شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 52 ـ
شمس: الساحل جميل ونسيم البحر عليل.. إنه يتضمخ بعبير البطولة والفداء في سبيل الحرية والسيادة والكرامة..
مزاحم: نحتاج إلى ثلاث مراحل حتى نصل مكة يا شمس.. ولكنها مراحل عامرة بالقرى وبالآهلين...
شمس: أترى والدنا وزوجي الآن بمكة.. أنى لنا أن نعرف في أي جهة منها يقطنون...
مزاحم: ستكون وجهتنا أول ما نصل مكة دار ضيافة أميرها ومن هناك لا شك سنعرف أين يسكن والدنا وزوجك...
شمس: مزاحم! مزاحم!
مزاحم: ما بك أختاه؟..
شمس: أنظر هناك.. هناك..
مزاحم: أنظر أين؟..
شمس: في البحر.. أنظر جيداً.. ماذا ترى؟..
مزاحم: أرى سفناً كثيرة تسد الأفق..
شمس: أتراها سفن الأسطول الروماني في طريقها إلى بلادها..
مزاحم: يقيني إنها هي إذ لا ينتظر أن تكون هنالك مجموعة بهذه الكثرة وفي هذه الأيام بالذات غير مجموعة سفن الأسطول الروماني...
شمس: إنه يعود محملاً بالخزي والعار والهزيمة والشنار فلن تطأ بلاد العرب أقدام فاتحين أو غزاة بعد اليوم بعد أن حصنها الله ببيته العتيق إذ جعله مثابة وأمناً للناس سواء من أهلها أو من غيرهم...
مزاحم: أجل يا شمس أجل ما دام الناس متبعين أوامر هذا البيت ومجتبين نواهيه.
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عمرو بن مضاض أمير مكة يقول):
عمرو: يا مرحبا! يا مرحبا! بمن بعثهما الله منقذين لبلادنا من عدوان الرومان واستعبادهم...
أبو داس: نحن لم نسهم أيها الأمير إلا بمجهود ضئيل في إحباط حملة الرومان العدوانية ولكن الدور الذي لعبته مكة بقيادتكم الرشيدة في تجميع القوى العربية وتكتيلها كان السبب المباشر في فشل الحملة الرومانية.
سيلاوس: إن الصمود الرائع الذي وقفته قوات التجمع العربي كان الصخرة الصماء التي تكسرت على شطآنها موجات الطغيان الروماني...
عمرو: لاشك أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أيدنا بنصره لأننا كنا ندفع عن بلادنا ظلم المعتدين وجبروت الطغاة الآثمين..
أبو داس: ولقد لقنتم أعداءكم درساً من المثلات الرائعة والبطولات الفذة التي سطرها رجال هذه البلاد وقادتها في ميادين الشرف والكرامة..
عمرو: يجب أن لا تنسى براعة القيادة الحميرية وروعة مخططاتها وشجاعة جنودها...
سيلاوس: مما لا ريب فيه أن القيادة الحميرية تحملت العبء الأكبر من قتال الحملة الرومانية ولكن..
عمرو: ولكن ماذا يا سيلاوس؟.
سيلاوس: ولكن معركة التجمع العربي هي التي حددت مصير الحملة الرومانية.. ولقد كنتم أيها الأمير المخطط الأول لذلك النصر..
عمرو: شكراً يا سيلاوس شكراً.. لقد كان كل ذلك بتوفيق من الله سبحانه وتعالى ورحمته بنا أن كفانا شر المعتدين فردهم على أعقابهم خاسئين خاسرين.
أبو داس: وكان انتصاراً ما بعده انتصار...
سيلاوس: وكان هزيمة وعاراً للرومان ما بعده عار..
عمرو: وكان من فضائل هذه الحملة علينا أن كسبنا في بلادنا رجلين عظيمين مخلصين لوطنهما وأمتهما..
أبو داس: أتذكر يا سيلاوس كم كنا نتمنى أن نختم أيام حياتنا في السكنى في مكة بجوار بيت الله العتيق وفي رحاب سيد كريم عظيم...
عمرو: يا مرحبا.. يا مرحبا.. نزلتم أهلاً وحللتم سهلاً.. متى ينتظر وصول أهلكم وعشيرتكم؟..
أبو داس: لا ندري أيها الأمير.. ذلك لأن خروجهم من (البتراء) عاصمة بلادنا يحتاج إلى حذر وحيطة خوفاً من عيون الرومان وعملائهم...
سيلاوس: قلبي يحدثني أن انتظارنا لهم لن يطول أيها الأمير...
عمرو: أرجو أن يصدق حدس قلبك يا سيلاوس فما أصعب الحنين إلى الأهل والولد...
(نسمع زئير العاصفة وقصف الصواعق وهزيم الرعود وزخات المطر نسمع بعدها صوت إيليوس يقول):
إيليوس: مزيني! مزيني!
مزيني: سيدي القائد!
إيليوس: أتلاحقنا لعنة بلاد العرب حتى في طريق عودتنا إلى بلادنا؟..
مزيني: إن العاصفة هوجاء سيدي القائد والأمواج كالجبال والسفن كالريش في مهب الريح..
إيليوس: والخطر محدق بنا من كل الجهات.. ظلمات بعضها فوق بعض وأمواج يلطم بعضها البعض وبروق تخطف الأبصار ورعود تصم الآذان...
(نسمع زئير العاصفة وقصف الصواعق وهزيم الرعود نسمع بعدها صوت مزيني يقول):
مزيني: إن هذه البروق والرعود والعواصف تذكرني بليلة الوادي الرهيب ونحن في طريقنا من مارياما إلى نجرانا.
إيليوس: ولكننا كنا في أمان منها يومئذ.. أما اليوم فنحن في أتون العاصفة وفي فم الموت ننتظر متى يطبق علينا..
مزيني: أجل سيدي القائد أجل نحن الآن في صراع لا نعلم أننجو منه أم نلحق بإخواننا الذي أغرقتهم سيول الوادي الرهيب..
(نسمع زئير العاصفة وقصف الصواعق وهزيم الرعود وصرخات مدوية مفزعة نسمع بعدها صوت إيليوس يقول):
إيليوس: ما هذه الصرخات المدوية المرعبة يا مزيني؟..
مزيني: ربما غرقت إحدى السفن بمن فيها...
إيليوس: اذهب وسَلْ...
مزيني: من أسأل سيدي القائد والكل مشغول بنفسه... ولكني سأنظر من مؤخرة السفينة لعلى أرى شيئاً من خلال جبال الموج..
(نسمع صرخات أخرى تختلط بزئير العاصفة وقصف الصواعق والرعود نسمع بعدها إيليوس يقول):
إيليوس: لقد أصبحنا من الموت على قاب قوسين أو أدنى يا لها من نهاية محزنة...
مزيني: إن الصرخات الأولى والثانية هي أصوات بحارة السفينتين اللتين غرقتا..
إيليوس: من يدري فقد تلحق بهما سفن أخرى يا لسوء المصير..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مزاحم يقول):
مزاحم: انظري يا شمس ها نحن ندخل مكة هذه جبالها وهذا واديها المسمى وادي إبراهيم...
شمس: ما أجمل وأروع ما أرى وهذه الدور المنتشرة على جنبات الوادي وسفوحه وجباله...
مزاحم: إن هذا البلد عطية رب هذا البيت لنبيه إبراهيم..
شمس: ما أعظمها من عطية.. لقد كان أجدادنا يحدثوننا عن هذا الوادي وما كانت تتعرض له القوافل من نصب وشغب وعطش وسغب وهي تمر بهذا الوادي الأجرد...
مزاحم: أما اليوم فالماء الذي فجره الله تحت قدمي إسماعيل بن إبراهيم قد أصبح ورداً سائغاً للشاربين.. وهذا الوادي الأجرد قد عمر بهذه الدور والمساكن فأصبح بلداً طيباً تجبى إليه ثمرات كل شيء...
شمس: وهذا الاستقرار الذي ينعم به هذا البلد الطيب فلا خوف ولا قلق ولا فزع ولا وجل فالكل يتفيأون ظلال الأمن والطمأنينة الوارقة..
مزاحم: ولا خونة ولا عملاء للرومان أو لغير الرومان...
شمس: لعل هذه ظاهرة عجيبة في هذا البلد وفي بلاد العرب الأخرى إذ لم يسمع أن الرومان استطاعوا أثناء حملتهم أن يصطنعوا عملاء من بين العرب...
مزاحم: لا شك أنها ظاهرة تلفت النظر وتستحق التقدير والإعجاب..
شمس: أرجو أن لا تتلوث هذه البلاد بأمراض الخيانة والعمالة التي تسود البلدان المجاورة لها..
مزاحم: سنأخذ الآن طريقنا صوب دار ضيافة أمير مكة.. وهناك نسأل عن والدنا وزوجك فهل عندك أي مانع؟..
شمس: لا يا أخي ما دمتم جميعاً قد اتفقتم على الذهاب إلى هناك فأنا معكم وإن كنت أخشى..
مزاحم: تخشين ماذا يا شمس؟..
شمس: أخشى أن لا تتسع دار الضيافة لهذا العدد الضخم من أهلينا وعشيرتنا
مزاحم: (ضاحكاً) إن دار ضيافة الأمير تتسع للوفود الذين يحجون إلى البيت العتيق فكيف لا تتسع لقومنا وهم قطرة في بحر..
شمس: لعلنا نهتدي على والدنا وزوجي بسرعة فعبيدة متلهف على رؤية جده ووالده لقد أرهقني بأسئلتهعنهما فعسى أن نجدهما وألاّ يكون قد حدث ما أعاق حضورهما إلى مكة...
مزاحم: أرجو أن نجد كل شيء على ما يرام...
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أبي داس يقول):
أبو داس: تأخر وصول أهلنا وعشيرتنا يا سيلاوس. عسى أن ألاّ يكون قد حدث لهم مكروه..
سيلاوس: لو حدث لهم سوء لشاع وانتشر.. والمهمة الملقاة على عاتق مزاحم وشمس خطيرة يا أبا داس...
أبو داس: هذا صحيح.. ولكن لا خبر عنهم مع القوافل التي ترد يومياً من الشام...
سيلاوس: لعلهم يريدون مفاجأتنا يا أبا داس...
أبو داس: بل قل لعلهم يخشون أن يعلم بأمرهم الرومان عن طريق عملائهم فيرسلوا من يطاردهم ويعود بهم.
سيلاوس: ليس ذلك ببعيد (فإيليوس) لا شك قد بعث بأعوانه إلى مصر ليذيعوا أننا كنا السبب ليجد مبرراً لفشل حملته.
أبو داس: ولا بد أن رجال (إيليوس) قد بعثوا إلى مصر ليذيعوا أننا كنا السبب ليجد مبرراً لفشل حملته.
أبو داس: ولا بد أن رجال (إيليوس) قد بعثوا إلى عملائهم في بلاد النبطيين ليرصدوا حركات أهلنا وعشيرتنا وسكناتهم حتى إذا عاد إيليوس استصدروا أمراً بالقبض عليهم وإرسالهم مخفورين إلى مصر.
سيلاوس: صه يا أبا داس فإني أسمع ضجيجاً وأجراس دواب ورغاء الإبل وصهيل خيل أمام دار الضيافة.
أبو داس: لعلهم من وفود هذا البيت وما أكثر هؤلاء الوفود...
سيلاوس: إن قلبي يخفق بشدة يا أبا داس...
أبو داس: أتراهم أهلنا وعشيرتنا...
سيلاوس: إن خفقان قلبي لا يكذب...
أبو داس: لعلك أكثرت من الطعام حتى اشتد خفقان فؤادك...
(أجراس الدواب ورغاء الإبل نسمع بعدها صوت مزاحم يقول):
مزاحم: أهذه دار الضيافة أيها الأخ العربي.
يمين: أجل أيها الأخ العربي... مرحباً بكم. نزلتم أهلاً وحللتم سهلاً... ما اسمك؟..
مزاحم: مزاحم... وأنت..
يمين: يمين...
مزاحم: إنك ورب البيت ميمون الطلعة...
يمين: ممن القوم؟
مزاحم: من الأنباط
يمين: من أهل أبي داس وسيلاوس...
مزاحم: أتعرفهما؟؟..
يمين: بلى أيها الأخ العربي...
مزاحم: أين هما؟
يمين: أنت ورب هذا البيت من أهلهما... سأنطلق لأبشرهما بمقدمكم فإنهما بانتظاركم على أحر من الجمر...
 
طباعة

تعليق

 القراءات :584  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 52 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.