لا الأهْلُ أهلـي، ولا أوطانُهـم داري |
فإنْ ضَحِكْـتُ فتَمويهـاً لأكـداري |
أُحِلُّه بَلَداً في ظلّه نَبَتَتْ |
قَوادِمي، وَحَلا للناسِ قَيْثاري |
أطْلَقْتُ فيـه مـنَ الألحـان أَعْذَبَهـا |
وأبْحَرَتْ مِنْهُ للشَّرقَيْن آثاري |
غَذِّي جَناحي، وقَوّاه ولَوَّنَه |
حتى ارتَفَعْتُ إلى مـا فـوْقَ "بَشـارِ" |
أجلُّه بَلَداً طابَتْ نَوافِحه |
وأنْضَجَتْ شَمْسَـهُ الشَّقْـراء أثمـاري |
يَحْنُو على ابني، يُربيه، يُدَللّه |
يَرْعى بَراعِمه، يَكْسوه بالغارِ |
أُجلُّه بَلَداً هَلّتْ سَحائِبه |
ورَقَّ حاشِيَةً للضَّيْف والجارِ |
أبْوابُه كَيَدِ الطَّائيّ مُشَرَّعةٌ |
وقَلْبُه مِـنْ ضـلالات الهَـوَى عـارِ |
أجلّه بَلَداً يُبْدي نَواجِذَه |
إذا اشْرَأبَّ إليهِ غاصِبٌ ضَارِ |
لا عَبْدَ فيه ولا موْلَى يُسيّره |
حُرِّيّة الفِكْـرِ فيـه شَرْعُـه الجـاري |
أجّله بَلَداً يَمْشي إلى غَدِه |
بالحَزْم والعَـزْمِ، لا بالسَّيـْف والنـارِ |
ترابُ أميَ مِحْرابٌ تَطوف به |
رُوحي، وتَجثو علـى جَنْبَيْـه أفكاري |
رُحْمَاك يا رَبِّ فاجْعَـلْ فيـه آخرتـي |
أنا الضَّعيف على أقْدام جبّار |
* * * |
يا مَنْ تَحدَّى مطايـا الريـح هـادرة |
نَزَلْتَ حُراً على نائينَ أحْرارِ |
حامَتْ على رَكْبكِ الهـادي جَوانِحُنـا |
رَكْباً مِنَ الشَّوْقِ يَجـري خَلْـفَ تَيّار |
لله هذا المُحيّا في مَهَابَتِه |
أكْبرْتُ فيه عطايـا الواحـد البـاري |
أضْفى عليكَ التُّقـى بُـرْداً تَقـرُّ بـه |
عَيْنُ المُحِـبِّ وتَقْـذَى عَيْـنُ غَـدَّار |
بُرْداً مِنَ النُّور في تَزْويقـه اشْتَركَـتْ |
أيدي مَلائكةٍ كالنور أطْهارِ |
خَدَمْتَ شَعْبَك، لا رَعْياً لمرتَبةٍ |
تُغْري النُّفوس، ولا سَعْياً لدينارِ |
لكنْ لِتُرْضي نـِداءً فـي ضَمـيرك، لا |
يَنْفَكّ يَدْعو إلى حُبٍّ وإيثارِ |
ومَنْ يَكُنْ مِنْ ثَراء النَّفْس فـي سَعَـةٍ |
لَمْ يُلْقِ بالاً لإِقْلال وإكثارِ |
كَمْ وَقْفَة لك في وَجْـه الذيـن غَـوَوا |
تَنَقَّلَتْ وَقْعها الدنيا بإكبارِ |
سَلُوا الرئيسَ
(1)
الذي تُخشى زَمازمُـه |
ويُرْتَجى عَطْفُه عَـنْ صَوتـِه النـاري |
جابَهْتَه بكلامٍ سَوْفَ تَذْكُره |
قَضِيَّةُ الحَقِّ مِنْ دَهْرٍ لأدْهارِ |
فنَّدْتَ ما اختَلَقَتْ صُهْيونُ مِنْ حُجَـجٍ |
ولَفَّقَتْ مِنْ رِواياتٍ وأخبارِ |
وعِبْتَ أَنْ يَجْهَلَ الأحرارُ أنّ يَداً |
تَمْتَدُّ للخَيْرِ لا تُعطي لِجَزّارِ |
نَغُضُّ تَحْتَ عصا التَقْريع مِـنْ خَجَـلٍ |
وراحَ يَضْرِبُ أعذاراً بأعذارِ |
ووَدَّ في سِرّه لَوْ كان في يَدِه |
أنْ يَسْتَجيبَ لصَـوْتٍ مِنْـكَ هَـدّار |
وقَدْ تَشُـلُّ ضَمـيرَ المَـرْءِ مَصْلَحَـةٌ |
فلا يُمَيَّزُ بَيْنَ الغَارِ والعارِ |
* * * |
يا صاحبَ التَّاج مِنْ فَضْلٍ ومِـنْ أدبٍ |
أثَرْتَ وَجْديَ، واسْتَقْـرَأتَ أغـواري |
ليَشْهدَ اللهُ ما حَمَّلْتُ قافيَتي |
زُورَ الشُّعورِ، ولا كلَّفْتُ أوتاري |
ما كنْتُ أرْضَى لشَـدْوي أن يُخَالِطَـه |
حِقْدٌ وتَدْعو إلـى التَّمْييـز أشْعـاري |
لكنّ قَوْميَ فـي وَيْـلٍ، فوا خَجَلـي |
إنْ لَمْ أهزَّهُمُ للأخْذِ بالثارِ |
إَّن المَحَبَّة في روحي وفي جَسَدي |
فَلْيَغْفِر اللهُ في البَغْضَاءِ أوزاري! |
* * * |
سفينةُ الدِّيـن في خَـوْفٍ وفي حَـرَجٍ |
فرُدّ عنها الأذَى يا خَيْرَ بَحّارِ |
تَحلّلَ الناسُ مِنْ أياته، وجَروا |
وراءَ أهوائهم في كلِّ مِضْمارِ |
فاطْلَعْ – جُزِيتَ – على آفاقهم قَمَـراً |
وافْتَحْ بصائرَ عُمْيانٍ وأغْرارِ |
ليسَ التَّعصُّبُ تَقْوَى… إنَّـه مَـرَضٌ |
في النَفَس يَسْطو بأنْيَابٍ وأظْفارِ |
ما جاءَ ديـنٌ بغَـيْر الحـبِّ فَلْسَفَـةً |
فَلْيَتَّعظْ كُلُّ دَجَّالٍ وثَرْثارِ! |
* * * |
يا صاحـبَ التـاج تَرعـاه ضَمَائِرُنـا |
هَلْ مِن حَدِيثٍ عَنِ الأوطان جـرّار؟
(2)
|
طابَتْ على نَغَمَـاتِ الُحـبِّ سَهْرَتُنـا |
فاسْكُبْ بيانَك صَهْباءً لِسُمّارِ |
ما ذُقْتُ خَمْرَكَ إلاّ صِحْتُ مِنْ طَـرَبٍ |
يا رَبِّ، يا رَبِّ طَـوّلْ عُمْـرَ خَمّـارِ! |