شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تربية الأطفال (1)
نحن والعادات:
من الأطفال ينشأ الرجال، ومن الرجال تتكون الأمة. والأمة تسعد برجالها، أو تذل وتشقى بهم، والأمة إذا اعتنت بأطفالها، وأفلاذ أكبادها، وهم أبناء اليوم، ورجال الغد، وعليهم تعلق الآمال، وإليهم ترنو الأبصار، ولهم تخفق القلوب.. إذا اعتنت الأمة بهم فتكون قد أدت واجباً تحتمه عليها الإنسانية وتفرض عليها الواجبات المقدسة.
إن الأطفال في حجازنا يحتاجون إلى عناية تامة في جميع أدوارهم التي يقطعونها، والتي تمر عليهم في سني التربية، وهذه العناية مطلوبة ممن يتولون أمورهم، ويشرفون على تربيتهم، والمسؤول في الدرجة الأولى عن الأطفال: العائلة والمدرسة، فعلى العائلة، وعلى المدرسة تلقى كل المسؤوليات، ومن العائلة والمدرسة نطلب الاعتناء بأمر تربية الأطفال. ويجب أن نطالب العائلة والمدرسة بهذه الأشياء، وقبل أن نضعهما في موضع المسؤولية، يجب أن نسلح الأولى بسلاح العلم (1) ، ونسلح الثانية بالمعاونة المادية والمعنوية. أما كوننا نطالبهما بتربية صحيحة قبل أن نوجد فيهما المؤهلات التي تساعدهما على ذلك فهذا خطأ، وليس معنى هذا أن العائلة والمدرسة هي الآن في حلٍّ من ذلك، لا بل عليهما المسؤولية، ويجب على الأمة أن تسعى جهدها في تقديم المساعدة اللازمة. أمَّا إذا بقيت مقصرة، وتضن بكل شيء فتكون إذ ذاك قد جنت على نفسها بيدها، وسددت بسهام تقصيرها إلى قلوب أبنائها وأفلاذ أكبادها.
والآن لنستعرض واجب العائلة، وواجب المدرسة، وواجب الأمة نحو المدارس.
واجب العائلة:
العائلة هي المدرسة الأولى للطفل، بين أفرادها ينشأ وفي وسطها يترعرع، ومن طبائعها يقتبس، وما يغرسونه في نفسيته من عادات وأخلاق يشب عليه، وما يعودونه من طبائع يأتلفها، وما يعملونه أمامه من أعمال يقتبسها، وما يقولونه من كلام ينهج منهجهم فيه، لا رأي له في شيء، ولا قولة له في عمل، المحاكاة والتقليد هما عنده كل شيء. فإذا كان ما حول الطفل من الأقوال والأعمال حسناً كانت نشأة الطفل حسنة، وإذا كان ما حوله سيئ كانت نشأة الطفل سيئة، وعلى العائلة تلقى المسؤولية الأولى، وهي الحجر الأساسي في تربية الطفل ونشأته.
ومع الأسف الشديد فإن أكثر العائلات أهملت أمر أطفالها، فلذلك أصبحنا نرى فوضى في الأخلاق تؤلم، وإن هذا الإهمال الواقع في تربية الأطفال يرجع بعضه إلى الجهل العلمي في بعض العوائل (وهنا يكون من باب أولى جهلهم لطرق التربية) وبعضه يرجع إلى عدم اكتراث بعض العوائل لذلك، أو الإساءة من حيث يظنون أنهم يحسنون صنعاً، والنظرية الأخيرة أغلبها على سابقتها، لأن الآباء والأمهات يحبون أن يروا أولادهم في غاية من الكمال وعلى جانب عظيم من الرقي، ولكن قد ضل بعضهم الطريق، فأخذوا يقولون للأطفال هذا مضر، وهذا قبيح، ويرتكبونه أمامهم، ونظراً لأن التقليد والمحاكاة في الطفل هما عنده كل شيء، فهو يجنح إلى تقليدهم فيما يعملونه أمامه بمزيد الشوق ضارباً بنصائحهم عرض الحائط. والحقيقة أن هذا من أهم الأشياء التي يجب أن تعتني بها العوائل، ليكونوا قدوة حسنة لأطفالهم، وإذا فعلوا ذلك وطبقوه فسيساعدهم كثيراً على تربية أطفالهم، على تربية أفلاذ أكبادهم، على تربية من يسهرون الليالي الطوال عند رؤوسهم إذا ما أنُّوا أو اشتكوا.
قلت إن هذه الأعمال، الواقع يرجع بعضه إلى الجهل العلمي في بعض العوائل، وإني أرى من الظلم أن نوجه اللوم على هذا القسم ما دام جاهلاً، وليس معنى هذا أني أقول لهم سيروا في غوايتكم، لا، بل يجب أن نعالجهم بالدواء الذي نعرف أنه ينجع فيهم، وننصحهم وندلهم على الطرق التي نعرف أنها تفيدهم، لأن هذا القسم كالمريض تماماً، والمريض حاجته للمعالجة وتناول الدواء أكثر من حاجته إلى غيره. وإني آسف لبعض أدبائنا وكتّابنا المنصرفين عن الكتابة في هذه الأشياء التي تهمنا، والتي نحن في أشد الحاجة إليها، إلى أشياء لا تهمنا ولا نجني من ورائها شيئاً يذكر، ولو أنهم أعطوا المواضيع التي تهمنا شيئاً من عنايتهم، لعاد النفع على الأمة، والأمة كما تعلم أيها القارئ تحتاج إلى كل شيء وإلى من يرشدها في كل شيء، هذا من جهة، من جهة ثانية الشيء الذي يفيد وينفع أحسن من غيره الذي لا يفيد، ولا ينفع، وعسى أن يوفقوا إلى ذلك.
أحسبني خرجت عن الموضوع الذي أنا بصدده، فالعوائل إذا اعتنت بتربية أطفالها تربية صحيحة، وقامت بأمر هذه التربية أحسن قيام تكون إذ ذاك قد أدت واجباً عليها، وتكون قد أحسنت إلى من هم عندها أعز شيء في الوجود، ويجب أن تسأل وتسترشد، وإذا فعلت فبلا شك ستجد من يرشدها، ويدلها إلى أقوم طريق، وبلا شك ستستفيد من وراء ذلك، أما إذا بقيت عاضة بالنواجذ على العوائد السيئة في التربية فستكون النتيجة مضرة، وهذا والله يؤلم كل غيور من أبناء هذه الأمة.
إن بعض العوائل في بلادنا مقصرة في أشياء كثيرة، وأن الطفل المسكين مظلوم في وسطها وأن العوائل حتى الآن لا تعرف أنها مقصرة، لأنها لم تجد من يقول لها ذلك ويوضح لها قصورها، ويرشدها إلى الطرق النافعة.
إن غذاء الأطفال في حجازنا سيئ، ونشأة الطفل الصحية سيئة (وإن على إدارة الصحة في هذا واجب عظيم، ويجب أن توجه قسماً من عنايتها نحو ذلك، وتعمل بكل الوسائل التي تعتقد أنها تفيد، ويجب على بعض العوائل أن ينزعوا من أفكارهم أن الطبيب (يموِّت الناس) لأن ذلك من الأوهام التي لا يزال البعض يتمسك بها حتى الآن).
وعادة بعض العوائل في التربية سيئة، والمناهج التي يسيرون عليها أطفالهم سيئة، والخلاصة أن الأطفال وتربيتهم في حجازنا سيئة جداً وتحتاج إلى عناية عظيمة.
اتقوا الله أيها العوائل في أطفالكم، أفلاذ أكبادكم، واعملوا لتربيتهم تربية صحيحة، تفيدكم وتفيد بلادكم، اتقوا الله في ذلك، اتقوا الله.
مكة المكرمة: (الغربال)
جريدة "أم القرى" العدد 394
يوم الجمعة 26 صفر سنة 1351هـ
الموافق 1 يوليو سنة 1932م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :500  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 74 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج