شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الهروب من الحياة (5)
والتقاليد حتى في هذا العصر الذي غلب فيه التعقل وأصبح الناس يحسون بفوائد التطور وصحة الاستنتاجات المنطقية ما تزال تقف عقبة في سبيل الشباب فلا يعطون الفرصة للنبوغ في رسالة الفطرة التي هيأها لهم خالق الكون وغرس في نفوسهم مبادئها، بل إن كثيراً من الشباب يلقنون ويعلمون كيف يهربون من الحياة وربما كانت المضايقات التي تحيطها بهم التقاليد سبباً في هروب الأكثرية منهم إلى اللهو والملذات فيعيشون عيشة الفراشة الهائمة فيفقدون حتى الاتزان والتعقل.
فقد اصطلح الناس من قديم الزمن على أن الفضائل في الشباب تكون من ثلاثة عناصر أساسية: هي السمع والطاعة والسير في الطريق المخطوط - وبهذا ينشأ الشاب إمعة فاقد الشخصية، فإذا بدأ هذا الشاب عندما يصبح رجلاً يتحمل المسئولية جامداً يتعثر في خطاه، وقف مبهوراً بما يجري حوله من تطور وحركة لا يستطيع أن يندمج فيها لاموه على جموده وأخذوا يسخرون من جبنه وبلاهته.
إني لا ألوم أحداً عندما أشرح الحقيقة، فشرح الحقيقة لا يمكن أن يسمى لوماً والحقيقة أن الشباب الذي درج على هذه النشأة لا يجرؤ أن يتقدم عندما تتاح له الفرصة، بل إنه ليولي هارباً عندما تفتح أمامه الأبواب، ومن رأيته ناجحاً منهم أو سمعت بنجاحه فتأكد أن هذا النجاح لم يكن إلا بسبب وقوعه مصادفة في قبضة الحياة فخلقت منه شخصية ناجحة رغم أنفه. ولو قرأت تاريخ النابغين لوجدت أن الحياة هي التي صنعتهم بعد أن وقعوا في قبضتها، فلولا الفقر والبؤس الذي جابهه مثلاً لما كدح وجالد حتى وصل إلى الغاية، ولولا احتقار عائلة خطيب مدام كوري لها وإحساسها بالجرح العميق لهذه الإهانة، لما انقطعت للدراسة وكان لها فضل اكتشاف الراديوم.
والمرأة عموماً ألم يكن العنصر الجوهري في تكوين فطرتها هي الأمومة؟ فلماذا لا نتيح لها فرصة الزواج ونحن نقصد هذا المعنى الفطري الذي خلقت له ونؤمن بأن الغاية التي تحقق رسالة المرأة في الحياة لا تكون إلا بطريق الزواج؟! فمطمع المرأة في الحياة أن تلتقي بالفريق الصالح وليس ما نريده نحن من مركز الرجل المالي وقدرته على تهيئة عيشة الترف والرخاء. قد يكون في الرجل شذوذ أو كبرياء أو فقر، ولكن هذا لا يخرجه عن كونه مطمح المرأة كقرين يلبي نداء فطرتها.
وقد كرست زمناً من وقتي لدراسة الأسباب التي حرم بعض الفتيات الزواج من أجلها، فوجدت أن السبب الوحيد في جميع الحالات هو عدم استيفاء الزوج للشروط المطلوبة من الآباء واعتقادهم أن الزواج بمن لا تكتمل فيه الشروط مغامرة غير محمودة.
والذي أراه أن المغامرة عنصر لازم من عناصر الحياة لأن الحياة الراكدة ليست إلا الموت بعينه، وليس معنى هذا أني أحبذ أن نقدم على العمل دون روية وتفكير ولكن يجب أن لا تصل الروية والتفكير إلى حد الجبن والعجز. واختيار القرين أفضل عندي للجنسين من حياة العزوبية مهما كان التقدير، وأن أتعس منظر تقع عليه العين من مآسي الحياة هو منظر امرأة قضت زهرة شبابها عانساً ثم أودعت مقرها الأخير لأن أهلها لم يجدوا لها زوجاً مستكمل الشروط.
إن هناك أبواباً كثيرة للرجل والمرأة للهروب من الحياة وإن الأمثلة التي ذكرتها هي بعض هذه الأبواب، وإن الأعذار التي ننتحلها للهروب من الحياة ليست إلا مخاتلة وخداعاً، وقليلون هم الذين يدركون من أول الأمر أن الظروف قد حتمت عليهم أن يتجهوا اتجاهاً مضاداً لغرائزهم الفطرية فلم يؤدوا رسالتهم إلى الحياة وأقل منهم أولئك الذين يستجيبون لنداء الفطرة ويتحدون الظروف فيقاومون بجهد مستميت ليؤدوا رسالتهم كاملة، وتنتهي حياتهم وهم راضون عنها ويشعرون في أعماق نفوسهم بنعيم الحياة والرضا والاطمئنان، وتلك هي السعادة في أسمى معانيها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :552  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 90 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج