أعودُ إلى وَطني الأوَّلِ |
فهَلْ يَضْحَكُ الأيْكُ للبُلْبُلِ؟ |
تطاوَل لَيْلِي، فقُلْتُ له |
مَتَى يا ثَقيلَ الخُطَى، تَنْجلي؟ |
حَمَلْتُكَ مُنْذُ تَرَكْتُ الحِمَى |
فألفُ سَلامٍ على "يَذْبُل"
(1)
|
لَكَمْ ساهَرَتْني النجومُ وغابَتْ |
وهَلْ يَسْتوي النَّجْم والمُبْتَلِي؟ |
لَكَ اللهُ يا خافقاً في الضُّلوعِ |
قَضَيْتَ حياتَك في مَجْهلِ |
غريبُ اللِّسانِ، غَريبُ الأماني. |
غريبُ العَشيرة والموْئل |
كلانا يَعيشُ على الذِّكْرياتِ |
وأيْنَ السرابُ مِنَ الجَدْوَل؟ |
طَمِعْنا فأورَدَنا في المهاوي |
وتُودي الفَريسةُ بالأجْدَلِ |
ظننَّا السعادةَ في مَتْجَرٍ |
يَضُمُّ الكُنوزَ وفي مَعْمَلِ |
فَلَمْ نَجْنِ غَيْرَ الأسى مَشْرَباً |
وَغيْرَ النَّدامةِ مِنْ مَأْكَلِ |
إذا كان عِندكَ شيءٌ يُقالُ |
فقُلْه، فقُلْهُ ولا تَخْجَلِ |
لَعَمْري لَقَدْ صَدَقَ القائلون: |
وعاءُ الشَّراهَةِ لا يَمْتلي |
رأيتُ القَناعةَ شَهْداً، ولكنْ |
تَحومُ النفوسُ على الحَنْظَلِ |
أتذكُرُ، يا قَلْبُ، كَمْ ذا صَبَوْنا. |
إلى كُوخِنا الأخْضَر الأخْضَل؟. |
إلى الأهْل والدارِ والأصدقاءِ |
إلى عَهْدنا الأنْضَرِ الأجْمَلِ |
إلى نفحةٍ من أريج الشَآم |
إلى مَوْجَةٍ مِنَ شَذا الكَرْمِلِ، |
إلى غَفْوةٍ تَحَتَ ظلِ النَّخيل |
إلى جُرْعة الماءِ مِنْ "كَوْشَل"
(2)
. |
إلى السَّهْل تَمْرَح فيه النعاجُ، . |
إلى الحَقْلِ يَمْرع بالسُّنْبلِ |
فما لكَ، يَا قَلبُ، تَذْري الدُّموعَ. |
وتَجْثو حَزيناً على الهَيْكَلِ؟ |
ومالكَ تَنْسَى ليالي النَّوَى |
وتَهْفُو إلى قَيْدِها الأثْقَلِ؟ |
وما لكَ، في غَمَراتِ الحَنين |
تَوَدُّ لَوَ أنَّكَ لم تُقْفِلِ؟ |
تَحقَّقَ حُلْمك بَعْد المطالِ |
فهلاَّ ضَحِكْتَ لمستقبلِ؟ |
عَجِبْتُ لأمركِ، تَبْكي غَريباً |
وتَبْكي إذا عُدْت للمَنْزِلِ! |
* * * |
عَذَلتُك، يا قَلْب، يكنْ رياءً |
ورُبَّ شجٍ في ثيابِ خَلي |
كلانا يُصارِع نارَ الجَوَى |
ويَشْرَق في دَمْعِهِ المُرْسَلِ |
كلانا َتَناهَبُهُ لَهْفَةٌ |
ويَطْعَنُه الوَجْدُ في مَقْتَلِ |
أَحِنُّ لأهليَ في مَهْجَري |
وأصْبُوا إلى وَطَني الأولِ! |
أنا حائرٌ بَيْنَ هذا وهذا |
فكَيْفَ الخُرُوجُ مِن المُشْكِلِ؟ |
* * * |
غَداً، يا رفاقُ الطريقِ، الوداعُ. |
فَرِفْقاً بِحالِ الأخ المُثْقَلِ |
إذا لم تَحنُّوا على راحلٍ |
طَوَيْتُ جَنَاحي ولَمْ أرْحَلِ! |