شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شيء في صدري
في نفسي أن أتحدث إلى القراء حديثاً لا تكلف فيه ولا مجاملة.. أريد أن (أتبحبح..) لا أريد أن أتطير بحدود صرفية أو نحوية أو لغوية، فالحديث (المبحبح) قد يشجعني على الاستمرار في الكتابة. فنفسي وأقول لكم الحق (انصدت) من الكتابة ولو علمت أني عندما مسكت القلم لأكتب لجريدة المدينة اليومية لأول مرة مشجعاً ومشاركاً سأتعرض لغضب بعض الإخوان ودلع بعض المحبين ولوم بعض الناقمين وعداوة بعض المغفلين لما مسكت القلم، ولو مسكته لما تطرقت لمناقشة المواضيع العامة وكان في البحوث الأدبية مجالاً واسعاً، ومن يدري فلعل هذا الحديث نفسه قد يغضب بعض القراء، ورضاء الناس غاية لا تدرك. هذه مقدمة كان لا بد منها لإبداء الحديث.
أيام زمان أعني الأيام الأولى لصدور جريدة المدينة، كان الكتَّاب محدودين جداً وكان القراء يقرؤون الجريدة ليقال عنهم إنهم قراء. وليس من المستغرب في تلك الأيام أن تجد قارئاً يقرأ الجريدة مقلوبة العناوين بل لقد حدث مرة أن كتبت كلمة لم تسعها الصفحة الأولى في الجريدة فنقلت الجريدة البقية في الصفحة الرابعة وكانت لا تزيد على أربعة أسطر في عمود واحد، وقابلت صديقاً كان يعمل محاسباً في إحدى الدوائر - وبعد التحية والسلام قال - شفت أربعة أسطر ونص في الجريدة وتحتها إمضاءك ما عرفت ايش تقصد منها، هل بلغ بكم هوس الكتابة في الجرائد أيها الشبان إلى حد أن تكتبوا كلاماً لا معنى له فقط لتروا إمضاءاتكم في الجرائد؟! وأجبته يا سيدي أنا أرسلت مقالة كبيرة للجريدة ولكن أنت عارف أهل الجريدة ما ينشروا إلا الشيء الذي يريدون به تكملة الوصلة الناقصة في الجريدة!!
هذه الحادثة وقعت لي وصاحبها قد توفي رحمة الله عليه. أما الذين يفهمون فكانوا أقلية صغيرة جداً وهم الشلة الذين كانوا يسمون بالأدباء هم الذين يكتبون وهم الذين يفهمون ما يكتبون.. أما الذين لا يفهمون ما يكتب فكانت أكثرية القراء وما أكثر ما كان يتعرض الكاتب للنقد اللاذع النقد الذي يعرضه لمتاعب ومشاكل كثيرة منها أن يقابل بالازدراء والتحقير ممن كانوا يعتبرون أنفسهم أهل الحل والعقد. وربما قادك إلى السجن حرف من حروف العطف، فإذا استعملت حرف الواو في بعض الجمل ثاروا عليك ووصفوك بالانحراف فهم يوجبون أن تستعمل ثم، ولو قلت تدافع عن نفسك إن حرف العطف الواو لا يستلزم الترتيب قالوا لك أسكت يا… وكان عليك أن تتحمل المسئولية كاملة…
واليوم يبدو لي أن المفهومية؟ قد انعكست تماماً، فأكثرية القراء - وأستطيع أن أسميهم الجمهور - أصبحوا يفهمون كلما تكتب وكلما تقصد وأنك لتجد من بينهم من يشد على يدك مشجعاً شاكراً لأنك عبرت عن خلجة من خلجات نفسه وأثرت موضوعاً كان يريد أن يكون موضع نقاش عام، بل إنك لتجد من بينهم من يستعمل دالة وطنيته عليك فيقول لك آمراً.. من الواجب عليك يا أستاذ أن تطرق الموضوع الفلاني فهو موضوع يشكو منه الشعب ولا بد من توجيه نظر المسئولين إليه، أما الجماعة الذين كنا نسميهم أيام زمان بالأدباء وأصبح يقال عنهم المثقفون أو قادة الرأي، فمشكلتنا اليوم جاءت منهم - أي والله منهم - كيف؟ ما أدري؟ ولا تزعلوا علي أنتم أيضاً واسمعوا مني، فالكلام مداولة كما يقولون - وإن كنت غلطان قولوا لي أنت غلطان؟ وبلاش زعل فإذا زعلتم أنتم عليّ تبقى مصيبة وأكون ما استطعت أن أرضي البائع ولا المشتري أو يتحقق أيضاً لدي عندئذ أن مفهوميتي هي التعبانة وأعدكم أني سأعتزل وأترك الميدان للفرسان.
وقد بينت لكم كيف أصبح الجمهور يقابل ما يكتب وما يعالج من أموره على منبر الصحافة وأنه والله شعور عظيم يقابله الكاتب بكل فخر واعتزاز ولا يبالي بعدئذ أن يضحي في سبيل هذا الجمهور الكريم بكل ما يستطيع وربما قلتم (زودتها) تضحية إيه؟ أن تكتب كم كلمة تعالج فيها بعض المواضيع..
وأنا أقول لكم والله (ما زودتها) فأي كلمة قد يكتبها الكاتب عن نية مخلصة فتسبب له مشاكل لا تتصورون مدى تأثيرها، وقد يصل هذا التأثير إلى اعتزاله الكتابة نهائياً مالنا بأطوالها - المهم في الموضوع هو شرح موقف الجمهور من الكاتب الذي يعالج مشاكله، واعتزاز الكاتب بهذا الموقف الواعي المشرف، بقي أن أشرح موقف الذين كنا نعتز ((بمفهوميتهم)) أيام زمان وأسأل الله أن يجعل كلامي خفيفاً عليهم. بعد صدور البيان الوزاري التاريخي المشهور هب الكتاب استجابة للدعوة الكريمة.. ومشاركة في تثبيت كيانها وتعزيزه، هبوا يطالبون ويعرضون ويناقشون، وكان النظام الأساسي وتطوير مجلس الشورى وتحسين أوضاع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة الاستغلال وأنانية رأس المال تحقيقاً للعدالة الاجتماعية ورغبة في تثبيت قواعد الاستقرار بين عموم أفراد الشعب، فإن الاستقرار الاجتماعي من أهم أسباب التقدم والازدهار بل إن الاستقرار الاجتماعي يكاد يكون السبب الوحيد للتقدم والازدهار، فالعائلة المستقرة في وسائل عيشها تربي أبناءها تربية حسنة وتقدم للوطن أبناء صالحين يبنون ويرفعون، والحكومة المستقرة تستطيع أن تحصر جهودها في الإنشاء والتعمير والتقدم بشعبها إلى المستوى الرفيع. وقد قابل الجمهور هذه المناقشات بالتهليل والترحيب وأقبلوا على قراءة الجرائد التي تنشرها إقبالاً منقطع النظير، فماذا فعل الكتَّاب؟؟
قال شيخ فاضل يرد على من كتبوا يطالبون تصحيح أوضاع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - إن هؤلاء الكتّاب من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وهذا مثل مما قال وليس كله - أعوذ بالله؟ أعوذ بالله؟ هل قرأتم أيها القراء شيئاً من هذا فيما كتبه الكتَّاب؟ وجاء كاتب آخر يتحدث عن تطوير مجلس الشورى وانتهى به الأمر إلى أن يطالب بأن يكون هذا المجلس بالتعيين وأن تتحدد صلاحيته في تقديم الشورى فقط.. الشورى التي يرى أن لا يلتزم بها جهاز التنفيذ فهل هذا من التطوير في شيء؟ إن حضرة الكاتب المحترم لو رجع إلى النظام الأساسي لمجلس الشورى لوجد أن الصلاحيات المعطاة لمجلس الشورى قبل ثلاثين عاماً أكثر بكثير مما يطالب به الآن.
وجاء كاتب آخر يدافع عن الشركات فقال إن الذين يناقشون أوضاع الشركات إنما يناقشونها لغيظ في نفوسهم على هذه الشركات، لأنهم حرموا عضوية مجالس إدارتها - وقال يؤلب الحكومة على هؤلاء الكتّاب إنهم يقصدون الحكومة ضمناً بأنها تقف بجانب الاحتكار والاستغلال.
وجاءت الشركات تدافع عن نفسها أمام المطالبين بضرورة خفض التسعيرة لتقول - إن التسعيرة وضعت بقرار حكومي.
هذه هي (مفهومية) المثقفين اليوم كما فهمتها أنا، فهل فهمها القراء كما فهمتها أم أنا الذي (مفهوميتي ) ضعيفة ويجب أن أعتزل الكتابة وويل للشعر من رواته كما يقولون؟!.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :612  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 50 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.