إليك أفاضَ الشَّعبُ تَترى وُفُودُهُ |
وتَنظُمُ فيك الشُّكرَ سِمطا عُقُودُه |
مَشوقاً وفي أحشائِهِ لوعةُ النَّوى |
وقد لبثتْ عاماً وعَاما تؤُدُه |
ألحَّتْ بِهِ الأشجانُ حتى كأنَّهُ |
من البينِ غُصنٌ قد تَقصَّفَ عُودُه |
وقد أرِقتْ مِمَّا أراقتُ جفونُه |
وجفَّتْ مآقيهِ ضَنىً وخدُودُهُ |
وأفضى به السرُّ المُحجَّبُ في الهَوى |
إلى حيثُ يرضى كلَّ أمرٍ تُريدُه |
تحمَّلَ أبعادَ البُعادِ ودونَه |
إليك غِمارٌ قد ترامتْ (نُفودُه) |
فِجاجٌ تَضلُّ الريحُ فيها وتَهتدي |
وينشقُ منها للصَّباحِ عَمودُه |
وأطوادُ من شُمَّ الذُّرى في شِعافِها |
تُداعبُ أهدابُ السَّحابِ رعودُه |
وأوديةٌ يحكي الخيالُ انفساحَها |
إذا انطلقتْ في كلِّ جَوِّ قيودُه |
وما كان مُختاراً وقد طَال وجدُهُ |
عليك ولكنْ قد عصتْهُ مُهودُه |
فلا غَرْوَ إنْ حَنَّتْ إليك قلوبُهُ |
ورفَّتْ على يُمنى يَدَيْكَ كُبودُه |
ووافتْ بِهِ البُشرى إليكَ وأشرقتْ |
أساريرُهُ من غِبطةٍ ووعودُه |
جوانحُ حبٍ كلُّها بك أُشربتْ |
وبهجةُ وصلٍ أسفرَ اليومَ عيدُهُ |
ونُعمى لَها كلُّ البلادِ مدينةٌ |
إليك وشكرُ اللهِ فيك مَزيده |
ولو أنَّ أعشابَ الحِجاز تكلمتْ |
لحيَّتْ نَدى (عبدِ العزيزِ) ورودُه |
كأنَّ قلوبَ الشعبِ تلقاءَ عَرشِهِ |
فيالقُ جيشٍ ظلَّلتْها بُنودُه |
خوافقُ بالإخلاصِ تلتَفُّ حولَهُ |
وقد نالَ منها أيَّ نَيلٍ صُدودُه |
هواتفُ لا يَفتَأنَ في كُلِّ طَرفةٍ |
يُنازِعُنَني وصفَ الهوى فأُجيدُه |
فلو شئتَ لم تلقْ امرءاً غيرَ هائمٍ |
بحُبِّكَ إلا ضارِعاً يَستزيدُه |
كفى بِكَ أنَّ اللهَ آتاكَ نصرَهُ |
وخصَّكَ بالتَّوفيقِ فيما تَشيدُه |
وحسبُكَ ما أعطاكَ ربُّكَ من مُنى |
تَخُفُّ بها أملاكُهُ وجُنودُه |
وإنَّك للشَّرعِ الحنيفيِّ مأرزٌ |
وفيك اطمأنتْ واستقامتْ حُدودُه |
وما كانَ ما أوليتَ إلا جدارةً |
وما أسلفتْ فيما عَلِمنَا عُهودُه |
ولا عَرِفَ التاريخُ قبلَكَ عَاهلاً |
أنافَ على أنفِ الثّريا صُعودُه |
على كُلِّ دارٍ فضلُهُ وحباؤه |
وفي كُلِّ جيبٍ فيضُهُ ونُقودُه |
وفي كل غورٍ حبُّهُ وودادُه |
وفي كلِّ نَجدٍ خيلُه وأُسودُه |
وفي كلِّ شِبلٍ من بَنيه مُشيَّعُ |
كُميُ تَسامى الفَرقدينِ جدوده |
أطاعَ له من كلِّ أمرٍ عصيُّهُ |
وشايعَهُ مِن كلِّ رأي سَديدُه |
له بَصرٌ يرنو إلى كُلِّ حادثٍ |
وفي كل قاصٍ بَرقُهُ وبريدُه |
مواقفُ فيها للبطولةِ آيةٌ |
وفيها لَعَمرُ اللهِ حقٌ وعيدُه |
تنجَّزتَ فيها وعدَه مُثبتاً |
وصَابرتَه حتى تَدانى بعيدُه |
فأصبحتَ عبداً خاشعاً متواضعاً |
تدينُ له في كُلَّ فضلٍ عبيدُه |
يدهدِهُ أعناقَ الضَّياغِمِ سيفُهُ |
ويَملِكُ ما خَلفَ التَّرائِبِ جُودُه |
ويَفرقُ من كلُّ أرعَن طائشٍ |
وكلُّ دعيًّ عَاثَ فيه مريدُه |
فللفطرِ ما تحنى عليه ضُلوعُه |
وللشطرِ ما يَرقى إليه وَرِيدهُ |
إلا أنَّما هذا الجَلالُ وهذه |
مَظاهِرُهُ الكُبرى وهذا عَميدُه |
مكارمُ لم تَعهدْ على الدَّهرِ مثلَها |
حواضرُهُ فيما شهِدْنَ وَبِيدُه |
وما زالَ منذُ امتدَّ بالعَدلِ ظِلُّهُ |
تَهائِمُهُ تَحيا بِهِ ونُجُودُه |
سجيتُهُ في المتَّقينَ هباتُهُ |
وسلطانُهُ في المُجرمينَ حَديدُه |
سواسِِيةً أكواخُها وقُصورُها |
إذا هي شاعتْ بالسَّخاءِ رُفودُه |
وما تاجُهُ إلا التُقى وسِياجُه |
سوى العَزمِ يَهوى بالطُّغاةِ عَتيدُه |
ولا سلمُهُ إلاّ أماناً لِشعبِهِ |
ولا حَربُه إلا دِاعاً يَذودُه |
ولا المالُ إلا بذلَهُ في اصطلاحِهِ |
ولا الفَخْرُ إلاَّ مَجدُهُ وخلودُه |
ولا اكتنزتْ إلا الفرائضُ بيضه |
ولا احتقبتْ إلاَّ النَّوافِلُ سُوده |
تشيدُ بِهِ الدُّنيا بِهِ ويشدو به الهَوى |
ويزهو بِهِ (مِحرابُه) وسُجودُه |
* * * |
فَقُلْ لِهشام
(2)
والرشيدِ
(3)
وجعفرٍ
(4)
|
أفيكم ومِنكُم مِثلُه أو نَديدُه |
لقد بزَّكُم حتى تَلاشى حديثُكم |
ولو قد نطقتُمْ قامَ مِنكمْ شُهودُه |
فجازاهُ عنَّا اللهُ ما هُو أهلُهُ |
ودامَ لنا إحسانُهُ ووجُودُه |
* * * |
أمولاي عفواً لستُ أغلو ورُبَّما |
تخونتُ شعري أنْ يَرثَّ قصيدُه |
وما كنتُ أخشى أنْ أقصَّرَ في مدَى |
وفيك بياني سِحرُه ونضيدُه |
ولكنني بالرغمِ مني وجدتُه |
تجاهَكَ ضحلاً ليس يُغني بُرودُه |
فدونَك شعباً والِهاً بك مُغرَماً |
يحيَّيكَ منه كهلُهُ ووليدُه |
تُناجيك بالشكرِ الجَّزيل رُبُوعُه |
ولو سكتتْ أثنتْ عليك جُلودُه |
فما لهجتْ إلا بذكرِكَ عِيدُه |
ولا التمستْ إلا بقاءَك صِيدُه |
فتلك تَأتي من حِجابُها |
وهذا تحلى من نوالك جيده |
وهذا تغذَّى بالمعارِف (ابنُه) |
وذاك ترقَّى في المعالي (حَفيدُه) |
وذلك يزكو في رِياضِكَ غرسُهُ |
وآخر يشقى في رِضاك حَسودُه |
فأنت لنا في المَهْمَهِ القفرِ كوثرٌ |
يروقُ ويصفو شهدُه و (ورودُه) |
ومهما حَمدنا اللهَ فيك فإنّما |
نُعيدُ ونُبدي ما إليه تعيدُه |
فلا زلتَ للإسلامِ أمنعَ مِعقلٍ |
وفيك ضُحاهُ مشرقٌ وسُعودُه |