لا لَمْ يَهُنْ للضيمِ أحرارُ العَرَبْ |
لا لَمْ تَمُتْ بصدورهم نارُ الغَضَبْ |
إيمانُهم كالبحرِ إن يَنْضُبْ نَضَبْ |
قُلْ للذي في نكبةِ الحقِّ ارتعبْ |
لا بدّ يوما أن يغيبَ "أبو ذَنَبْ" |
ويعودَ للوطنِ السليبِ مَنِ اغتربْ |
أرأيتَ بُطْلاً في مراسيه استَتبْ؟ |
كم عاثرٍ من كَبْوِةِ الحظ انتصبْ |
كم غاصبٍ أودَى ضحيةَ ما غَضَبْ |
ليسَ البطولةُ أنْ ندوخَ من الغَلَبْ |
إنَّ البطولةَ أنْ نقومَ مِنَ التَّرَبْ |
ونخوضَ معركة المصيرِ ولا رَهَبْ |
صَدَقوا... لقد كنَّا سيوفاً مِنْ خَشَبْ |
صَدَقوا... لقد كنَّا جُنوداً مِنْ لُعَبْ |
صَدَقوا… لقد كنَّا قنابلَ مِن حَبَبْ |
نُرْمَى ولا نَرْمِي، ونَقْنَع بالهَرَبْ |
ونُحاربُ الأعداء.. . لكنْ بالخُطَبْ |
ونزجُّهم بالبحرِ… لكنْ في أدبْ |
إنْ فاخرونا بالفتوحاتِ العَجَبْ |
قُمْنا نفاخُرهم بآياتِ النَّسَبْ |
ونردُّ كيدَهمُ بآلاتِ الطَّرَبْ |
ونعيدُ بالصلواتِ صحراءَ النَّقَبْ |
صَدَقوا… ولكن ذاك حالٌ وانقَلَبْ |
اليومَ ثارَ الحقُّ وانجَلَتِ الرِّيَبْ |
وانهارت العُزَّى وطاحَ "أبو لَهَبْ" |
* * * |
يا شاعرَ الثوراتِ يكسوها لَهَبْ |
ويخوضُها فِكراً وقَلْباً ما اضطربْ |
أشَجاكَ أنَّ فتى العروبةِ قَدْ ذَهَبْ؟ |
أشَجاكَ أنَّ أبا الفراقدِ قَدْ غَرَبْ |
الحاملُ الأوزارِ عن جيلِ الوَصَبْ |
الزارعُ الآمالِ في جيلِ الزَّغَبْ؟ |
أشجاك أنَّ العيدَ جاء بِلا صَخَبْ؟ |
متهافتَ الخُطُواتِ يَلْهَثُ مِنْ لَغَبُ |
لا طيرَ غنَّى، لا بَشاشةَ لا قَصَبْ |
أنَّى التفتَّ رأيتَ آثارَ الحَرَبْ |
أشجاكَ أنَّ العُرْبَ شَعْبٌ وانشَعَبْ |
تَقْواهمُ هَزْلٌ ورأسُهُمُ ذنَبْ |
وسلاحُهم هَذْرٌ وعدَّتُهم جَلَبْ |
يتقاتلون على المناصبِ والرُّتَبْ |
يتزاحمون على سَخافاتِ الحَسَبْ |
يتهافَتون على أباطيلِ اللَّقَب… |
لا تيأسنَّ فَلَنْ يسوءَ المنقلَبْ |
ماتَ النبيُّ فهل تَرَى مات العَرَبْ؟ |
حملَ الصحابةُ بعدَه علَمَ الغَلَبْ |
وبنَوا رسالتَه على هامِ الهَضَبْ |
لو أسلموا لليأس لاستشرَى اللَجَبْ |
ولضاعَ ما بَذَلَ الشُّجاعُ من العَجَبْ |
ومحا الخمولُ من الخواطرِ ما كَتَبْ |
كَمْ واغلٍ لرسالةِ الحقِّ أشرَأبْ |
يرجو الوجاهةَ والنباهةَ والنَّشَبْ |
صَلَّى جُمادى ثم أهوَى في رَجَبْ |
لَمْ يَجْنِ من أحلامه إلاَّ العَطَبْ |
لم يُغْنِ عنه من أضلّ وما وَهَبْ |
تَبَّتْ يداه وتَبَّ باطلُه وتَبْ |
* * * |
بُشْراك يا علَمَ الفصاحةِ والأدَبْ |
هذي شُبولُ الفتح تَزْحَفُ عن كَثَبْ |
يستقبلون النارَ غَيْثاً وانسَكَبْ |
وقذائفُ البارودِ عِطْراً وانسَرَبْ |
زهَتِ الخيامُ بهم على أزْهَى القِبَبْ |
وتضاءلَ "الإِيوانُ" عن هذي الخِرَبْ |
يستعذبون الموتَ للأخرى سَبَبْ |
القُدْسُ مطلبُهم، وأعْظِمْ بالطَّلَبْ |
وسعادةُ الجيلِ الجديد هو الأرَبْ |
ولَدَتْهُمُ الصحراءُ في حُضْنِ الكَرَبْ |
في بؤرة الحِرْمان، في ظِلِّ السَّغَبْ |
وتشرّدوا زُمَراً يعضُّهم النَّصَبْ |
أعراضُهم للواغل العادي سَلَبْ |
وديارُهُم نَهْبٌ أُبيحَ لمن نَهَبْ |
مأساتُهم مأساةُ حقِّ مُغتَصَبْ |
نفضَ الغريبُ يديه منه وانسحَبْ |
ورثَى القريبُ له ولكنْ ما اقتربْ |
ثاروا... فيا وَيْحَ الدخيلِ وما ارتَكَبْ |
وتدافعوا كالسَّيْل مَجْراه صَبَبْ |
هَجَروا التواكُلَ للجهادِ وللدَّأبْ |
للذَّوْدِ عن وَطَنٍ تمرّس بالنُّوَبْ |
هَؤُلاءِ أجنادُ الخَلاصِ المرتقَبْ |
هَؤُلاءِ أصحابُ الترابِ المستَلَبْ |
هَؤُلاءِ جيشُ المجدِ لا جيشُ الشَّغَبْ |
شتَّان سيفٌ للمروءةُ يُصطحبْ |
ومهنّدٌ بدم الضعيف قد اختضَبْ |
* * * |
يا شاعرَ الفُصْحى فديتُ "فَمَ الذهبْ" |
أحلَى العتاب عتابُ مجروحٍ أحبْ |
قالوا تشاكى قلتُ لكنْ ما انتحَبْ |
قالوا تقاسَى قلتُ لكنْ ما كَذَبْ |
قالوا تشاءم قلتُ لكنْ ما نَعَبْ |
ماذا عليه إذا تَوَجَّع واصطَخَبْ؟ |
جُرْحُ العروبة جُرْحُه أنَّى التهبْ |
مَنْ عاش في الأحلامِ يحتقر الذَّهَبْ! |