شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شعورنا نحو فلسطين
يخيل إلي وأنا أسمع هؤلاء العلماء - علماء المسجد النبوي - يوم أن بلغهم خبر التقرير الذي وضعته اللجنة الملكية لتجزئة فلسطين، وهم المعروفون بالهدوء والسكينة والموصوفون بأخذ الأمور بالحكمة والموعظة الحسنة، أن قوة الصبر في نفوسهم قد نفدت، وأن بركان هدوئهم قد انفجر؛ فإننا لم نكن نسمعهم يتكلمون بألسنتهم ولكننا سمعناهم يبكون وقلوبهم تفيض على ألسنتهم، وهذا الدمع الذي كان يفيض من أعين آلاف السامعين لم يكن إلا انفجاراً من هذه النفوس المتأثرة، وتخفيضاً لتلك العواطف المكبوتة، ودليلاً قاطعاً على أن المسلمين لا يفرطون ولكنهم يرون في السكون تحفزاً لانتظار الفرصة.
الفرصة! فلا يظن غاشم أن 400 مليون مسلم سوف يرضون بتقسيم فلسطين أو أنه سوف يكتفي بالاحتجاج والاستصراخ.
هذه العين نظرت وهذه الأرجل مشت، مشت في جموع المحتشدين الذين كانت نفوسهم تقفز في أجسادهم وأرجلهم تتوسع الخطى إلى الأمام! إلى الجهاد! إلى فلسطين! ولولا أن هذا القصر الأميري في طريق المتظاهرين، ولولا أنهم رأوا من الضرورة إبلاغ احتجاجهم إلى هذا الأمير لرفع العسف عن فلسطين بالطرق الدبلوماسية.. ولولا أن هذا الأمير، هدأ الخواطر واستعمل الحكمة وكتب أمام المتظاهرين برقية باحتجاجهم إلى جلالة الملك المعظم، لكانت الحال غير الحال ولأخذت هذه الجموع طريقها إلى فلسطين إلى الجهاد في سبيل رفع الظلم والعسف (وليمت من مات في الطريق! وليحصل ما حصل في سبيل الذب عن فلسطين، فالكل مجاهدون ولكل ثواب الجهاد).
أجل، فليس خيالاً ما أقول، ومن يعرف النفس الثائرة للكرامة والدين ومن يعرف النفس التي وصل بها الأمر إلى حد الخروج عن التعقل، يعرف أنها تعمل الجائز والمستحيل! وهل سمعت إلى صحفينا العجوز وهو يصيح في الشوارع من غير شعور ولا وعي لغير ما هو فيه (فلسطين بلاد عربية! لا نرضى بتقسيم فلسطين! نفدي فلسطين بأرواحنا!) وهل سمعت فهمي وهو يتقدم بعض المتظاهرين يصيح في حرارة وتأثر (ليسقط وعد بلفور ولتحيا فلسطين العربية).
وهل سمعت زيدان وهو يصيح خطيباً وقد ضيع الموقف منه رزانته ومحافظته على تقاليد الخطابة (هلموا لرفع التعسف عن فلسطين).... وأخيراً هل سمعت الشيخ الداغستاني وعلامات الضجر بادية عليه، وفي كل نبرة من نبرات صوته ولعة يشعل بها نفوس السامعين، فترتفع هذه النفوس وتنحط مرات ومرات! وهل سمعت الشباب المتعلم الذي كنت تسمعه في كل ناد يخطب يصيح (هذا يكفي أيها الخطباء! فامشوا إلى فلسطين لنذب عن الحياض ولنموت في سبيل الكرامة ولنغير بدمائنا هذا الحال ولا خير في العيش مع الذل).
وأسمع مني حديث (أبو محمد) رجل الحارة العجوز (والله يا شيخ هؤلاء لا ينفع فيهم إلا الجهاد، والله إني أعتقد أني أقابل 100 من هؤلاء اليهود. آه، بس يأذن لنا ابن سعود وعين عيونك وايش نبغي من الحياة، دماؤنا وأموالنا في سبيل الله).
لكم الله أيها الخطباء! فلقد ألهبتم حماس الأمة ووضعتم أيديكم على مواضع الألم من نفوسهم، فشعرت بمرارة الألم وصاحت تبغي الانتقام في جنون العاطفة لا في هدوء العقل.
ثرتم للكرامة بعد طول الصبر، فثار شعبكم مؤيداً صارخاً، وخلعتم العذار في سبيل القضية الإسلامية الكبرى فخلع شعبكم العذار يبغي الانتقام. الحق أن المسلمين إلى خير، والحق أن المسلمين كالجسد الواحد.
تعس العداة فما يفرق شملنا
متفرق الأسماء والآحاد
ظلموا وما علموا بأن وراءهم
شعباً وأن الله بالمرصاد
إن الأمر عظيم في بريطانيا العظمى المعروفة باحترامها للمبادىء والمحافظة على الشعور العام بأن تعيد النظر في قضية فلسطين وتنصف العرب وتعيد للمسلمين هدوءهم وطمأنينتهم. وإن رجال بريطانيا المعروفين ببعد نظرهم وصحة حدسهم سوف لا يتحدون شعور 400 مليون مسلم تربطهم مع الكثيرين منهم روابط وثيقة، وسوف يقدر رجال الاقتصاد منهم أن عدم التعاون الاقتصادي من مثل هذا العدد سوف يؤدي حتماً إلى ضرر جسيم، وسوف يقدر رجال السياسة والحكم في بريطانيا أن تحفز هذا العدد وتربصه الفرصة للانتقام لا ولن يكون من صالح إنجلترا في وقت ترى فيه أوروبا نفسها تهيىء هذه الفرص.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :716  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 78 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثامن - في مرآة الشعر العربي - قصائد ألقيت في حفل التكريم: 2007]

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الثاني: أديباً شاعراً وناثراً: 1997]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج