شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رسالة مفتوحة…
عزيزي محمد عمر توفيق:
تتحرك البواعث في نفسي لأن أتحدث إليك في خطاب مفتوح على صفحات الجرائد منذ أمد بعيد، لعلَّك تستبعد مداه وتعجب أن أكون كسولاً إلى هذا الحد، ولكني أحمد لهذا الكسل تسويفه وتمطيه، لأن هذه البواعث كان يتكرر تحركها في نفسي في الفترات التي تومض فيها نزعات نفسك الحرة الأبية، ويستفيض فيها قلمك في جرأة وإخلاص في معالجة مشاكلنا الاجتماعية، وأثناء مواقفك المشرفة وأنت موظف مسؤول وعنادك وصلابتك حين يشتد الأمر وتتصادم العقائد.
وتاريخ هذه البواعث بعيد، بعيد جداً وليست هي كما قد يتبادر إلى الذهن - صلات خاصة يوم كنت أنا تلميذاً للمرحوم والدك وكنت أنت زميلاً صديقاً لأخي محمد عبد القدير، فهذه الصلات مع عمقها صلات إخاء وتودد، أما بواعث التقدير والإعجاب فبدأت منذ أن كنت تلميذاً حييا لا تستسيغ أن تخالط من هو أكبر منك ولا يوسع لك المدى والدك رحمه الله أن تفعل.
وكنا نتزعم حركة جماعة المحاضرات أنا وضياء الدين رجب وزملاء آخرون لا أذكرهم الآن، وقيل لنا إن محمد عمر توفيق يفكر تفكيراً ناضجاً ويكتب بقلم مخلص وجرأة على الأوضاع التي يعتقد أنها غير سليمة، وتحايلنا عليك لتحاضر في جماعة المحاضرات وامتنعت وتهربت واستدرجناك فقبلت، وكانت تلك أول كلمة سمعناها منك سمعتك تلقيها برصانة الواثق الفاهم وتناقش الموضوع بمنطق قوي وأسلوب جذاب، ولا يمكنك أن تتصور ما ملأ نفسي من التقدير والإعجاب، وأذكر أني لم أفض إليك بكل ما ملأ نفسي من إعجاب وتقدير خوفاً عليك مما قد يسببه الإطراء من الغرور الذي يركب الناشىء في مثل هذه المواقف.
هذه بداية بواعث التقدير والإعجاب في نفسي وبواعث تتبع كل ما تكتب وكل ما تعمل في المجال الواسع الذي كان يتسع كلما تقدمت بك الحياة.
وكانت لك مواقف كثيرة تحرك في نفسي بواعث الكتابة إليك وأهم بحمل القلم وتصرفني الصوارف، وتجددت هذه البواعث في نفسي عندما قرأت الكلمات التي ألقيت في الحفل التكريمي الذي أقامه لك رئيس تحرير البلاد وكلمتك أنت بالذات، ولكن الصوارف إياها صرفتني عن الفكرة، ومسكت القلم اليوم وعزمت أن أكتب إليك هذا الذي أرجو أن يمر بنظرك في شواغلك الكثيرة شواغل الوزارة ومشاكلها عندما قرأت كلمتك الأخيرة في المدينة وخاصة هذه العبارة ((في كلامي مع الزميل حول مشروع كتابي في مناقشة كتاب ((الشيخان)) ما قد يستدعي التصحيح؛ غير أني أصل إلى نهاية الحديث فالحق أنه لم تكن أمور الدولة - ليلتها - أسبق إلى حجزي والاستفادة بما لدي من خبرة ودراية.. الخ)).
مع أن الكتابة إليك وأنت في هذا المقام تحتاج إلى دبلوماسية وكياسة ودفع ما يتطرق إلى الأذهان من حاجات أخرى؟!
لقد أطرى الخطباء في حفلة تكريمك جهادك بما تستحق وبما أنت له أهل ولم يبالغوا، فطالبوك وحاسبوك ونبهوك قبل أن تدخل المعركة، لقد قالوا وأكثر ما قالوا أنك صحفي مجاهد رفعت صوتك تطالب بالإصلاح الذي لم تكن مسؤولاً مباشراً عنه بالأمس وأصبحت اليوم مقيداً بالمسؤولية عنه والدعوة إليه، وقلت أنت في كلامك كل هذا، وقالوا إن اختيارك لهذا المنصب تكريم لرجال القلم، وكل هذا صحيح. والجانب الذي أريد أن أتحدث إلى الناس عنه والذي قد يكون النسيان قد محاه من أذهان بعض من يعرفه، والمجاملة أبعدت ذكره في أحاديث الخطباء، هذا الجانب هو أنك عشت فترة من حياتك موظفاَ حقق صفات الموظف الكفء، الموظف الذي خدم مواطنيه بعقيدة أن الموظف خادم لمصالح الشعب، ومصلحة الشعب أن يأخذ حقه إن كان ظالماً بتبصره طريق الصواب وإن كان مظلوماً بنزع هذا الحق من بين براثن الأقوياء. والموظف النظيف الذي ترفع أن يجامل حتى من أجمع الناس على مجاملاته، والموظف المعاند فيما أنه الحق والذي تمسك بالمبدأ فلم يرض أن يكون آلة صماء تتحرك ولم يغره داعي البقاء في الوظيفة رغم ما يقع على كاهله من واجبات مادية كبيرة ورغم ما سلب من أبهة ووجاهة الوظيفة وشنشنتها، ثم إنك الموظف الذي لم يشر الناس بأصابعهم وغمزات أعينهم، بعد أن ابتعدت عن العمل الحكومي - كعادتهم أن يفعلوا - إلى قصور بنيتها وأثتتها بأفخر الرياش المجلوب من فرنسا وإسبانيا كما فعل غيرك ممن كان عملهم الحكومي أقل شأناً من عملك.
وتسليط الأضواء على هذه الجوانب هي البواعث التي حركت قلمي للكتابة إليك وهذه الجوانب هي التي أكسبتك الشعبية التي تتمتع بها وأكسبتك حب المواطنين وتقديرهم، وفي هذا اعتراف لأهل الفضل وإغراء للشباب على اتباع المثل الفضلى.
ووزارة المواصلات (عروس) مغرية (وغول) يكشر عن أنيابه إذا أعجزه الإغراء، وأعتقد أن زهدك سيطفىء جذوة الإغراء وصلابتك ستقطع رأس الغول إذا كشر عن أنيابه.
وستجد عندئذ شبكة تلفونات عامة ميسرة الاتصال وشبكة طرق تحيي النفوس وتنعش الآمال، وتجد كل أسباب الحضارة والتقدم التي تعتبر وزارة المواصلات وسيلتها الأولى والطريق الوحيد الموصل إليها.
كان من حقك ومن واجبي أن أعنون هذه الرسالة بعنوان - صاحب المعالي - ولم أفعل لأن المعالي كما تعرف ليست ثوباً يخاط ويلبس، ولكن المعالي سهر وجهد وتضحية، وأنت بسهرك وجهدك وتضحيتك قاب قوسين من المعالي التي نسعى إليها ونطلبها جميعاً. وفقك الله وسدد خطاك.
صاحب السعادة رئيس بلدية جدة المنتدب..
بعد التحية والاحترام..
هذه مناقشة هادئة لما جاء في إجابتك للتحقيق الصحفي الذي أجراه معك مندوب جريدة المدينة.. أرجو ألا تزعجك أو تعتبرها تهجماً شخصياً من هذه الجريدة؛ فجريدة المدينة منذ أن أنشئت لم تكن أبداً تجري وراء مسعى شخصي أو توجيه خاص.. فهذه الجريدة مبدأها دائماً بل شعارها: المصلحة العامة ولا تنحرف أبداً للمصالح الشخصية.. وإن كانت لا تنكر أن البشرية لم تكتمل وأن الناس عندما يتكلمون لا يمكنهم أن يتحرروا من مؤثراتهم الخاصة!
هذه هي الدنيا وهذا هو الإنسان الذي لا يمكن أن يتنزه إلا أن يكون في أعلى مراتب البشرية أو نبياً مرسلاً!!
أنا لا ألقي تبعة ما عليه اليوم مدينة جدة عروس البحر الأحمر على كاهلك، فأنت أكبر من ذلك.. وأنت في كل ما عملته وتعمله فوق الشبهات - هذه هي عقيدتي فيك، ولكن قل لي: لماذا أهملت شارع ((أبي عبيدة)) في حديثك مع مندوب المدينة؟!
إن هذا الشارع من أهم الشوارع الرئيسية التي يمكن أن ترفع الضغط المتزايد عن شارع مكة، فلماذا أهملته في حديثك؟
قبل عام من هذا التاريخ تحدث إليّ بالتلفون صديق من البلدية يبشرني أن رئاسة البلدية قد قررت سفلتة وتعبيد شارع ((أبي عبيدة)) في مشاريعها لذلك العام.. فشكرت له هذا الاهتمام واعتبرت هذا الخبر خطوة واعية من سعادة رئيس بلدية جدة في ذلك العهد، لأن شارع أبي عبيدة شارع رئيسي ومهم والاهتمام به أمر حيوي بالنسبة لمواصلات البلد.
وبقدر أهمية هذا الشارع كان تلاعب المسؤولين والمراقبين في البلدية في تخريب استقامته وسعته!!.. تصور أن سعة هذا الشارع لما هو عليه الآن تصل إلى عشرين متراً في بعض النقاط وتصغر حتى تمثل عنق الزجاجة في بعض النقاط الأخرى. عنق الزجاجة بالضبط دون أية مبالغة! ولو سمحت وأعطيتني دقائق من وقتك لسرت معك في هذا الشارع لتدرك أهميته وأهمية الخراب الحاصل فيه!
أنتم تهيئون شارع الصحيفة ليكون متنفساً لشارع مكة، وهذا الشارع في نظري لا يصلح أبداً لهذه المهمة، فمصبه في نقطة مزدحمة في شارع مكة العام لا يمكن أن تصلح ليلاقي خطين من السيارات التي تهدر هديراً!! أما شارع أبي عبيدة فله مزايا كثيرة وددت لو أحدثك بها شفهياً.
صحيح أنهم خربوه، وإصلاحه وتقويمه يحتاج إلى مصرف كبير!! لو كنت في مكانك لحملت هذه المسؤولية المراقبين والمهندسين الذين تركوا لسكان هذا الشارع الحبل على الغارب فشوهوه وأذابوا كيانه.
أنا أنزهك من أن تكون من الرؤساء الذين يحطمون مشاريع من كانوا قبلهم لمجرد أنها مشاريع لم يكونوا هم أصحاب الفضل فيها، إن هذه فكرة سخيفة أنزه رجالاتنا في العهد الحاضر عنها.
أرجو أن تدرس موضوع شارع أبي عبيدة وتهتم به، فأنا أرى أنه الشارع الوحيد الذي يؤهله موقعه واستراتيجيته ليكون المتنفس لشارع مكة.
وتحياتي إليك
قسوة وانحطاط - إصرار الجزار واستمرار استعطاف المراقب
القسوة مذمومة في حد ذاتها وفي هذا الشهر المبارك أشد ذمة وأشد فتكاً وهذه حادثة أرويها للقارىء:
نحن في باب مكة أمام دكان جزار.
الزبون - زن لي أقة لحم.
الجزار - بخمسة ريالات.
الزبون - صائحاً ليه أربعة ونصف حسب التسعيرة.
الجزار - في عنف، فارقنا يا شيخ نحن صائمين.
يشتد الجدل ويجتمع الناس ويرتفع من بينهم صوت لرجل يلبس زياً رسمياً يشبه زي الشرطي يتعطف الجزار قائلاً أعطيه يا أخي أقة وفكنا من اللبشة. فيمسك الجزار الذبيحة من ناحية أكثرها شحم ومصارين، فيصيح الزبون لا لا أريد شحماً ويشتد الجدل ويعود الاستعطاف من جانب الرجل صاحب الزي الرسمي ويعود الجزار ليقطع من جهة أكثر شحماً، ويتكرر الاحتجاج ويتكرر التحدي من الجزار حتى تصل يداه إلى قطعة كلها شحم. وكنت في هذا الجمع فلم أطق هذا التحدي من الجزار فصحت في المشتري: اذهب إلى البلدية وأشتكي وأنا شاهد معك: فرد الرجل في استنكار ((بلدية! إيه يا عمي مو هادى هي البلدية)) وأشار إلى الرجل صاحب الزي الرسمي الذي ما زال يستعطف الجزار لفض المشكلة. وقلت للشاري إنك جبان. إنك لو أوصلت الأمر إلى الرؤساء لوقف هذا التحدي عند حده، واعترض شخص يقول يا عمي نحن نراقب التسعيرة بكل اهتمام ولكن في ناس فلوسهم زائدة يعطو برضا أكثر من التسعيرة واحنا مالنا. قلت إن الجزارين اشتروا ضمائركم واستذلوكم بقروش قليلة فلم تعودوا صالحين لمراقبتهم وساعدتموهم على ظلم الناس. إن الحكومة قد خصصت ربحاً طيباً للجزار في حدود التسعيرة، فما يأخذه زيادة على ذلك أنتم المسؤولون عنه، إنكم أنتم الذين في حاجة إلى التأديب، وبلع الرجل الإهانة وانسحب.
حدث كل هذا وما زال الجزار عند موقفه. وحجته أن الذبيحة موزونة عليه شحماً ولحماً، لذلك حل له أن يخص الشحم بكل من تراوده نفسه أن يتمسك بالتسعيرة من الزبائن. هذه هي فلسفته.
ولم أقتنع بهذه الفلسفة، فإن إصرار الجزار واستمرار استعطاف المراقب جعلني أشك أن هناك شخصية ((سمينة)) تحمي هذا الجزار. فقد اكتشفنا أن كثيراً من الأجانب الذين يعملون في هذا البلد يشتركون مع سعوديين لهم مكانتهم وبقدر قوة الأجنبي وقوة نفوذ السعودي يكون التحدي والإصرار وارتفاع الأسعار في هذه المحلات.
بقي أن تعرف أن هذا الجزار أجنبي ولا يقل تصريفه اليومي عن عشرين شاة من أجود اللحوم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :666  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 36 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.