شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كنت في غانا
أكرا الحديثة
لم تكن أكرا في الأصل هذه المدينة ذات الطابع الحضاري الحديث فيما يسمى بمدينة أكرا اليوم، فقد كانت عدة قرى كبيرة تتناثر في السهل الفسيح الممتد على شاطىء المحيط، وكان يسكن هذه القرى قبائل ذات عادات ومعايش مختلفة؛ فسكان القرى القريبة من الساحل يعيشون على صيد الأسماك وصناعة القوارب؛ أما سكان الشمال فأهل حرث وزراعة، وكان هؤلاء السكان عرضة للخطف والاتجار من أولئك البيض الذين كانوا يرتادون هذه السواحل باحثين ومغيرين ومهربين، وما زالت حصونهم وقلاعهم التي كانوا يحتمون بها باقية في أكرا حتى اليوم. وبمرور الزمن وتحسن المواصلات، تكونت من مجموعة هذه والقرى المستحدثة بسبب ما استجد من ظروف وحالات (مدينة أكرا). ورغم التقدم الحضاري السريع في أكرا بعد أن أصبحت عاصمة جمهورية غانا، فإن آثار التباين في عادات أهلها وتقاليدهم، ما زالت واضحة نتيجة لمجموعة القرى التي تكونت منها المدينة والتي يختلف أهلها في العادات والتقاليد، وإنك لتلمس آثار هذا الاختلاف في مناسبات الأعياد والاحتفالات التي تقام في الشمال والجنوب، وقد يتخالفون في تواريخ الأعياد والمناسبة واحدة، وكذلك الأمر في طرق العيش والحياة؛ فبينما يتمسك سكان الشواطىء باستمرار الحياة التي كانوا يعيشونها في الماضي فيعملون قوارب صيدهم بأيديهم ويكرهون استعمال القوارب ذات المحركات، تجد في قلب المدينة أحدث المخترعات، وتجد السيدات يتسابقن على موديلات الأزياء الحديثة، وبينما يقاوم رجال الدين من الطراز القديم التيارات الحديثة المختلفة، يؤيد المحدثون هذه التيارات ويقاومون طراز الحياة القديم.
وقد تقع عينك في الشوارع المزدحمة بالسيدات اللواتي يرتدين أحدث الأزياء على شابة تتزر بإزار عارية الصدر، مصنوع من الخرز الملضوم، إن معنى هذا في تقاليد قبيلتها أنها تؤدي طقوساً خاصة ببلوغها سن الرشد. وعلاوة على كل هذا فهناك تقليد ملحوظ يعرف به الشخص إلى أية قبيلة ينتسب إذا ذكر لك اسمه، فكل اسم يحمل حرفاً خاصاً يرمز إلى القبيلة التي ينتمي إليها.
وفي عام 1961 - 29 مارس أعلنت حكومة جمهورية غانا المستقلة اعتبار أكرا عاصمة الجمهورية. وكان ذلك ذروة التقدم الذي بدأ في أكرا منذ أكثر من ستين عاماً، عندما عقد فيها لأول مرة في عام 1898.. أول مجلس قومي في أكرا وتحت تأثير التوسع المطرد للمدينة، عين مجلس المدينة للتخطيط وحتى عام 1876 وقبل أن تنقل الإدارة العامة للحاكم البريطاني إلى أكرا، كانت مدينة - كاب كوست - المركز الحكومي لساحل الذهب.
وبعد هذا الانتقال بدأت أكرا تتقدم بسرعة؛ فإن تحول مركز الحكومة إليها حوّل إليها الأنظار، وأصبحت مركزاً لجميع المؤسسات التي يفضل دائماً أن تكون مراكزها الرئيسية بالقرب من المركز الرئيسي للحكومة. وعدد سكان أكرا اليوم يقدر بـ 388200 وتعتبر أكرا أهم مدينة ذات أثر فعًال في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في غانا، ويقدر عدد المهاجرين إليها سنوياً بثلاثة آلاف شخص؛ وقبل إتمام مشروع ميناء تيماء الحديث وهو من المشاريع الهامة التي حققتها الجمهورية بعد الاستقلال. كانت أكرا تعتبر ميناءً هاماً ومركزاً للتوزيع. والآن وبعد إتمام مشروع ميناء تيماء الحديث قلّت أهميتها في هذا الحقل، إلا أن أهميتها قد ازدادت كمركز تجاري وزراعي ومنبع للإشعاعات الوطنية. وفي أكرا مآثر تاريخية ذات طابع خاص منها الحصون التي بناها المغيرون المستعمرون منذ القرن السابع عشر من البرتكيز والسويد والدانمارك والهولنديين والبرتغال وإنكلترا وأشهر هذه الحصون وأقدمها حصن كريستيان بورغ وقد بناه البرتغاليون حصناً لهم ومركزاً لتجارتهم حوالى عام 1578م، وكان هذا الحصن موضع غارات من المستعمرين أنفسهم فقد استولى عليه السويديون عام 1657 وأعقبهم عليه الدنماركيون فانتزعوه منهم وفي عام 1850 حل الإنكليز محل الدينماركيين بعد أن تم التفاهم بينهما ومنذ ذلك التاريخ أصبح نفوذ الإنكليز يتغلغل في المنطقة وبمدافع هذا الحصن أخضع الإنكليز سكان هذا الساحل من القبائل وسخروهم وفرضوا عليهم الضرائب ثم هجروه بعد توغلهم واستحكامهم فاستعمل مستشفى للمجاذيب لفترة من الزمن وفي عام 1900 أعيد بناؤه واتخذ قصراً لرئيس الوزراء ثم سكناً لرئيس الجمهورية وفي جناح خاص منه تعقد جلسات مجلس الوزراء. وحصن أشرفورت وهو حصن قديم بناه الهولنديون عام 1642 واتخذوه مقراً لتجارتهم وغاراتهم على السكان ثم أصبح في يد الإنكليز ثم استرده الهولنديون ثم هجروه في عام 1816 ثم عادوا إليه وفي عام 1830 - أعادوا بناءه بعد أن أصبح حطاماً بسبب زلزال كان قد اجتاح المنطقة وموقعه اليوم بالقرب من بناية البريد العام واستعمل سجناً عاماً لمدينة أكرا. وحصن جيمس وهو حصن بناه الإنكليز عام 1673، وفي هذا الحصن سجن الدكتور نكروما ورفاقه في ثورتهم ضد الاستعمار ومطالبتهم بالحكم الذاتي عام 1950.
وفي أكرا مساحة كبيرة تقدر بستة أميال وتقع إلى الشمال من قلب المدينة وهذه المساحة تعتبر موقعاً من أهم المواقع التعليمية في أكرا وربما في غانا كلها وفي القسم الشمالي من هذه المساحة تقع جامعة أكرا أما القسم الجنوبي فعلى أرضه بنيت أكبر مدرسة ثانوية في أكرا وفيه معهد الإدارة العامة ومعهد إدارة الأعمال. وفي أكرا اثنتا عشرة مدرسة ثانوية ومعهد فني ومائتان وسبع وسبعون مدرسة ابتدائية ومتوسطة ومعهد صحفي ملحق بالمعهد الفني وفيها ثلاث مكتبات عامة ومتحف تاريخي ومتحف فني ومتحف للفنون الإفريقية في مختلف العصور وفيها مسرح للدراما الإفريقية وفي أكرا عدة سينمات شتوية وصيفية وبها أستاد رياضي يتسع لخمسة وعشرين ألفاً وفي هذا الأستاد تقام مباريات عالمية عدة مرات في العام وفيها نصب تذكاري لضحايا الحربين العالميتين ويقع بين الأستاد والنصب قوس الحرية نقشت عليه بحروف بارزة (الحرية والعدالة) وفيها عدة أوتيلات فخمة ثلاثة منها ملك للحكومة هي الأمباسادور وستار وأوتيل المطار وأوتيلات أخرى يملكها الأفراد وتتراوح أجرة الليلة الواحدة مع الخدمة والطعام من جنيهين غانيين إلى ثمانية جنيهات والجنيه الغاني يوازي الجنيه الأسترليني في القيمة وفي أكرا ثلاث مستشفيات حكومية كبيرة: مستشفيان مدنيان وواحدة عسكرية هذا عدا المستشفيات الخاصة والمستوصفات المنتشرة في عموم الأحياء ووسائل المواصلات في أكرا ميسرة وسهلة فهناك غير السيارات الخاصة سيارات التاكسي والأتوبيسات وأجرة التاكسي شلنان للمشوار الواحد داخل البلدة أما الركوب في الأتوبيس فلا يكلف أكثر من ثلاثة بنسات وقد سهلت هذه الوسائل التنقل بين جميع أطراف المدينة فيمتلىء قلب المدينة بالآتين صباحاً ويعود فيخلو مساءً وهكذا حركة مستمرة دائمة.
تقع مدينة أكرا في الجانب الجنوبي للسهل الممتد المسمى بأكرا والتي أخذت المدينة اسمها منه في بقعة منسقة الأشجار مكتسية بالحشائش متماوجة بأنواع الزهور الطبيعية ويبلغ ارتفاعها عن البحر في بعض أقسامها 180 قدماً. وترتفع الرطوبة إلى 7% ودرجة الحرارة إلى 86 فرنهيت وموسم الأمطار فيها هما شهرا مايو ويونيه، وقد تعرقل كثرة الأمطار في هذا الموسم حركة المرور بسبب كثرة جريان المياه.
وفي أكرا مصانع مختلفة للصناعات الخفيفة: مثل تعليب السمك والفاكهة وصناعة الأثاث والبلوك والآجر ومصانع المشروبات بجميع أنواعها وجل هذه المصنوعات تصدر للأسواق المحلية لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير العملة الصعبة. وتعتبر أكرا في الوقت الحاضر مركز إشعاع للوحدة الإفريقية وللتضامن السياسي لحكومات إفريقيا فقد عقدت بها عدة مؤتمرات لرجالات إفريقيا لبحث مشاكل القارة وإصدار القرارات التي من شأنها توثيق الروابط بين الحكومات الإفريقية والنظر في حل المشاكل الخاصة بالقارة بطرق المفاوضات السلمية والتعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
والأسواق الوطنية في أكرا ذات طابع خاص فهي أشبه بخان كبير مسور له أبواب من كل جانب وقد يستطيل فتبلغ مساحته كيلومتراً وداخل هذا السور تمتد الدكاكين وهي أشبه ببسطات (منى) مع فارق بسيط في التنسيق فليس لها أبواب وأقفال وغالب الظن أن لها حراساً بالليل أو أن أصحابها ينامون بها وبهذه الطريقة أصبحت هذه الأسواق منعزلة تماماً عن الشوارع فلا تدخلها السيارات ولا يقصدها غير من كانت له حاجة؛ وقد دخلت ثلاثة من هذه الأسواق، أحدها خاص بالأقمشة فتجدها معروضة على الدكاكين وأطراف السوق في صورة أكوام كبيرة، والسوق الثاني سوق مختلط تجد فيه كل ما تطلب معروضاً بالطريقة نفسها وبدون نظام أو ترتيب حتى الأطعمة الشعبية تجدها في هذا السوق تباع مطبوخة في أفران خاصة وسوق من هذا النوع خاص باللحم والحوت وأنواع الخضر. وفي هذا السوق لاحظت عدم العناية بالنظافة والأسباب الصحية فلم أستطع الاستمرار فيه، والازدحام والحركة في هذه الأسواق لا تقل عن الازدحام والحركة في المعارض الحديثة التي لا تقل ضخامة وروعة عن معارض شيكوريل بالقاهرة بل ربما فاقتها وأكبر هذه المعارض غانا هاوس ويوتي سي وكنكز دي وسلالم يو تي سي سلالم كهربائية وهناك سوق خاص بالأعمال اليدوية التي يزاولها سكان غانا وهي سوق خاصة بالمسلمين وهي لا تختلف في العرض عن الأسواق الوطنية الأخرى ما عدا فارقاً واحداً هو أن تلك الأسواق تقع تحت سيطرة النساء فأكثريتهن يزاولن البيع والشراء أما سوق المسلمين هذا فلا أثر للنساء فيه، وتجد في هذه الأسواق جميع الصناعات اليدوية الوطنية مثل تماثيل أفيال من الخشب الجميل في اللون الطبيعي الجذاب والغزلان المصنوعة من ناب الفيل وجلود الحيات المزركشة والعصي الجميلة والأقواس والسهام والمقاعد المزركشة المصنوعة من الجلد والسلال اللطيفة الملونة والطبول وحاجات كثيرة أخرى تعتبر تحفاً في نظر السائح فلا يملك مقاومة إغراء شرائها واستحواذها مهما كانت سيطرته على نفسه قوية وتجد السواح الأجانب يتهافتون على هذه السوق ويعودون بالشيء الكثير من معروضاتها.
واللافت للنظر حقاً وجود كنائس كبيرة في أكرا أربعة أو خمسة، وليس بها سوى مسجد صغير واحد لا يتسع لأكثر من مائة شخص مبني على طريقة بدائية ويقع في قلب المدينة كرمز لضعف المسلمين هناك. ورغم أن سكان غانا 40% منهم مسلمون فلا يوجد في أكرا مسجد جامع ويصلي المسلمون الجمعة والأعياد في العراء كل حسب ما تيسر له وقد علمت أن سفراء الحكومات الإسلامية في أكرا اجتمعوا مرة لجمع تبرعات لبناء مسجد جامع في أكرا وطلبوا أرضاً من الحكومة لبناء المسجد عليها، وحتى الآن والموضوع مجمد وأرجو أن لا تفتر همة سفراء المسلمين وسفير حكومتنا بالأخص في إعادة الكرة بعد الكرة لتحقيق هذا المشروع، فإن وجود جامع كبير في أكرا سيقوي الشخصية الإسلامية فيها ويشعر المسلمون هناك بمكانتهم بين المسلمين كافة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2206  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 79 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج