شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أما آن لمشكلة التعليم أن تحل؟
واجب الأمة والحكومة نحو ذلك
تطورت الحياة وأساليب الحياة، وكل ما يمت للحياة بصلة، وأصبحت الصلة التي تربط الحياة الجديدة بالحياة القديمة، صلة استخراج الأصلح المفيد، ونبذ الضار الغير ملائم للحياة، وقد تناول الهدم بعض مرافق الحياة القديمة ومستلزماتها، لإشادة صروح جديدة تسير مع تطورات الحياة.
ولقد كان نصيب التعليم من هذا عظيماً جداً لاتصاله الوثيق بالحياة ومرافقها، تغيرت مناهج التدريس القديمة، بمناهج تتلاءم وحياة اليوم، ولفظت أساليب الدراسة القديمة، واستبدلت بأساليب تتفق وذهنية العصر الحاضر، وكل هذا لأن حياة اليوم حياة تختلف عن تلك الحياة التي سنت لها هاتيك المناهج والتي اتبعت فيها تلك الأساليب.
ولم تقدم الأمم على مثل هذا إلا بعد بحث دقيق. وتفكير عميق، لما لهذه الحياة من الأهمية والأثر الفعال في الحياة ومرافق الحياة.
ونحن أمة من الأمم نريد أن نحيا حياة كاملة غير منقوصة، نريد أن نحيا حياة تتفق ومركزنا الديني واستقلالنا السياسي، وعروبتنا الحقة، نريد مجاراة غيرنا من الأمم في مضمار التعليم ليكون لنا وسطاً علمياً يضارع أوساط الأمم الأخرى، وما دمنا نريد هذا ونطمح لمثله فيجب أن نعتقد أن جميع الجهود التي تبذل لرقينا وتقدمنا جهود غير مثمرة ثمرتها التامة. ما لم تدعم بالتعليم الصحيح، إذا كنا نريد تلك الحياة فيجب أن نوجد التعليم الصحيح.
يؤلمني وأيم الحق أن أقول أن التعليم في بلادنا مضطرب من جميع نواحيه وأنه في دائرة جد محدودة لا تتلاءم وحياة العصر الحاضر، وأن ليس بين مناهجه ومناهج الأمم الأخرى الصلة التي يتطلبها الفن التعليمي. إن قواعد التعليم في بلادنا بمعزل عن قواعد تعليم الأمم الأخرى وأن الصلة التعليمية بيننا وبين الأمم الأخرى مفقودة تماماً وأن أساليب الدراسة في مدارسنا أساليب عقيمة لا تمت بصلة إلى الطالب في القرن العشرين الذي نعيش فيه وأن من الجناية على الأمة وعلى المستقبل أن نحصر التعليم في هذا النطاق الضيق المحدود ونحن في حاجة إلى ميدان واسع نستقرئ فيه أساليب الحياة كما تريد الحياة.
إن مناهج التعليم في مدارسنا مشوشة وإن توزيع المقررات في مدارسنا توزيع مرتبك، وأن الصلة بين الدروس التي يحمل عليها الأستاذ المحترم في مدارسنا حملاً، صلة لا تتلاءم وفنون المقررات. إنا إذا استطعنا أن نصقل مناهج التعليم بدهانات براقة ونظهرها بمظهر خلاب فنحن جد عاجزون عن اتباع الطرق الفنية في التدريس. إن التدريس لدى الأمم اليوم فن من الفنون، ومع الأسف لم نجد هذا الفن بعد، وأن الطالب المسكين لا يجد هذه النجدة عند كل من يتولى تثقيفه، إن الطالب المنكوب في تعليمه يلقن علومه تلقيناً مضطرباً مشوشاً، إن حياة الطالب المدرسية كلها اضطراب، إننا بحق قد جنينا على طلاب المدارس الذين هم فلذات أكبادنا.
إن الحياة المدرسية في بلادنا تبعد كل البعد عن حياتنا العملية، وإن المتخرج من مدارسنا يجهل تمام الجهل محيطه الذي نشأ فيه، ووطنه الذي تربى في أرضه وتحت سمائه، إن الطالب المسكين إذا ما أتم دراسته ونال شهادته وخرج ليخوض معترك الحياة وجد نفسه في جو يختلف عن الجو الذي كان يعيش فيه وفي حياة تختلف جميع مظاهرها عن حياته السابقة، غريب عن كل ما حوله، غريب - مع الأسف الشديد - في وطنه وبين أهله وقومه، والذنب في هذا ذنب المدرسة التي لم تنشئه نشأة يصلح معها لخوض غمار الحياة، ولم تلقنه ما يجب معرفته عن وطنه وأمته، وعن معترك الحياة.
إن من المخجل المؤلم أن يتلقن الطلبة في مدارسنا أحوال الأمم الأخرى ومجالس الحكم فيها ثم هم لا يتلقنون أي شيء عن حجازهم ونجدهم ومصيرهم ومجالس الحكم فيها، وكل هذا يرجع إلى أن الكتب الدراسية التي تدرس في مدارسنا كتب لا تتفق وبيئتنا، كتب وضعت لأمة مخصوصة، اعتناقنا لها باعد بيننا وبين وطننا وما يجب أن نعرفه عنه، وهذه جناية على الوطن.
إن التعليم في بلادنا يحتاج إلى تقويض من الأساس، وبناء من جديد على أسس فنية ثابته يقوم به أخصائيون ويتناولون أمر التعليم بقوة وحزم كما يريده التعليم، يحتاج إلى مدرسة ليلية يتمم المتعلمون منا ثقافتهم فيها، يحتاج إلى إرسال البعثات للتخصص في مختلف العلوم والفنون يحتاج إلى جهود جبارة في تأليف لجان يكون أعضاؤها من المقتدرين لوضع مؤلفات تعبر عن حياتنا ووطننا وحياتنا الماضية والحاضرة أصدق تعبير. أما الاكتفاء بالوضع الحاضر، وبتحويل منهج الدراسة على شكل المنهج المصري أو العراقي أو السوري، واختيار جميع الكتب الدراسية من الكتب المقررة لدى هذه الأمم أو بعضها والوقوف عند هذا الحد وما شابهه فكل هذا لا يفيدنا أبداً، وإذا تقدم بنا خطوة إلى الأمام فإنما هي خطوة مرتبكة سيحدث ثغرة في أساس تعليمنا في وقت من الأوقات فنضطر للعودة مرة ثانية لسدها، ومعنى هذا الرجوع إلى الوراء وضياع الوقت.
إن الأموال الأميرية المخصصة للتعليم في بلادنا جد ضئيلة لا تكفي لتسيير دفة التعليم، ولا لسد احتياجاته. إن ميزانية المعارف ميزانية ضعيفة مفتقرة إلى النمو. إن المدارس الأميرية في فقر مدقع، وإن الإعانات التي تصل إليها لا تفي بحاجاتها الضرورية، وإن النهوض بالتعليم على هذا الأساس معناه خنق التعليم، إن التعليم في بلادنا طفل في المهد، وإن السير به على الشكل الموجود خنق له وهو في مهده بعد، إذا لم تشجع الحكومة بالوسائل المادية والأدبية أمر التعليم الأميري والأهلي وإذا لم تعضد الأمم المدارس بأموالها وعنايتها وإلاَّ قضينا على أعظم ناحية من نواحي حياتنا.
إنا نكتب هذه الكلمة في بدء حلول العطلة المدرسية ليفكر المخلصون الذين يهمهم أمر التعليم في إصلاح أمره قبل فوات الفرصة، فيحلوا مشكلته التي تعقدت والتي أخذت تنذر بالخطر. إن حالة التعليم في بلادنا حالة مؤلمة محزنة وإن التهاون بأمرها جناية لا يغفرها التاريخ، وإنا نهيب بقادتنا وزعمائنا من ضياع هذه الفرصة فتتحمل الأمة غصص التعليم البالي وطرقه العقيمة سنة أو سنوات أخر، وهذا ما لا يرضى به المخلصون، إنا لعملهم من المنتظرين، والتاريخ لهم بالمرصاد، والله من وراء القصد.
جريدة (صوت الحجاز)
بتاريخ 25 ذي القعدة 1354هـ
18 فبراير سنة 1935م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :379  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 77 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج