جَلَسَتُ، وَقدْ مَضَـى عنَّـي رفيقـي |
أُراجع دَفْتر الماضي العَتيقِ |
وأنْبُشُ ذكرَياتي مِنْ كِرَاها |
وإنْ رَقَدَتْ هَتَفْتُ بها أفيقي |
فلَمْ أرَ غَيْرَ أحلامٍ تلاشَتْ |
هَباء في متاهات الطَّريقِ |
وما طَالعْتُ فيه سِوى بقايا |
حكاياتٍ تلوبُ بلا بَريقِ |
هنا كانَـتْ مشاويـري… وكانـتْ |
لِقاءاتي مَعَ الرَّشَأ الرَّشيقِ |
نُرفْرِفُ بَيْنَ رابيَةٍ وَنهْرٍ |
ونُؤْنسُ وَحْشةَ الوادي السحيقِ |
نُسابِق بَعْضَنا عَدْواً وَشدْواً |
ومِنْ فجٍّ نطيرُ إلى مَضيقِ |
إذا عَثَرتْ أُطّوقُها بزَنْدي |
لأُنْقِذَها مِنَ الخَطرِ المُحيقِ |
وإنْ ضحِكتْ ضَحِكْتُ، وإنْ تَباكَـتْ |
غَصَصْتُ بدَمْعَتي وَبَلعْتُ ريقي |
هنا ودّعْتُ يَوْمَ نَزَحْتُ_أمَّي |
هنا شَهِقـتْ هنـا اعْلَوْلـى شَهيقـي |
هَنا كانَتْ تُؤرْجِحني، وتلقي |
عَليّ نَداوة الغُصْنِ الوَريق |
لَكَمْ سَهرتْ لِكيْ أغْفو قريراً |
وَكَمْ جاعَت فِـدى عيشـي الرقيـقِ |
هنا دارُ الطفولة، ما حَفظْنا |
لغَيْر عُيونها الحُبَّ الحقيقي |
يفوقُ تُرابُها الذَّهبَ المُصَفَّى |
ويَفْضلُ ماؤها أزْكى الرَّحيق |
هنا حَقْلـي يَمـوجُ شَـذاً، وتَزْهـو |
حواشيه بِزَنْبَقِه الأنيقِ |
عَشِقْتُ ثـراه مَنْـذُ فَتَحْـتُ عيـني |
وَلَمْ أبْرحْ له أَوْفَى عَشيق |
هنا آثارُ مَدْرستي، وكانَتْ |
تُنافِس هَيْبَةَ القَصْر العَريقِ |
نَحومُ على ملاعبها، ونَهْفُو |
إلَيْها كالشَّقيقِ إلى الشَّقيقِ |
إذا اغتاظَ المُعَلّم مِنْ رَفيقٍ |
حَمَلْنا كلُّنا همَّ الرَّفيقِ |
هنا كانَـتْ تَـدورُ حُـروبُ عَبْـسٍ |
ولي جَوْلاتُ عَنْتَرها اللبيقِ |
أُهابُ ولا أَهابُ، ويَتَّقيني |
دُهاةُ الرَّأْي والرَّمْي الدَّقيقِ |
متى نَفدتْ كُراتُ الثَّلْج عُدْنا |
نَشُدُّ رَوابطَ العَهْدِ الوَثيقِ |
فلا مَنْصورَ أو مَكْسورَ فينا |
ولا جَمْعٌ يَجُور على فريقِ |
* * * |
… وطالَ على دُروب الأمْسِ سَيْـري |
وقَلْبي بَيْن غَافٍ أو مُفيقِ |
إلى أنْ غاصَ في الأنْوار لَيْلي |
ومَزّقَ شَمْلَه بأسُ الغَريقِ |
فأغْمَضْتُ الجُفونَ على عَياءٍ |
ورُحْتُ أغطّ في نَوْمٍ عَميقِ |
* * * |
مَضَى أنْـدى العُهـود يَـداً وَوَجْهـاً |
وأقبَلَ صاحِبُ الوَجْه الصَّفيقِ |
فهَلْ نَرْجو – وقانا اللهُ منه - |
ومِنْ غِرْبانه غَيْرَ النَّعيقِ؟ |
تَجمّلْ يا فُؤادُ، فكُلُّ همًّ |
إلى فَرَجٍ يَصيرُ، وكلُّ ضِيقِ |
صَديقُك مَنْ يَعودُك في الرَّزايا |
وفي الأفراح مـا نَفْـعُ الصَّديـقِ؟… |