شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المياه بمكة في أدوارها التاريخية (10)
عبيد العيون:
توالي نكبات السيول على مجاري عيون مكة، وعدم وضع حد فاصل لويلاتها سبَّبَ لأهالي مكة مقاساة تلك الآلام التي أتينا على وصفها في العدد الفائت. ولقد كانت الفوضى والثورات الداخلية ومنازعات الأشراف بعضهم لبعض من أجل الإمارة عقبة كؤود دون القيام بإصلاح ذي قيمة فيما لو وجد من يتطوع به، ولذا فالحياة العمرانية في الحجاز كانت أشبه بالمحرمة عليه، فأخذ رونقه يتقلص رويداً رويداً حتى أصبح خالٍ من كل شيء. وليس هذا مكان بحث الأسباب التي قضت السير به في هذا الوضع الشاذ، وإنما أكتفي هنا بأن أقول - إن السياسة هي التي كانت تمثل تلك الأدوار في هذا الوطن العزيز في غير ما رحمة ولا شفقة.
قيض الله لهذا الوطن في العقد الرابع من القرن العاشر مصلح الدين مصطفى وهو من مجاوري مكة فعيَّن ناظراً لتعمير عين حنين بسبب خراب طرأ عليها، ثم توجه إلى الأستانة لعرض بعض إصلاحات لاحظ أن من الضروري إدخالها في العيون فوفق في مهمته وأسندت إليه نظارة أمر عيون مكة. ولكن الحظ المذكور كان ملازماً لهذا الوطن فقدر ربك أن يغرق صاحبنا في بحر القلزم أثناء عودته إلى الحجاز، وهكذا ذهبت أحلام ذلك المصلح معه في ذلك البحر الخضم.
ومما يعطينا دليلاً على عظم ما كان يرمي إليه أنه وفق في عام 931هـ فاشترى من خزينة الدولة عبيداً لخدمة العين، كي يقوموا بأمر تنظيفها ومراقبتها، وهذا الإصلاح يشف لنا عن المرامي البعيدة التي كان ينوي تحقيقها لو لم تعاجله المنية.
يقول القطبي: "ثم اشترى ناظر العين (مصلح الدين مصطفى) عبيداً سوداً من مال السلطنة وجعل لهم جرايات وعلوفات من خزائن السلطنة الشريفة برسم خدمة العين؛ ولإخراج أتربتها من الدبول (جمع دبل وهو الجدول) والقنوات وهذه خدمتهم دائماً وصاروا يتوالدون وهم باقون إلى الآن طبقة بعد طبقة لهذه الخدمة (1) . وقد ذكر السنجاري وصاحب الإتحاف نفس هذه الرواية وزاد عليها: "وزوجهم (أي مصلح الدين) بجوار سود اشتراهن من مال السلطنة "وذكر إبراهيم رفعت باشا وغيرهم من مؤرخي مكة هذه الرواية، وكل واحد منهم يذكر: "وهم باقون إلى الآن" أي إلى زمنه ما عدا إبراهيم رفعت باشا فإنه أغفل هذه الجملة. كما أغفل التعليق عليها. ولم يذكر أحد من المؤرخين عددهم ولا مقدار المبالغ التي أنفقت على ذلك، فكانت هذه الحلقة من تلك السلسلة التاريخية مفقودة، كذلك لم يصل إلينا ماذا انتهى إليه أمر أولئك العبيد، ولم يذكر مؤرخو مكة المتأخرون - فيما اطلعت عليه - شيئاً عنهم، وآخر ما عثرت عليه حول ذلك هو ما ذكره صاحب اتحاف فضلاء الزمن في حوادث سنة 1140. وهذا نصه: "… وفي يومه (أي 10/1/1140هـ) حصل في ماء العين خلل من عبيد العين فنادى الباشا شيخ عبيد العين والناظر وهو عبد موسى أغا فهرب وشيخ العبيد فقبض عليه الباشا وضربه ثلثمائة كرباج وحبسه فلما بلغ عبيد العين ذلك اجتمعوا وتسلحوا وجاءوا إلى المعلا، وبها بعض جماعة الباشا فاهتوشوا هم وإياهم وتراموا بالطبنجات، وكان اثنان من الهنود بالقرب منهم فأصابتهما طبنجتان لكنهما سلما فلما بلغ الباشا ذلك التزم أن يسفرهم (هكذا) ويقتل شيخهم فذهبوا وتوجهوا بالشريف عبد الله فطيب خاطر الباشا عليهم وأطلق شيخهم" (2) .
فمن هذه الرواية عرفنا أن عبيد العين كانوا موجودين إلى عام 1140هـ أما بعد هذا التاريخ فإن أمرهم أصبح غير معروف وليس ببعيد أن يكونوا قد سُفِّروا في وقت من الأوقات وقد لاحظنا في رواية صاحب الاتحاف قوله: "فلما بلغ الباشا ذلك التزم أن يسفرهم، وإذا صح هذا فيكون الأمر حماقة وسخافة، وسواء صح هذا أو لم يصح فإن الحقيقة المرة التي يجب أن تسجل وتقال هي: إن الفوضى ذهبت بهم فضاع حقٌ من حقوق الأمة هي في أشد الحاجة إليه ففي ذمة التاريخ.
"للبحث صلة"
ابن عبد المقصود
(أم القرى) العدد 531
4 ذو القعدة سنة 1353هـ
8 فبراير سنة 1935م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :612  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 19 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .