شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الجزيرة العربية والماء وَكِتَابُ ((تاريخِ الْعَيْنِ الْعَزِيزِيَّةِ بِجُدَّة))
أهمية الماء للحياة
ما من شك أن الماء مرفق حيوي له أقصى الأهمية في كل قطر وفي كل بلد من أقطار الدنيا فالماء هو الحياة ولا حياة بلا ماء غير أن شدة الاهتمام بالماء وينابيعه تختلف اختلافاً كبيراً بين قطر وقطر وبلاد وبلاد فالبلاد التي حباها الله الأنهار تجري والأمطار تتوالى يقل الاهتمام فيها بالماء وينابيعه عن تلك البلاد التي شحت موارد المياه فيها وأمسكته عنه السماء، ونحن نعيش على أرض شحت الموارد الطبيعية للمياه فيها وكان هذا الشح يهدد السكان والحياة فيها عمرانياً واقتصادياً وتجارياً، لذلك كان من الواجب المحتم على كل فرد مثقف من أبناء هذا البلد أن يعرف كل شيء عن موارد المياه في بلاده وعن الجهود التي تبذل في إحياء هذه الموارد وتعزيزها ولتكون له هو يد وجهد في البحث والتوجيه توجيه أنظار المسؤولين عن هذا المرفق ليكونوا على يقظة دائمة للعناية والاهتمام والمحافظة على هذه الثروة الغالية، وإذ يقوم الأستاذ عبد القدوس الأنصاري بهذا البحث القيم في مؤلفه الجديد (تاريخ العين العزيزية بجدة) فإنه يوجه عناية كل كاتب وقارىء في هذا البلد إلى واجبه نحو الاهتمام بهذا المرفق الهام في بلادنا ثم هو يكشف عن الجهود التي بذلت وتبذل والعناية الكبيرة التي وجهها المرحوم الملك عبد العزيز وشبله الفيصل أطال الله بقاءه في جلب الماء إلى جدة من موارد قصية لم تكن لتدرك لولا الهمة القعساء، والبذل السخي والحرص الشديد على دوام تعزيز مجاريه وصيانتها فأصبحت جدة بعد وصول الماء إليها ذات مكانة وأمجاد وبعد أن كانت محصورة ضمن نطاق سور ضيق تكاد تكون مدفونة بين جدرانه.
أثر الماء في الجزيرة غزارة ونزارة
إن الجزيرة العربية وإن كانت كما يقول المؤرخون قبل آلاف السنين أرضاً خصبة تجري فيها الأنهار وترتفع في واحاتها الأشجار الباسقة وتمتد في ساحاتها الجنان المزدهرة والرياض الخضراء والقرى النضرة إلا أن الجزيرة عاشت بعد ذلك قروناً طويلة ترزح تحت عبء الجفاف وانقطاع الأمطار وقساوة الصحراء فقد كفر سكان الجزيرة النعمة كما جاء في إشارة في القرآن الكريم وقالوا في غرور من البطر وكفران النعم: رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا فقد كانت قراهم متصلة العمران خصبة الأودية والجبال وكان جزاء الكفران أن تحولت الأرض في محورها وتقلص غشاؤها وتغيرت تبعاً لذلك أجواؤها فجف ما كان خصباً في الجزيرة وأخصب ما كان جافا في غيرها وتحولت الجزيرة العربية إلى بلاد صحراوية قاحلة أمسكت عنها الأمطار وقست عليها الطبيعة وعاش سكانها أجيالاً وأجيالاً يتنقلون من جهة إلى جهة طلباً للماء والكلأ لم تنتعش فيها حياة، ولم تنم فيها حضارة والحياة إنما تنتعش والحضارة إنما تنمو في ظلال الخمائل ومجاري الأنهار وقد حرمت الجزيرة منهما كل الحرمان فالمدن كانت أشبه بالقرى مبعثرة هنا وهناك والبدوي كان يعيش عيشة كد دائم لا هناء ولا استقرار، وكانت الحضارات تنتشر حول الجزيرة وعلى أطرافها وحدودها تنشأ دول وتزدهر ثم تضمحل وتندثر والجزيرة هي هي في كدها وعنائها وغفلتها فعلى ضفاف دجلة والفرات نشأت دولة البابليين والآشوريين وازدهرت حضارتها، ودولة الفرس وحضارتها وفي الغرب دولة الفراعنة وحضارتها وفي الشمال على ساحل البحر الأبيض المتوسط دولة الفينيقيين وحضارتها وأمبراطورية الرومان وحضارتها مرت العصور وازدهرت حضارات وقامت دول واضمحلت أخرى وموطن الجزيرة مازال يسير في خطه في الحلقة المفرغة. دوران دائم خلف الكلأ والماء لا يدري ساكن الجزيرة شيئاً عما يجري على حدوده إلا ما كان ينقله إليه تجار القوافل الذين كانوا يمرون بتجارتهم من الهند إلى الشام.
قلة الماء من الأسباب دون غزو الجزيرة
ورغم العراك الدائر على حدود الجزيرة بين الفاتحين والزعماء لم يفكر أحد منهم في غزو الجزيرة واقتحام حدودها والتوغل في أراضيها، وأي شيء يغري المستعمرين والغزاة، إلى اقتحام أراضٍ لا ماء فيها ولا كلأ ولا ثراء ولا مطمع وهذا هو السر الذي جعل الجزيرة تعيش مطمئنة في عزلتها، وفي تاريخ ما قبل المسيح عهد إمبراطور الرومان الأول أغسطس إلى عامله حاكم مصر غزو الجزيرة واكتشاف خبايا أرضها ففعل فلم يجد غير الصحاري القاحلة وغير الجهد والعناء ومات الكثير من جنوده في فيافيها من العطش فكر راجعاً ولم يفكر بعد ذلك أحد من الطامعين والغزاة أن يعيد الكرة.
الإسلام يحيي موات الجزيرة
وجاء الإسلام وبقوته السماوية خرج عرب الجزيرة من عزلتهم وفتحوا الثغور ونشروا الإسلام وانتشروا وسادت حضارة الإسلام في كل مكان تقريباً.
ومع ذلك ومع انتشار الإسلام واتساع رقعته فإن حاجة الجزيرة الطبيعية إلى الماء ما زالت حجر العثرة في تقدمها وازدهارها ولعلّ انتقال مقر الخلافة إلى الشام من أهم أسبابه حاجة جزيرتنا إلى الماء وبدائية العلم في استكناه ينابيعه ومجاريه فإن حضارة الإسلام بعد انتشاره كان لا بد لها من المجال الواسع لتنمو وتزدهر وكما سبق أن قلت فإن الحضارة إنما تنمو وتزدهر تحت الظلال وبين الخمائل ومجاري المياه وينابيع الأنهار ولم تكن حاجة الجزيرة إلى الماء لتخفى على علماء الجزيرة ودعاتها وأهل الرأي فيها فقد حث الرسول عليه السلام في أحاديثه على احتفار العيون والاهتمام بها وكذلك فعل الصحابة والأتباع والملوك والحكام والتجار والأعيان.
أهمية كتاب العين العزيزية بجدة
ومن هنا نجد أهمية هذا البحث القيّم الذي قدمه الأستاذ عبد القدوس في كتابه (تاريخ العين العزيزية بجدة) وليس هذا السفر الثمين تاريخاً خاصاً بالعين العزيزية بجدة بل هو بحث تاريخي عام لحاجة الجزيرة إلى الماء واهتمام الملوك والعظماء والحكّام والتجار به في كل عصر وزمان، إذ عليه يتوقف ازدهار الجزيرة ونمو حضارتها وتقدم اقتصادها وعمرانها.
والأستاذ عبد القدوس عالم بحاثة واسع الاطلاع دقيق الملاحظة يتتبع الحوادث ويربط أحداثها بعد فحص وتمحيص فتخرج سلسلة متصلة الحلقات لا تكاد تجد بينها ثغرة تنفذ منها وهو متخصص فيما كتب من الكتب التاريخية لأنه قد كرّس حياته وجهده للتاريخ وأنت لا تكاد تنتهي من قراءة هذا الكتاب حتى تجد نفسك قد تشبعت وألمت كل الإلمام بتاريخ المياه في بلادك وتجد فوق ذلك أن من الواجب المحتم عليك أن تسهم مع كل مواطن في تعزيز مرافق المياه في بلادك وتشترك اشتراكاً فعلياً في ذلك.
الصيانة: سر خلود العين العزيزية بجدة
وقد علّل الأستاذ عبد القدوس في بحثه وتدقيقه أسباب اندثار عين الغوري والعين الوزيرية وانتعاش العين العزيزية وازدهارها رغم استمرار العمران في جدة وتضاعف سكانها أضعافاً مضاعفة فأنا أكاد أجزم بأن عمارة واحدة من عمارات البنك الأهلي الكبيرة قد تصرف من الماء في هذه الأيام ما يعادل ما كانت تصرفه جدة بكاملها ذات السور المحيط بها قبل التطور ويعود ازدهار العين العزيزية وثبوت مواردها للماحية مؤسس هذه البلاد المغفور له الملك عبد العزيز فقد هيأ لها قبل وصولها إلى جدة ما يضمن ثباتها واستمرارها فإن صيانة أي مشروع وضمان استمراره في رأي ذي النظر الثاقب أهم من إقامة المشروع نفسه وهذا ما فعله المغفور له الملك عبد العزيز فقد دعم رحمه الله مشروعه بما يضمن استمراره وثباته فمنح إدارة العين كل الأراضي الواقعة على جانبي مجرى العين على طول امتداده وعزز الملك فيصل هذا المركز بمنح إدارة العين مدينة حجاج الجو. وسكان جدة اليوم قد يصلون إلى نصف مليون نسمة، والمنتظر مضاعفة العدد وازدياد السكان والحدائق، ولا خوف على العزيزية من ذلك فإن الدعم المالي الذي اختصت به هو الآخر سيزيد ويتضاعف ليساير كل تقدم وكل توسع.
الماء ومستقبل المملكة
وبعد، فإن اهتمام الحكومة السعودية بموارد المياه في الجزيرة أمر له شأنه في مستقبل المملكة وتقدمها وازدهارها وحضارتها فإن المال والعلم متى توافرا صنعا العجائب، والمال والحمد لله متوافر والعلم قد غزا الفضاء وأخرج الخبايا من مكامنها وبطريق العلم قد أخصبت أراضٍ كانت قاحلة، وأصبحت بلاد ذات حضارة وعلم وصناعة، ولا نستبعد إذا استمر اهتمام الحكومة بهذا المرفق أن نسير بين جدة ومكة، وجدة والمدينة، بين رياض وجنات وتلك هي الأمنية التي نرجو أن تتحقق وتسعد بها نفس كل عربي وكل مسلم.
يجب أن لا تخلو منه أية مكتبة عربية
وبعد فإن كتاب تاريخ العين العزيزية بجدة كتاب قيّم ثمين يجب ألا تخلو منه أي مكتبة عربية وهو إلى جانب كونه بحثاً تاريخياً قيّماً عن المياه في الجزيرة يضم بين دفتيه علماً وأدباً.
وقد عنى الأستاذ عبد القدوس بإلقاء الضوء على الرجال العاملين الذين بفضلهم وإخلاصهم وصلت نتائج العين الباهرة إلى ما هي عليه الآن، وأثنى على رئيسها العام المرحوم الشيخ عثمان باعثمان الذي ناضل وجاهد وقاوم الكبير والصغير ليثبت حقوق العين وليدعم مركزها المادي وتوفي في ساحة الجهاد وهو قائم بدعم مركز هذا المرفق الحيوي الهام.
وثناء أضيفه أنا لخلفه السيد حسين الصافي الذي يسير على خطوات عمه في الإخلاص والجهاد.
وعلي، أن أشكر الأستاذ المؤلف بالنسخة المهداة إلي والتي خرجت من مطالعتها بهذا البحث الذي أرجو أن يكون فيه بعض الفائدة وبعض المشاركة في تكريم المؤسس رحمه الله وكل من شارك في هذه الخدمة الوطنية العامة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1574  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 72 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.