شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تربية الأطفال (2)
(واجب المدرسة)
العلم يثقف العقول، العلم يرقي الأمم، العلم يغرس في نفوس الأمة حب الفضيلة، العلم يضيء لصاحبه طريق الحياة والسعادة، العلم نور والجهل ظلمة، وحاجتنا إلى النور شديدة، وحاجتنا إلى العلم عظيمة، وحاجتنا إلى تعميمه في كل زاوية من زوايا بلادنا أشد وأعظم. عرفت الأمم الحاجة الضرورية إلى العلم فأكثرت في المدارس، وأدخلت عليها الكثير من ضروب الإصلاح، ليتسنى لها أن توجد نشأ مثقفاً يسعى لخدمة وطنه خدمة صحيحة لا غش فيها ولا خداع ولا رياء، ويعمل لما يفيدها وينفعها، ويعود بالخير العميم عليها، ضارباً بمصلحته الخاصة إذا تعارضت مع المصلحة العامة عرض الحائط.
عرفت الأمم فوائد المدارس فأكثرت منها لتجني ثمراتها، وتحصل على فوائدها، وسعت في وضع أسس قوية تسيرها عليها، لكون نجاحها مضموناً، وسيرها سريعاً. وإن على المدارس واجباً عظيماً في تربية الأطفال وتثقيفهم وإن ما تغرسه المدارس في نفسية الأطفال وما تلقنه إياهم، وتحسنه لهم، وتحببه إليهم يقدسونه ويعظمونه وينشأون عليه، وإن ما لها من التأثير في قلوب الأطفال والسلطة على نفسيتهم يجعلها تتخذ كل الوسائل والطرق التي تفيدهم وتنجح فيهم، وإن هذا التأثر وتلك السلطة قد أوجبت على المدارس واجبات عظيمة، وأصبح القائمون بأمرها والمديرون لشؤونها هم الملقى على عواتقهم تلك الواجبات، وهم المسؤولون عن أدائها، وإذا لم يقم كل بواجب المسؤول عنه بإخلاص، وعزيمة صادقة باذلاً جهده في سد كل فراغ تحدثه الظروف وتنتجه الأيام، فستكون النتيجة ضعيفة وغير موصلة إلى الغاية التي تنشدها النفوس، والتي من أجلها أسست المدارس وأقامت بنيانها، ورفعت دعائمها.
إن على كل فرد مسؤول في المدرسة واجب عظيم مقدس، وإن على كل عضو عامل فيها واجب عظيم أيضاً، يجب أن يقوم به بدقة تامة ما دام تقدمها وتأخرها ونجاحها وهبوطها هو المسؤول عنه، وإن جميع أساتذة المدرسة مسؤولون عنها، لا فرق بين الرئيس والمرؤوس (1) ، ولا يحق لأحد منهم أن يتبرأ من ذلك بحجة أنه مدرس لفن مخصوص، أو ليس عليه إلاَّ أن يلقى درسه فقط، لا يحق ذلك، لأنه بعيد كل البعد عن الحق، وأن واجبات الذين يديرون أعمال المدارس عظيمة، وإذا لم يقوموا بها متكاتفين متساعدين فسيكون سير تلك المدرسة ضعيفاً غير مفيد، هذا إذا لم يشل في حركتها ويقضي عليها، إذ ليس القصد وجود أساتذة ومدارس وتلاميذ، بل القصد أن تكون نتيجة هذه الأشياء مفيدة، ويجب أن تكون محسوسة ملموسة، ويجب أن يكون سيرها سريعاً.
إن على الأستاذ في المدرسة واجبات، وعلى المراقب في المدرسة واجبات، وعلى المفتش في المدرسة واجبات، وعلى من أوكل إليهم أمر المدارس وتدبير أمورها واجبات، ويجب على كل منهم أن يؤدي ما عليه، وإلاَّ فهو مسؤول أمام ضميره ووجدانه قبل كل أحد، ثم أمام الأمة بداعي الارتباط الاجتماعي الذي نرتبط به جميعاً.
وأن أول شيء يجب أن تعتني به المدرسة، أو بمعنى غير، المسؤولون عن المدارس هو الأستاذ، لأنه إحدى العوامل التي يتوقف عليها نجاح المدرسة، وهو بصفة الأساس لها، ثم هو ذاك الذي سيربي روح أطفال الأمة، وهو ذاك الذي سيغرس أخلاقه في نفسية أطفال الأمة، هو ذاك الذي سيخرج الغد للأمة، وهو ذاك الذي سندفع إليه بمهج نفوسنا، وثمرة قلوبنا، وحري بمن كان يتولى مثل هذا المقام الرفيع بأن يكون من المتحلين بالأخلاق الإسلامية، ومن أصحاب الأخلاق الحسنة والصفات الجميلة، وأن يكون مثالاً للشهامة والمروءة. وإذا اعتنى الذي وكل إليهم أمر المدارس بالأساتذة مادة و معنى فسيكونون قد أحكموا دعائم المدارس والتدريس، وضمنوا لها النجاح، وقاموا بالواجب عليهم. ثم من الأشياء الضرورية للمدارس وجود النظام الذي يكفل سيرها وحياتها، إذ كل شيء لا يسير على نظام ثابت يؤمن نجاحه فهو عرضة للاضمحلال، وقريب من الفناء. والنظام ضروري للمدارس لأنه ينظم أمورها، ويجعلها تسير ضمن دائرة محكمة النطاق، فقط يعوزه التطبيق بدقة تامة، وعناية عظيمة، ويجب أن يراعي في تطبيقه المصلحة العامة قبل غيرها، وإذا سار على هذا النحو فهو بلا شك سيسير بالمدرسة خطوة واسعة إلى الأمام، وما دمنا محتاجين لهذه الخطوة فيجب أن تعتني المدرسة بنظامها اعتناء عملياً.
كذلك من الأشياء التي يجب أن تراقبها المدرسة، وتعتني بها، سير التلاميذ وأخلاقهم في المدرسة وخارجها، لأن التلميذ إذا راقبته المدرسة تستطيع بذلك أن تقوِّم من إعوجاجه، وتحسن من سيره، ثم بالتالي يفيدها، إذ تستطيع أن تبعد عن المدرسة كل رذيلة، وتقاوم كل داء يفتك بأخلاق أبنائها، والأمم في العالم اتخذت طرقاً عديدة لتأمين ذلك، وأحسن شيء كفل لها ذلك هو صلة المدارس بأولياء التلاميذ، وقد اتخذت لذلك نوتة "دفتر صغير" يؤشر عليه يومياً من قبل المدرسة ومن قبل أولياء التلاميذ، وبذلك تعرف المدرسة سير التلميذ معرفة تامة، ويكون ذلك الدفتر مترجماً عن سيره وأخلاقه، ويا حبذا لو طبقت هذه القاعدة في مدارسنا بصفة تلائم بيئتنا وحياتنا، ولو في كل أسبوع مرة واحدة، لأنها ذات فائدة عظيمة، ونحن في حاجة إلى الأخذ بكل شيء يفيدنا. وكذلك يجب أن تبذل المدرسة قصارى جهدها في أن تغرس في نفسية الطفل حب الإسلام والعلم بأحكامه، وحب الفضائل، وحب الوطن، وأن تتخذ الطرق الممكنة، لأن تمكن ذلك فيه، وتحببه إليه، والفعل أعظم تأثيراً في الناس من القول.
هذه بعض الأشياء التي حضرتني الآن، وعسى أن أوفق فأعود إلى الموضوع في فرصة أخرى، لأنه موضوع جدير بالاهتمام والبحث.
مكة المكرمة: (الغربال)
جريدة "أم القرى" العدد 396
يوم الجمعة 11 ربيع الأول سنة 1351هـ
الموافق 15 يوليو سنة 1932م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :427  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 75 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج