شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
التمر والحلوى في العيد
مناسبات الأعياد هي من أروع المناسبات التي تتجلى فيها المظاهر النفسية والميول الدينية والشعور الوطني للأمة التي تقدس هذه الأعياد وتعتبرها فرصة سعيدة لمظاهر الحرية والابتهاج وزمناً مطلقاً من القيود والرسميات للتهييص واللهو البريء، وبعبارة واضحة يوم العيد هو صفحة من صفحات حياة الأمة تتميز عن صفحاتها الأخرى بما تتضمنه من المعاني الحقيقية التي تمثل الأمة تمثيلاً صحيحاً بعيداً عن التكلف الزائف الذي يريد المتقعرون أن تظهر به وأن تتكلف معناه، وهي صفحة مكتوبة بالخط العريض يستطيع أن يقرأها كل من استطاع أن يلقي إليها بنظرة سريعة. والمتأمل يستخرج من هذا المنظر الرائع صوراً حية للأمة ترتسم فيها ميولها وآدابها وأخلاقها وديمقراطيتها، وبذلك يستطيع أن يحكم عليه حكماً صحيحاً مستنتجاً من قواعد دينها وتربيتها وآدابها وحضارتها، وربما كان هذا الحكم - في بعض الأحيان - غير موافق لهوى الأمة التي تريد أن تتزيف فتدعي لنفسها ما ليس فيها وتتمسك بآداب وتقاليد ليست هي من آدابها وتقاليدها في شيء، ثم تريد بما تطلى عليها من الأدهنة والألوان أن تفهم الناس أو تغالط نفسها على الأصح أنها محافظة على الصميم من عاداتها وتقاليدها.
ذلك لأن يوم العيد يوم بهجة وسرور وقل إن تحتفظ النفس بتوازنها إذا اندفعت في سويداء القلب معاني البهجة والحبور، وإنك إذا أردت أن تمتحن أقعر المتقعرين وأردت أن تستجلي نفسه واضحة - كما خلقها الله - منسية عن التصنع والتكلف تحس مواضع الطرب والانبساط في نفسه ثم جره إليها وخذ بعد ذلك صورة واضحة جلية من تلك النفس، وقد يريك صدق المخبر صورة منعكسة تماماً عما كان يحاول أن يريك إياها ذلك الشخص الموهوم؛ وليست الأمة في هذه الظاهرة إلا مجموعة أفراد يجري عليها الحكم الذي يجري على أفرادها ومن ثم كان من الواجب على الأمة التي تريد أن تعطي لنفسها صورة مشرقة للناظرين والمتأملين أن تتمسك بآدابها وأخلاقها ومظاهر لهوها وتقاليدها وأن تكون في ذلك شديدة الاتصال بماضيها الحميد وقوميتها المكينة.
وعلى هذا القياس نجد الأمم المتحضرة تتفانى في التحفظ في مثل هذه المناسبات بتقاليدها القومية الصحيحة التي تمت إلى تاريخهم القديم بالصلة الدينية والاجتماعية والأخلاقية، وقد كنا قرأنا بالأمس القريب التقاليد الغربية التي امتثل لها ملك الإنكليز في عيد تتويجه، فلم نستطع أن نفسر ذلك إلا بالتمسك بالماضي في مناسبة عزيزة وإحكام صلة الأولين بالآخرين واعتراف من الأبناء بحقوق الآباء في ذلك الظرف الذي تبتهج فيه النفس فتوحي إليها النعرة الغريزية الاعتزاز بالآباء والأجداد وللنفس في ذلك لذة أيما لذة وإمتاع أيما إمتاع.
والمدينة المنورة تحتفظ في عيد الفطر السعيد بتقاليد وعادات هي من أروع ما يجب أن تتمسك به أمة جديرة أن تحتفظ بمكانتها الدينية والأخلاقية والاجتماعية ومظهر التزاور والتعاطف الذي تكاد تلتمس فوائده العامة في ايام العيد من أجمل هذه المظاهر.
وقد أرادت جريدة المدينة الغراء أو على الأصح أصحابها أن تضيف تقليداً جديداً على مجموعة التقاليد في هذا اليوم السعيد فوجهت دعوتها لاستعمال التمر بدل الحلوى في هذه المناسبة وكانت دعوتها ترمي إلى فكرة اقتصادية محضة ما أكثر ما شرحتها ووجهت النظر إليها.
والغريب أن هذه الدعوة التي لا نشك أن الأعمى يستطيع أن ينظر إلى فوائدها من عموم النواحي قد أوجدت مجالاً للتضامن بين الداعين لاستعمال التمر والمتشبثين باستعمال الحلوى، والأعجب والأغرب أن بين هؤلاء المتشبثين شباباً مثقفاً وشيوخاً ناقمين.
يقول البعض من هؤلاء:
ما الذي يا ترى يستفيده الفلاح من هذه الدعوة؟ وما هو المقدار الذي يمكن أن تصرفه المدينة في هذا الظرف والتمر موجود في كل بيت؟ ونجيب هؤلاء بأن المدينة في الواقع لا تصرف شيئاً من التمر في هذه المناسبة ولكنها من غير شك تحفظ مئات الجنيهات الحجازية من التسرب إلى الخارج.
وسلوا إن شئتم تجار الحلوى فإنكم ستسمعون منهم ما يهول!!!
ويقول آخرون:
امنعوا الكولونيا وامنعوا… وامنعوا… وما هذه التافهة التي تصدرتم لها! أهي الحلوى كل ما يجب أن تحاربوا من الواردات الخارجية.
ونجيب هؤلاء بأنه من الواجب علينا أن نحارب كل ما نستطيع من الواردات الخارجية، ولكن ليس معنى هذا أن نقوم بالحرب على الكل أو أن نسكت على الكل فليس هذا طريق الإصلاح، فالخمر وهو أنجس شيء لم يحرم في الإسلام إلا بعد زمن طويل، والطريق المعقول للمصلحين هو البدء بما يستطاع سبيلاً وجعله إلى ما لا يستطاع.
وأغرب من هذا أن الناس يقولون: إن مناسبة العيد في السنة مرة واحدة والتمر في وجه المدني في كل يوم فهو إنما يتفكه في هذا اليوم بالحلوى ويستدلون على رأيهم هذا بأن كثيراً من كبراء الداعين إلى التمر لا يأخذون التمر بل يكتفون بوضع أيديهم عليه.
وجوابنا لهؤلاء غريب كغرابة رأيهم، إلا أننا نحب أن يفهم هؤلاء الأفاضل أن الناس في غنى عن حلاوتهم التي يظنون أن الناس يقضون العام في انتظارها فقرش أو قرشان يغني النفس بالحلوى وليس التلهف ورغبة أكل الحلوى هي التي تدعو الناس إلى زيارة منازلهم في العيد، وإنما هي عوائد وتقاليد، والتمر والحلوى في الموضوع سواء. ثم تقول إن الذين يضعون أيديهم على التمر يضعون هذه اليد الاستغنائية على الحلوى نفسها.
أما دعوتنا نحن للتمر فتشمل الفكرة الاقتصادية والفكرة التقليدية والدينية التي سبق أن نوهنا عنها في صدر هذا المقال.
نحن نقول إن التمر يجب أن يكون شعار العروبة لأنه من أهم منتوجات بلاد العرب، وتمر المدينة بالخصوص يجب أن يكون شعاراً للعالم الإسلامي عموماً لما جاء فيه من الأحاديث النبوية والآثار الإسلامية، فإذا كان استعمالنا للتمر في هذه المناسبة مبنياً على هذا الأساس واستطاع العربي والمدني بالأخص - أن يقنع نفسه أن استعمال التمر في هذا اليوم أمر محتم لا بد منه بالاحتفاظ بشعار العروبة في أعز مناسباتها يستطيع بمرور الزمن أن يثبت في نفوس أفراد العالم الإسلامي بضرورة مجاراة هذا التقليد في هذا العيد - وعمل أهل المدينة حجة عند البعض فإن إثبات هذا التقليد عند جميع المسلمين جدير أن ينفق تمر المدينة كله في هذا الظرف كما ننفق نحن الآن حلوى المعامل - وفي هذا ينتهي سر هذه الدعوة ويتوضح مغزاها.
وأما فيما ورد من الآثار عن نصح الرسول صلى الله عليه و سلم في هذا اليوم، فدعاية أي دعاية ومن آثار السلف في استعمالهم التمر في هذا اليوم ملجأ أي ملجأ.
وبعد فإننا لا نرى بداً من أن نسجل بالتقدير والإعجاب ما أبداه صاحب المعالي أمير المدينة المنورة الأمير عبد الله السديري من التأييد والتشجيع لفكرة استعمال التمر بدل الحلوى وجعل ذلك رسمياً في عيد الحكومة، وفي ذلك دليل واضح على ما يتغلغل في نفس معاليه من حب كل أمر من شأنه إعلاء شأن هذه البلاد.
ونحيي كل فرد شجع فكرة التمر وحارب في سبيلها، فهو جهاد في سبيل الله والوطن، وفقنا الله جميعاً لما فيه نفع بلادنا وأيد مليكنا المحبوب وأمد في عمره وحفظ ولي عهده المحبوب ونائبه العام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :599  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 56 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج