شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الغدُ الأكبرْ
إلى الأخ علي محمد عيسى جواباً على تحيته الشعرية الأنيقة، وكان صاحب الديوان قد عاد حديثاً من الوطن عام 1968 بصدمة مزدوجة، أولاً لمنعه من دخول الأرض التي غنَّاهـا أعذب شعره، لولا وساطات ومراجعات دامت عشرة أيـام قام بها بعض كرام الناس من ذوي الجاه والنفوذ، وقد ظلت أسباب المنع سراً عسكرياً... وثانياً لما لمسه من كبت للحريات بحجة الدفاع... عن سلامة النظام، مما جعله يختصر سفرتـه ويعود إلى مغتربه خائباً كاسف البال. ولم يستطـع في هـذه القصيدة أن يكبح شعوره ويخنق ما في صدره من ألم ومرارة، ولكن القارئ يتبين من خلال شكواه بوارق أمـل لا يخبـو وخوارق إيمانٍ لا تهزُّه الرياح.
تَحَدَّثْتَ عن شاعرِ المهجرِ
فأين سَرَابي من الكوثرِ؟
خَلَعْتَ عليَّ برودَ الثناءِ
قوافيَ أحلَى مِنْ السُّكَّرِ
وطوَّقْتني بالشذى النديِّ
قلادَة مِسْكٍ على عَنْبرِ
فكيفَ أردّ سلامَ الربيعِ
وقد نَضِبَ العِطْرُ في مَحْجري؟.
وماذا أقول وفي فيَّ ماءٌ
وقلبيَ ضيفٌ على خِنْجر؟
حبُّ بلاديَ مهما أساءتْ
وأهفوا إلى تُرْبها الأَطْهَر
تعرَّيتُ في عنفوانِ الشِّتاء
فأوشكتُ من بَرْده أهتري (1)
إذا أنكَرْتني خَنَقْتُ دموعي
ولم أتنكرْ ولم أُنْكرِ
لعينِ الكريمِ أغضُّ جُفوني
عن الواغلِ الوالغِ المُفْتري
حبيبٌ لقلبي دلالُ الحبيبِ
ومهما يَسُمْنِي الأسَى أغْفِرِ
أنادي فأُبصرها في الصَّدى
وأُملي فتنساب في أسطُري
بلادي ستخرجُ من سِجْنها
وتمشي إلى غَدِها الأكْبرِ
لئن خَبَطَتْ في الدُّجَى حِقْبةً
فقد طَلَعَ الفَجْر للمُمْتَري
صقورُ السياسةِ قد أفْلَسوا
وعادَ الكلامُ إلى الأبترِ
لقدْ هَدَروا ثم لم يَطْحنوا
سوى سَقَطِ القَوْلِ والمَظْهَرِ
أبادوا العِدَى بشعاراتِهم
فما حاجةُ الناسِ للعَسْكَرِ؟
وماذا يهمّ ضياعُ الحِمَى
إذا سَلِمَت "ثَوْرة الأَعْصُرِ"
أقول لمن ظنَّها ضِحْكةً
على لِحْيَة الشَّعْب: لا تَسْخَرِ
ألم تَجْتَرِحْ ألفَ أعجوبةٍ
بقُدْرة أستاذِها العبقري
إذا طَمَسَ الجُوعُ دَرْبَ الفقير
ليأكُلْ تعاليمها يُبصرِ
* * *
بلادي ستخرجُ من سِجْنها
وتكسِرُ قَيْدَ الهوانِ الزَّرِي
تحفَّز للوَثْبِ أشبالُها
فيا دَوْلَةَ الأشقياءِ احذَري!
حَرامٌ على البيضِ أن تستريحَ
وفي الدار جِسْرٌ لمستعمرِ
إذا أجدَبَتْ للعُلا تُرْبَةٌ
تَوَلَّ سقايتَها تُثمرِ
سَيُخْتَم بالدَّمِ عُمْرُ اللقيط.
وتُلْقَى بقاياه مَعْ خَيْبرِ
1968
 
طباعة

تعليق

 القراءات :413  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 44 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.