاطمئنان وهو السعادة الحقيقية وإن لم يكن مقروناً بالثروة والجاه.
فالسعادة إذن ليست مالاً وجاهاً ولا قناعة ولا استسلاماً إنما هي حالة يصل إليها الإنسان عندما يستجيب لنداء ضميره ويعمل جاهداً لأداء الرسالة التي خلق من أجلها حتى إذا وصل نهاية العمر وجد نفسه راضياً مطمئناً عما قام به من جهد في سبيل أداء الرسالة. أما أولئك الذين حادوا فلم يستجيبوا لنداء الضمير فمهما كان نجاحهم في الطريق التي هربوا إليها من استجابة نداء ضمائرهم فسوف لا يعوضهم ما نالوه من كبر الصيت وحسن الأحدوثة والثراء والجاه ولا يحجب عنهم تأنيب الضمير الذي يهب مستيقظاً في نهاية الشوط فيردد في صوت مجلجل لا يسمعه غيرهم ولا يقضي به سواهم قائلاً: إنكم جبناء لم تستطيعوا أن تجابهوا الحياة فهربتم منها مغترين بالبهرج الكاذب فجئتم إلى الحياة وخرجتم منها دون أن تؤدوا الرسالة التي خلقتم من أجلها إنكم جبناء! هاربون من الحياة!
ولئن يعيش المرء مرحلة حياته الطويلة في جهد وكد لأسعد بكثير من أن تنتهي به الحياة إلى هذا الحكم القاسي المنبعث من أعماق نفسه والذي يختتم حياته بندامة وحسرة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :594  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 91 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج