هَلَّتْ سَماءُ الحِمىَ، فاسْبَحْ مَعَ الشُّهُب . |
وَهَلَّلَتْ أرْضُه فاسْرَحْ ولا تَهَبِ |
لا لَسْتَ حُلُمٍ تُخْشَى عَواقِبُه |
بَلْ أنْتَ في مَهْرجانِ الشِّعْر والأدَبِ. |
في عُصْبَةٍ نُجُبٍ يَرْقَى بهم نَسَبٌ. |
لِعُصْبةٍ مِلءَ تارِيخ العُلا نُجُبِ |
يا قَلْبُ كَمْ هَزَّنا وَجْدٌ وأرَّقنا |
همٌ وَقلَّبَنا شَوْقٌ على لَهَبِ |
كَمِ اصْطَنَعْنَا مِنَ الأحلام أجْنِحةً. |
ثَمَّ افْتَرَشْنَا بساطَ الرَّمْلِ والعُشُبِ. |
ما في رُجوعِك لِلفرْدَوْس مِنْ عَجَبٍ. |
إنَّ اغْتِرابَكَ عَنْهُ مُنْتَهَى العَجَبِ. |
فِراقُ أهِلك جُرْحٌ ليسَ يلأَمَهُ |
ما في البَريَّةِ مِنْ جاهٍ ومِنْ نَشَبِ. |
هَلْ ضَمَّكَ الليلُ إلا شاكياً وَصِباً. |
تَرْويه بالدَّمْع أو تَطْويه بالدًّأبِ. |
وَيْحَ المهاجِرِ يَسْعَى في مناكِبها. |
يَقْظانَ مِنْ وَجَلٍ، سَهْرانَ مِنْ نَصَبِ. |
إذا انْتَمَى القَوْمُ ألْوَى وَجْهَه خَجِلاً. |
أنَّى يَعزّ شَريدٌ ضائِعُ النَّسَبِ؟ |
لا رِجْلُه في بلادِ الناسِ راسيةٌ |
ولا بمَوْطِنِهِ مَوْصولةُ السَّبَبِ |
تَوَزَّعَتْ نَفْسَه ما بَيْنَ ذاكَ وذا. |
فضاَع مَعْناه بَيْنَ البُعْدِ والقُرْبِ |
كأنَّه كُرةٌ يَلْهو الصِّغارُ بها |
أو آيةُ الحَمْدِ في سَفْرٍ مِنَ الرِّيَبِ. |
تِلْكَ الأساطيرُ مِنْ شَهْدٍ ومِنْ لَبَنٍ. |
تحوَّلَتْ عَلْقماً في عَيْشِه الخَشِبِ. |
يُشارِكُ القَوْمَ في أعْيادِهم فَرحاً. |
واللهُ أدْرَى بما يُخْفيه مِنْ كُرَبِ. |
لا تَنْخَدعْ ببَريقٍ في مَحاجِرِهِ |
ما في السَّرابِ غنىً للظامئ السَّغِبِ. |
هذا الهَزيجُ الذي يَنْساب في فَمِهِ. |
نارٌ مُؤَجَجةٌ في صَدْرِه التَّعِبِ |
دُنْياه قاتِمةُ الآفاقِ عابسةٌ |
وفَجْرُه مائِجُ الآماقِ بالكَذِبِ |
لا يَذْكُرُ الدارَ إلا غابَ في حُلْمٍ. |
زاهي الحَواشي وإلا اهتزَّ مِنْ طَرَبِ. |
أيامَ يَرْتَعُ في أمْنٍ وعافيةٍ |
خالي السَريرةِ مِنْ هَمٍّ ومِنْ رُعُبِ. |
خَلْقَ اللباس عَزيزاً في خَصَاصَتِهِ. |
مَنْ قالَ إنَّ العُلا في المَلْبَسِ القَشِبِ؟. |
يَعْفُو قَريراً على الأشْواك تَلْذَعُه. |
كأنَّهنّ رُموشُ الزَّنْبَقِ الرَّطِبِ |
وَيَشْرَبُ الماءَ رَنْقاً لا يَغصُّ به |
كأنَّه يَسْتَقي مِنْ سَلْسَلٍ عَذِبِ. |
لا يَشْرَئِبُّ إلى ما عزَّ مِنْ طَلَبٍ. |
ولا يُزاحم مَغْروراً على لَقَبِ |
إذا تَعَصَّى عليه حَلُّ مُشْكِلَةٍ |
جَدِّيةٍ حَلَّها بالهَزْلِ واللَّعِبِ |
وإنْ تصارَعَتِ الأهْواء اضْطَرَبَتْ. |
رَنَا إليْها بَطَرْفٍ غَيْرِ مُضْطَرِبِ. |
ما دامَ يَمْلِكُ ما يَكْفي لِلُقْمَتِهِ |
فأيُّ داعٍ لهذا الشَّرِ والسَّغَبِ؟. |
تَهِيجُ زَقْزَقةُ الحَسُّونِ نَشْوَته |
وتَسْتثيرُ هَواه أنَّهُ القَصَبِ |
دينُ الحَضارة في عَيْنَيْه شَعْوَذةٌ |
ومَجْدُها حَبَبٌ طافٍ على حَبَبِ. |
يا ذِكْرياتِ الصِّبا رِفْقاً بمُنْهَدِمٍ |
ويا خيالَ الحِمَى لُطْفاً بمُغْتَرِبِ |
ما كانَ أخْسَر في الدارَيْن صَفْقَتَه. |
لمَّا لَوَى وَجْهَه عَنْ كوخِهِ الخَرِبِ. |
أغْرَتْهُ خَلْفَ مَرامِي الأُفْقِ جَلْجَلَةٌ. |
وزَلْزَلَتْ عَقْلَه أُسطورةُ الذَّهَبِ. |
قالَتْ له الكُتْبُ أنْ لا خَيْرَ في بَلَدٍ. |
مَحْلٍ، فهامَ وراءَ المَرْتَعِ الخَصِبِ. |
وما تَعَلَّمَ إلاّ بَعْدَ هِجْرَتِهِ |
أنَّ السعادةَ شيءٌ ليسَ في الكُتُبِ. |
جَنَى عليه وأشقَى أهْلَه طَمَعٌ |
يا لَيْتَ يا لَيْتَ لَمْ يَذْهَبْ وَلْم يَؤُبِ. |
لَمْ تُبْقِ منه بلادُ المُعْجزاتِ سِوَى. |
ما تَتْرُكُ النارُ في كُوخٍ مِنَ الخَشَبِ. |
أعْطَتْهُ حَفْنةَ صَلْصالٍ فجادَ لها. |
بالغالِيَيْن، شبابِ الروحِ والعَصَبِ. |
وزَانَها بالنُّجومِ الزُّهْرِ يُنْجِبُهُمْ |
للسَّيِْفِ والضَّيْفِ، أو للعِلْمِ والأدَبِ. |
* * * |
يا مَسْقَطَ الرأسِ أضْناني هَواك، فهَلْ |
يَشْفِي هَواؤك ما في الصَدْرِ مِنْ وَصَبِ؟. |
صَخْبُ المدينة كابوسٌ أضيقُ بِهِ. |
مَن يُنْقِذُ البُلْبُلَ الشَّادي مِن الصَّخَبِ؟. |
حَمَلْتُ رَسْمَكَ في عَيْني وفي خَلَدي وُلذْتُ باسْمِكَ في صَفْوي وفي غَضَبي |
أهْوى تُرابَك، لكنْ ليسَ لي أمَلٌ. |
أنْ أستَريحَ غداً في صَدْرِكَ الرَّحبِ. |
اثنان في آخِرِ الدُّنيا تَرَكْتُهما |
يُحبِّبانِ إلى عَيْنيَّ مُغْتَربي |
طِفْلٌ يُنَصِّر دَرْبي بابتسامتِه |
وحُلْوةٌ يَنْتَهي في ظِلِّها تَعَبي |
لولاهُما مَا بَكَى قَلْبي ولا التفتَتْ. |
عَيْني إلى البَحْرِ أوْ طافَتْ على السُّحُبِ. |
أغْفُو فَيْملأ أحْلامي خَيالُهُما |
وأسْتفيق فيَسْتلْقي على هُدُبي |
* * * |
عادَ الغريبُ، ولكنْ بَعْدَ أنْ خَبَطَتْ. |
سَفِينةُ العُمْرِ في داجٍ مِنَ النُّوَبِ. |
تِلْكَ الغُصُون الزَّواهي في خَمائِلِه. |
لَمْ يَبْقَ منها سِوى شَيءٍ مِنَ الحَطَبِ. |
يا ربِّ سَدِّدْ خُطاهُ في رِسالتِه |
مَنْ دَقَّ بابَكَ لَمْ يَحْزَنْ ولَمْ يَخِبِ. |
أعْطَى العُروبةَ قَلْباً صادِقاً ويَداً. |
فاجْعَلْ نهايَتَه في خِدْمَةِ العَرَبِ!. |