شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
دار الندوة وما طرأ عليها في أدوارها التاريخية (1)
تمهيد:
لا أزال أذكر ذلك الحوار الذي دار بيني وبين والدي رحمه الله في ليلة شديدة القر حول دار الندوة وأنا صغير إذ ذاك على إثر جملة نقلتها إليه عن بعض أساتذة المدرسة، من أن دار الندوة هي محل المقام الحنفي، ففند لي هذا الرأي قائلاً: إن دار الندوة كبيرة جداً تمتد إلى آخر باب الحرم المعروف اليوم بباب الزيادة، وأطلعني على بعض المصادر التي تؤيد دعواه؛ أذكر ذلك جيداً، وأذكر الحوار الذي دار بيني وبين الأستاذ حول ذلك. وكانت النتيجة أن صمم الأستاذ على أن دار الندوة لا تتعدى المقام الحنفي، وأني متعنت جهول أكذب الأساتذة، وأن النظام يقضي بضربي، فضربت ضرباً مؤلماً -وهكذا كان التعليم، ولا يزال حتى اليوم في بعض المدارس- علم والدي بالأمر فنقلني إلى مدرسة الفلاح.
لقد جدد هذه الذكريات الأستاذ أمين سعيد حينما قرأت بحثه عن دار الندوة في كتابه الجديد (نشأة الدولة الإسلامية) ووجدته يقول ما لفظه بالحرف الواحد: "وكان لدار الندوة -وهي في الأصل دار قصي جد الهاشميين والأمويين، ويقال أنها أول دار بنتها قريش - باب يتصل بالكعبة، أي أنها كانت بمثابة جزء متمم لها (هكذا). وقد عفت آثارها الآن، وبحث كاتب هذه السطور خلال زيارة مكة في سنتي 1928م - 1930م. عن مكانها فلم يوفق إلى معرفة شيء عنها ص4.
صدقني أيها القارئ أن ألمي من قراءة هذه الجملة كان أشد من ألم الضرب الذي أصابني، لأن الأستاذ أمين سعيد كاتب مثقف وله إلمام واسع بالتاريخ، وإذا فرض أنه لم يجد في مكة من يدله على ذلك فإن كتب التاريخ طافحة بخبر دار الندوة ومكانها ومقاسها والشيء الكثير عنها، ثم لم يقل أحد من المؤرخين. إن دار الندوة كانت في عصر من العصور بمثابة جزء متمم للكعبة، والذي يمكن أن نطبق عليه هذا التعبير هو قسم من الحطيم، قدره العلماء بنحو سبعة أذرع، ونأسف جداً لوقوع هذا من حضرة الأستاذ، ونرجو أن يتدارك ذلك في تصحيح يلحقه بأحد أجزاء الكتاب إظهاراً للحقيقة. هذه هي الأسباب التي دعتني لأن أكتب عن دار الندوة وإنشائها وما طرأ عليها خدمة للحقيقة والتاريخ.
أول حكومة في مكة:
في نحو القرن الخامس للميلاد آل أمر مكة إلى قصي بن كلاب بن مرة في حوادث يطول شرحها، وكان حكيماً عاقلاً ذا سياسة، يعد أدهى من رؤي من عرب الجاهلية، وأول رجل أصاب ملكاً من كنانة، جمع أمر قومه فسمي مجمعاً وفي ذلك يقول حذافة بن غانم الجمحي:
أبوهم قصي كان يدعى مجمعاً
به جمع الله القبائل من فهر
هموا نزلوها والمياه قليلة
وليس بها إلاَّ كهول بني عمر
رأى قصي أنه محاط بثلاث حكومات قوية: حكومة الأحباش من جهة اليمن، وحكومة الروم من جهة الشام، وحكومة الفرس من جهة العراق، وكان يعرف أن خزاعة التي تغلب عليها بحكم الشداخ (1) ، ستتحفز للوثوب إذا ما حانت الفرصة، فلذلك أخذ في تشكيل حكومته تشكيلاً إدارياً، فأسس لملكه ستة مناصب هي: الحجابة، والرفادة، والسقاية، والندوة، واللواء، والقيادة وجعل أمر سلطتها في يده، فكانت حكومة قصي هي أول حكومة تأسست في مكة، وكانت تستمد نفوذها منه، وكان هو المتصرف الوحيد في جميع شؤونها.
أسباب تأسيس دار الندوة:
كان قصي يخشى الحكومات المحاط بها، كما أنه كان يخشى ثورة بني خزاعة، فكان لزاماً عليه أن يوطد ملكه على أساسات قوية ليتمكن من الضرب على يد كل من أراد مناوأته، وكان يرى أن حول مكة هو أحسن مكان لتأسيساته التي اعتزم عليها، وكانت مكة إذ ذاك خالية من البنايات إذ أن ولاتها السابقين كانوا ينتجعون جبالها وأوديتها ينزلون بها حرمة للحرم على زعمهم، فشذ هو عن هذه القاعدة وأنزل طائفة من قريش أباطح مكة؛ وطائفة ظواهرها، ولذلك قيل: قريش البطاح، وقريش الظواهر. "يتبع".
ابن عبد المقصود جريدة (صوت الحجاز) العدد 153
الثلاثاء 19 محرم الحرام سنة 1354
الموافق 23 إبريل سنة 1935م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :582  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 23 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.