دَرَسْتُ الناسَ خافيَةً وجَهْرا |
ودُرْتُ الأرضَ يابِسةً وبَحْرا |
وذُقْتُ مِنَ الهَوى حُلْواً ومُرّاً |
ولكنَّي أُحبُّ الناسَ طُرّاًّ |
ولا أطْوي على الشَّحْناء صَدْري |
* * * |
لِعَيْنيْ حُلْوَتي أهْوى العُيونا |
وإنْ يَمْلأَن آفاقي شُجونا |
إذا جارَتْ عليَّ فلَنْ أخونا |
لها عَهْداً، وقَلْبي، لَنْ يكونا |
لغَيْرِ خَيالها الغالي مَقَرَّا |
* * * |
أراها في الصَّباحِ وفي المساءِ |
وفي الصَّيْفِ الضَّحوك وفي الشَّتاءِ |
بَشاشَتُها على البَلْوى دَوائي |
ومِنْ نَظَراتها قُوتي ومائي |
أيَرْجو عاشقٌ أشْهَى وأغْرَى؟ |
* * * |
ويا غَلْواءُ أدْركَني الغُروبُ |
ولاحَ على أساريري الشُّحوبُ |
ولكنَّي أموتُ، ولا أتوبُ |
ذُنوبي؟… لَيْس للصابي ذُنوبُ |
متى كان الهَوَى الروحيُّ وِزْرا؟ |
* * * |
يعيبُ عليّ حُبَّيكِ الصَّحابُ |
ولو حَبُّوا لما لامُوا وعابُوا |
هُمومُ الحبَّ في قَلْبي عِذابُ |
وأحلاها الذي فيه عَذابُ |
فلا تَكُ للهَوى يا قَلْب قَبْرا |
* * * |
لَئِنْ شَطّتْ منازِلُنا فإنّا |
نعيشُ بروحِنا العَهْدَ الأغَنّا |
وإنْ مِتْنا ينال القَبْرُ منّا |
تُراباً غَيْر ذي شَأنٍ ومَعْنى |
ويَجْمَعُنا الهَوَى رُوحاً وفِكْرا |
* * * |
رعاكِ اللهُ يا مُتَعَ التَّصابي |
وإن كانت سَراباً في سَرابِ |
ذَوي مِنْ بَعْدِها عُودُ الشبابِ |
فكَيْفَ أُعيدُهُ غَضَّ الإهابِ |
وهَلْ مِـنْ صَبـوةٍ في السـوق تُشْـرَى؟ |
* * * |
دَرَجْتُ بقَرْيتي مَرِحَ الفُؤادِ |
وعِشْتُ بغُرْبتي قَلِقَ الوِسادِ |
أأجْني بَعْدَ شق النفْس زادي |
وأبْني للخَراب وللنَّفَادِ |
وأزْعُمُ أنني حقَّقتُ نَصْرا؟ |
* * * |
عُيوبي مِثْل غَيْري لا تُعّدُّ |
وأوصافي الوَضيئةُ لا تُحّدُّ |
حديثي بَعْضُه هَزْلٌ وجِدٌّ |
وبَعضٌ آخرٌ غَيٌّ ورُشْدُ |
فخذْ نزْراً ودَعْ للغَيْر نَزْرا |
* * * |
أنا كِسواي مِنْ نارٍ ونورِ |
ومِنْ حَمأٍ ومِنْ ماءٍ طَهُورِ |
أطيرُ إلى السماء مَعَ النُّسورِ |
وأخْبِطُ في جحيمٍ مِنْ شُرورِي |
وأُخْطئ تارةً وأُصيبُ أُخْرى |
* * * |
تساوَى الحُسْنُ عِنْدي والقَبيحُ |
فمِثْلُ الهَجْوِ في سَمْعي المَديحُ |
يصارِعُني الزَّمان فلا أصيحُ |
ويَجْرحُني، فَقَلْبي لا جَريحُ |
وقد أُوليه – إمّا بشّ – ظَهْرا |
* * * |
مَدَحْتُ بلا شُكورٍ أو جَزاءِ |
وصُنْتُ وقـارَ شِعْـري عـن هُـراءِ |
زَكَتْ خَمْري لِشاربها ومائي |
فخُذْ واشْربْ وَوَزّعْ مِنْ إنائي |
وهَلْ غيري زَكا ماءً وخَمْرا؟ |
* * * |
لَقَدْ أمْسَتْ تعاليمُ الفَضيلَهْ |
سَفاسِفَ في قوانين الرَّذيلَهْ |
وبات المالُ في الأيدي البخيلهْ |
وسيلتَها إلى الرُّتَبِ النَّبيلهْ |
يُعاطي أهلّه شَرَفاً وقدْرا |
* * * |
تَمنىَّ الحَقْل مِحْراثاً وفأسا |
فصارا للوغى سَيْفاً وتُرْسا |
خَبا نورُ السلام وكان شَمْسا |
ولمْ نأخذْ من الأحداث دَرْسا |
فكيف نصوغُ للأخْطاءِ عُذرا؟ |
* * * |
هُوَ الإنْسـانُ كَـمْ يَكْبـو ويَنْهَـضْ |
ويَجْلو مِنْ حِقائقَ ثُمَ يَدْحَضْ |
تباينَ عنده عَبْدٌ وأبْيَضْ |
ونادَى بالسماحَة ثم أعْرَضْ |
فيا عجباً لكَم يُكْسى ويَعْرى! |
* * * |
مَعاذَ الله أن يَخْبو رجَائي |
وأزْعمُ أنْ دَلَفْنا للفَناءِ |
أرَى في الأُفْقِ بارِقَتيْ ضِياءِ |
وألْمَـحُ فيهمــا جُنْـدَ الفــداءِ |
يُحرّر أُمتي قَطْراً فقطْرا |
* * * |
تَغَيّر كلُّ شَيءٍ في الوجودِ |
وصارَ البُخْلُ مَنْعُوتاً بجودِ |
تسابَقْنا، ولكنْ للجمودِ |
فلا تَعْجَبْ لغَطْرَسةِ اليَهودِ |
تغافَلْنا فأضْحَى القَطْر بَحرا |
* * * |
بلى! شلّتْ إرادتَنا القُيودُ |
وحَدّتْ مِنْ عزيمتنا الحُدودُ |
بَنَى أمجادَ عَدْنان الجُدودُ |
ألَيْسَ لنا كما لَهُمُ زُنودُ |
فهل تَبْقى خَراباً مُسْتمرا؟ |
* * * |
عَدُوّي لا يكلُ ولا يَنامُ |
ويُغريه التَّشاكُسُ والخِصامُ |
مَدَدْتُ يديَّ مِلْؤُهما سَلامُ |
فردَّ السّهمُ واعتَدّ الحُسامُ |
وظن سَماحتي خَوْفاً وصغْرا |
* * * |
رَثَيْتُ له شَريداً في البراري |
وجئْتُ به إلى أهلى وداري |
ولما اشتدّ نكّلَ بالصَّغارِ |
وشرّدَني وأهلي عن دِياري |
ولم يَتْركْ لنا أثراً وذِكرا |
* * * |
أحبُّ العُرْبَ، إنهم عشيري |
وأقْرأ في مصيرهِم مَصيري |
ولا أطْوي على حِقْدٍ ضَميري |
ولكن كيـف أسْكـتُ عَـنْ حَقـير |
على بَيْتي وأقداسي تجَرّا؟ |
* * * |
فأينَ كتائبُ الزَّحْفِ المظَفّرْ |
وأيْن مواكبُ الفَتْح المُؤزّرْ |
وأين عَصائبُ الآساد تَزْأرْ |
فتَنْبَعثَ الوَغَى مليونَ عَنْتَرْ |
تصيحُ به المروءة: لا مَفَرّا |
* * * |
ألا بَطَلٌ يَضُمّ العُرْبَ أهْلا |
ويَجْمَع رأْيهمْ طِفْلاً وكَهْلا؟ |
يَعودُ الطودُ بالإيمان سَهْلا |
ويَمْحو العِلْمُ تفرقةً وجَهْلا |
فما يُدريك؟… أن الله أدْرَى |
* * * |
رأيتُ الشَّعْر في الدنيا يَتيما |
يَعيبُ النَّقْدُ مَذْهَبَه القويما |
فإنْ تَرْطُنْ تَكُنْ فَذًّا عَليما |
وإنْ تُعْرِبْ تكنْ جِلْفاً قديما |
تُشان وتزْدَري شِعْراً ونَثْراً |
* * * |
أقولُ لسادة الأدَب الجديدِ |
سَئِمْنَا جُوقَةَ الهَذَر البَليدِ |
لَئِنْ كتبوا ليقرأَهُم حَفيدي |
فَقَدْ ضَلُّوا الطريقَ إلى البَريدِ |
حَفيدي بالمهازِلِ ليسَ يُغرَى |
* * * |
قَريضُهمُ طَلاسمُ لا تُحاجى |
ونَثْرهمُ بَسوق الزَّيف راجا |
لَقَد عَشِقوا الغَريـبَ… ولا زواجـا |
وطاروا خَلْفَ أنْسُرهِ دَجاجا |
متَى طار الدَّجاج وباضَ نَسْرا؟ |
* * * |
أدافع عَنْ حمايَ المُسْتَباحِ |
وعَنْ حريّةِ الأدبِ الصُّراحِ |
ولكنْ عِنْدَ مُشْتَبكِ الرماحِ |
أخاصمُ صاحبَ الأدب الإباحي |
ولا ألْقاه إلا مُكْفَهرّاً |
* * * |
تعالَى اللهُ ما أَغْنَى غِناهُ |
وما أسْخَى إذا وَهَبَتْ يداهُ! |
فَصَفَّ القَلْبَ واخْشَعْ في حِماهُ |
فما خَابَ الذي يَرْجو نَداهُ |
ولا عِيبَ الذي يُسديه شُكرا |
* * * |
حبانيَ فَوْقَ ما ذَهَبَتْ ظُنوني |
ورَدَّ قنابلَ الأعداء دوني |
رَعَى خَطْوي وفتّح لي عُيوني |
ولولا عَطْفُه لَتَقاذفوني |
وشانُوا سُمْعَتي مَداًت وجَزْرا |
* * * |
تَركْتُ ورائيَ السبعينَ مَلأّى |
بآثاري… وقد يُحْسَبْنَ شَيْئا |
تَعيسٌ مَنْ يَخال العَيْشَ عِبْئا |
وأتْعَسُ مَن يُريد جَنىً وفَيْئا |
إذا هوَ لم يَكُنْ نَخْلاً وتَمْرا |
* * * |
ويا أهْلـي!… بَلَغْـتُ بكـم مكانـا |
يَعُزُّ على النُّسور، فلا يُدانى |
إذا اشْتد الزمانُ عليّ هانا |
لأنّ بسَيْفكم ألقَى الزمانا |
فيُطْلِقُ ساقَه للريح ذُعرا |
* * * |
زكا مِـنْ فَضْـل حَقْلَتِكـم طَعامـي |
وطابَتْ مِنْ عَريشتكم مُدامي |
كرامُ عَشيرتي فوقَ الكِرام |
فلا يَتَشامَخَنْ أحدٌ أمامي |
فإني قَد شَأوتُ الشَّمسَ فَخْرا |
* * * |
ويا أهْلي… سأشْكُرُكم جَزيلا |
وأحْمِلُ في الضَّمير لكم جَميلا |
كثيباً كنتُ يا أهلي ضَئيلا |
فصُرتُ بظِلكم طَوْداً جليلا |
تعَمَّمَ بالسحائب واشمَخرّا |
* * * |
غَداً تأتي السَّنينُ على حياتي |
وتَمْشي الحادثاتُ على رُفاتي |
ولكن سَوْف تَبْقَى ذكرياتي |
تُشيدُ بِذِكْرِكُمْ بَعْدَ المماتِ |
وتَذْكرُ فضلكم سَطْراً فسَطْرا!… |