وقَفْتُ على صنعاء دهراً خرائدي |
وما في بياني من طريفٍ وتالدِ |
وشرَّقتُ في الدنيا وغرَّبتُ سائحاً |
و"صنعاءُ" لَحْني إنْ تغنَّتْ قصائدي |
وفيها خيالاتي بأشواقِ غربتي، |
وأطياف أحلامي العِطاش السَّواهِدِ |
تطوفُ على أحيائها كلَّ ليلةٍ؛ |
تُقَبِّل آثارَ المُنَى والمواعدِ؛ |
ولم يُسْبِ عيني بعدَها غيرُ ما رأتْ. |
"بأَبْها عَسيرٍ" من جميلِ المشاهدِ |
* * * |
كأنَّ رُباها والزهورُ تزينُها |
سماءُ جمالٍ رُصِّعتْ بالفراقدِ |
ولمَّا هَبَطْنا سوحَها رقصتْ بنا |
مشاعرُنا؛ من بهجةٍ وتواجدِ |
بلادٌ؛ حباها اللهُ بالخِصْب والبَها |
وزيَّنها بالأكرمين الأماجِدِ، |
وخارَ لَها من بين أكرم أسرةٍ |
أميراً؛ ذكيّ القلبِ شهْمَ المقاصدِ |
له حِسُّ فنَّانٍ، وفِطنَةُ شاعرٍ، |
وهِمَّةِ مِقْدامٍ، وعِفةُ زاهدِ |
ويَصْطنعُ المعروفَ والفضلَ شيمةً |
توارثَها عن خير جدٍّ، ووالدِ.. |
ومَنْ كأَبيهِ "فيصل" في ذكائه |
وحكمتِه، أو صَبْرِهِ في الشَّدائدِ؟! |
و"آل سعودٍ" قد أسيطتْ دماؤُهم |
بحبِّ المعالي، واكتساب المحامدِ |
سبيلٌ تحرَّاها "سعـودٌ" و"فيصـلٌ" |
و"فهدٌ" تحرَّى نهجَها بعد "خالدٍ" |
وإخوتهم من كلِّ شهمٍ، وفارسٍ، |
ونَدْبٍ سياسيٍّ، وفذٍّ، وقائدِ |
لذلكَ أضحت أرضُهم وديارُهمْ |
ملاذاً لذي علمٍ، وحرٍّ، وشاردِ |
فكَم من أُباةِ الضَّيم آوَوْا وناصروا، |
وكَمْ من تقيٍّ، بلْ وكَم من مجاهدِ؛ |
ولمَّا تهاوتْ بالزَّلازلِ أرضُنا |
أغاثوا؛ وكانوا خيرَ عونٍ مُساعدِ |
فكَمْ من بيوتٍ قد بنَوا ومدارسٍ، |
وكم من قُرىً قد شيَّدوا ومساجدِ! |
وكم طرقاً قد عبَّدوا، وملاعباً، |
وكم من مصحَّاتٍ، وكم من "مَعَاهدِ"! |
لَهُمْ شكر قومي في المدائن والقرى، |
ومن كلِّ حيٍّ في "بَكيلٍ" و "حاشدِ" |
إذا لم تكنْ للْعُرْفِ في الناسِ ذاكراً |
فلستَ بذي دينٍ، ولستَ بماجدِ |
* * * |
تعوَّدتُ آفات الزمان؛ فلي بها |
صِلاةُ خبيرٍ ثابتِ الجأْشِ، راشدِ |
فَفي الحُبِّ كم كَفْكَفتُ دمعي تصبُّراً، |
وفي الحقِّ كم صارعتُ هوجَ المكائدِ: |
أعوذ برب الناس من شرِّ غادرٍ، |
ومن شرِّ نمَّامٍ، ومن شرِّ حاسدِ، |
وهُمْ حول حظّي كالعقارب شُوَّالاً |
بأذنابها؛ أو جُوَّلاً كالأساود، |
ولكنَّ ربَّ الناس فضلاً ورحمةً |
وقاني التردّي في شباك المصايدِ |
وقد عِشتُ ملءَ الدهرِ؛ مِلءَ مطامحي، |
ومِلءَ صباباتي، ومِلءَ عقائدي! |
أغنّي خيالاتي ترانيمَ غربتي، |
وألحان أحلام اللَّيالي البوائدِ |
و"بِلْخَير عبد الله" بالشعر والمنى |
يُهَدْهِد أشواقَ الأماني السَّواهدِ
(1)
|
ملاحمُه تُحيي مواتَ مطامحي |
وتحدو قوافيها لحونَ قصائدي |
"ملاحم" كم أذكى بها من مشاعرٍ |
لِقومٍ؛ وكم أحيى بها من معاهدِ! |
وكم صاغها يبغي رضا الله مسلماً |
حنيفاً؛ وكم واسى بها من مجاهدِ! |
وكم سنَّها في نصرة الحق والهدى؛ |
وكم سلَّها في وجه كلِّ معاندِ!؟ |
وكان رفيقي في الكوارث إن عدتْ |
وفي محنتي قد ظلَّ خير مساندِ |
وها هو بالأمس القريب تكرُّماً |
يُطَوِّق تاريخي بأزهى القلائدِ |
فكان بما أولاه فضلاً ومنةً |
وتَسْليةً أوفى وأكرمَ شاهدِ |
ومن يك ذا عقل وعِلْمٍ وهمةٍ |
يهمْ بالعُلَى؛ لا بالأمور الكواسدِ |
ويحرصْ على عيشِ الكرامةِ راضياً |
وإن كان مُرّاً مُرهقا، غير باردِ |
* * * |
أنِسْتُ "بأبها" أنس صبٍّ متيمٍ |
يراود أحلام الغريب المطارَدِ |
أنستُ؛ لأني نصف قرنٍ كطائرٍ |
يصارعُ أنواء الرياح النواكدِ |
ولما رأتْ عيني مغاني رياضها، |
وأرباضها تزهو زُهيّ الفراقدِ |
خَلَصْتُ إلى حدسي نجيّاً محاوراً |
وحدسُ الفتى للخير أصدقُ رائدِ |
فقال: "بأبها" الحسنُ والشعرُ خيَّما؛ |
فألقِ عصا الترحالِ في ظلِّ "خالدِ" |