شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تربية الأطفال (3)
واجب الأمة نحو المدارس
من الشيء المسلَّم به، والذي لا يحتاج إلى دليل أن المشاريع العمرانية، والمؤسسات الخيرية لا تتوطد دعائمها، ولا يتم نجاحها، ولا تظهر فائدتها إلا إذا شجعت وعضدت، ومن أهم الأشياء التي يجب أن نساعد بها، ونقدم إليها المساعدات المالية، التي هو من الضروريات الأولية لحياتها وتقدمها، وكلما كان مورد تلك المشاريع والمؤسسات عظيماً كانت فائدتها أعظم، وثمرتها أحسن، والعكس بالعكس.
ولما كانت الأمة تتكون من الأفراد الذين ينتمون إليها، ويرتبطون بها، فقد أصبح على كل فرد منها واجب، ومطلوب منهم التكاتف والتآزر للقيام بعبء هذه الحياة ليتسنى للأمة السير بجانب غيرها من الأمم، ثم يجب عليها أن تلاحظ سير الحياة وتطورها عملاً بتنازع البقاء وبناء الأمثل، ليكون مركزها قوياً ولتسير على أساس متين.
وأن الواجب يقتضي أن يعمل كل فرد من الأمة لإسعادها ورقيها بعزيمة صادقة ونية خالصة، بقدر استطاعته، وبحسب مداركه، وأن يقدم لمؤسساتها الخيرية ما يستطيعه بحسب وسع ذات يده، وأن واجب المثقفين المتعلمين وأرباب الثروة نحو هذه الأشياء أعظم من واجب الجاهل، ومن واجب المعدم الذي لا يجد ما يقدمه لأن جهلها الأول، وإعسار الثاني أوجب بهما هذه الشفقة وخفف عنهما هذا الواجب.
ونظراً لكوننا قد أخذنا نسعى للحياة من جديد، فيجب أن يكون سعينا حثيثاً، وأن يكون سيرنا على أساس ثابت، ولما كانت المشاريع العمرانية والمؤسسات الخيرية من أهم الأشياء التي نحتاجها، والتي تعود علينا بالفائدة، يجب على كل فرد منا أن يوجه شطراً من عنايته إليها، وبالأخص أرباب الثروة، والذي لا يضيرهم ذلك، وأن الثروة التي لا تستفيد منها الأمة، والتي لا ينفق قسم منها في صالحها وتحسين أحوالها، وترفيه حياتها لربما يكون عدمها أحسن من وجودها. وإن المدارس التي نضع بين جدرانها أولادنا وأفلاذ أكبادنا، ومهج قلوبنا، ومن هم أعز الناس عندنا، والتي على ثمرتها يتوقف سير حياتنا وتقدمنا، لها علينا واجبات يجب أن نقدمها إليها، ويجب أن نعضدها بها، ويجب أن نمد إليها يد المساعدة، ويجب أن نتعهدها بين كل حين وآخر، لأن ذلك في صالحنا، زيادة على كونه واجب علينا (والواجب لا يترك) وإذا لم نؤد هذا الواجب على الوجه الأكمل متساعدين جميعاً، ومتوازعين هذا العبء الثقيل الذي قضت سنة الكون بأن نحمله، فسيكون سيرها ضعيفاً، وسنضطرها لأن تغلق أبوابها.
وما دمنا الآن نسعى في إعادة المجد القديم فما أحرانا أن نشجع المدارس لأن ذلك له أثر قوي في ما نطلبه ونرنو إليه، فنقدم إليها شيئاً مما أنعم به الله علينا لبث روح الحياة والنشاط فيها (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً)، كما أنه يجب أن نسعى جهدنا في الإكثار من المدارس لأنه لا شيء في العالم يفيد الأمم أحسن من العلم، ولا شيء يضرها ويؤخرها مثل الجهل، ولا نستطيع أن نقضي على الجهل، ونوسع دائرة العلم إلاَّ بالمدارس والإكثار منها، ويجب أن تكون دينية وصناعية وفنية، وإن احتياجنا الآن إلى كل شيء يقضي علينا بأن نوجد كلما نحتاجه، وما علينا إلا أن نتبع الطريق المشروعة في تكوينه وتغذيته وتقدمه وتحسنه وهو ينجح، وأن هذا مطلوب من الأمة كما هو مطلوب من الحكومة، إذ أنه كما على الحكومة واجبات، على الأمة واجبات أيضاً، وإذا لم يقم كل من الحكومة والأمة بالواجبات التي عليهما متكاتفين متساعدين فسيكون سيرنا بطيئاً.
والحقيقة أن الأمة مقصرة في كثير من الواجبات التي عليها، وبالأخص في مساعدة المدارس والجمعيات الخيرية، مع أن هذا واجب عليها، ثم نحن في حاجة شديدة إلى ذلك، وما دامت الحاجة شديدة فيجب أن يكون التعضيد عظيماً، ويجب أن يكون من جميع الطبقات كل بقدر جهده، وبحسب استطاعته، ولو كان ذلك ضئيلاً لأنه من القليل يتولد الكثير و (من القطر تسيل الأودية). فهلاَّ سعينا لأداء هذا الواجب؟ وهلاَّ حفزتنا شهامتنا ونحن أهلها إلى ذلك؟ وهلاَّ دفعتنا الغيرة والحمية ونحن أبناء العرب الأشاوس لسد هذا الفراغ؟ هلاَّ عملنا ذلك؟
والله إذا عملنا وقمنا به فسنسدي إلى أبنائنا ووطننا أعظم خدمة إنسانية جليلة، وبذلك نخطو خطوة واسعة ي سبيل التقدم الذي كل منا يلهج به، ويلوكه في لسانه ليل نهار، أمّا إذا أهملنا ذلك فسنكون قد قصرنا.
ثم يجب أن نعرف معرفة تامة أن المدارس الأهلية في حاجة شديدة إلى المساعدة وأن هذه الأزمة الخانقة قد أثرت فيها كثيراً.
ويكفي أن نرى كثيراً من أساتذتها قد تنازلوا عن قسط عظيم من رواتبهم إزاء هذا المشروع الإنساني الجليل، فما أحرى الأمة أن تمدها هي أيضاً بما تستطيعه من مساعدة لأن المنفعة مشتركة، هل نحن فاعلون؟
إنا لذلك منتظرون.
مكة المكرمة: (الغربال)
جريدة "أم القرى" العدد 397
يوم الجمعة 18 ربيع الأول سنة 1351هـ
الموافق 22يوليو سنة 1932م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :353  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 76 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.