ما احتسى راحاً ولكن طَرِبا |
فانتشى يذكر أيّامَ الصِّبا |
في رُبى "صنعا" وحيّى الله سفحَ رباها، وسقى تلك الرُّبى |
والهوى نشوان في ميعته، |
لا يبالي من جفا أو غضبا! |
كلّ يومٍ وله في روضهِ |
زهرةٌ تُذكي هواهُ إن خباَ، |
ليلُه للحُبِّ والشعر، وقد |
أخذا من عُمرهِ ما طلبا.. |
والضُّحى للمجد والعلم، وما |
يتمنّى طامحٌ أن يكسِبا؛ |
* * * |
يا رعى الله عهوداً سلَفَتْ |
في "شُعُوبٍ" قبل أن ننشعبا، |
حين كنّا.. ولنا من لَهْوِنا.. |
زاجرٌ لا يرتضي أن نتعبا.. |
والقوافي في فمي صنّاجةٌ |
تُنشِدُ اللَّحن حنوناً مُعْرَبا |
وأنا أشدو بها قرزَمَةً؛ |
تارة جدّاً، وطوراً لعبا، |
أنشد الحبَّ وأهوى صوته |
فلقد صار لي الحبُّ أبا، |
لا أبالي حين أحسو لحنَه |
كوثراً أرشفه أم لَهَبا! |
ورفاقي في العلى أو في الهوى |
مَنْ تُقابلْهُ تقابلْ كوكبا، |
أريحيّاً صادقاً في وعدِه، |
يأنف الضَّيم، ويقلو الكذبا، |
والغواني والأغاني حولنا |
قد قضت من كل شأوٍ مأربا. . |
* * * |
أين "صنعا" حبذا من مَرْبعٍ، |
وأُوَيْقاتٍ مضت ما أطيبَا! |
كلَّما نادمني من سفحِها.. |
صوتُ ذكرى، أو أتى عنها نبا |
وجفَّ القلبُ وجاشتْ لَوعتي |
في ضلوعي؛ صارخاً: واحَرَبا! |
و"الفِلَيحي" و"القُزَالي" فيهما |
قد نما حُبّي صغيراً، وحبا |
بهما داري، ومحرابُ المنى |
حيثما شبَّ شبابي، ورَبا.. |
* * * |
ليتني لم أعرفِ "الحرف" فقد |
كان دائي؛ لو ذكرتُ السَّببا؛ |
هِمتُ عن "صنعا" به منفعلاً |
ليتني ما حدتُ عنها هربا |
إنَّه "الحرف" الذي قِدماً به |
عذَّب التّاريخُ من قد عذَّبا. |
شُرِّدوا في الأرض ما استَخْذَى لهم، مطلبٌ إلاَّ وراموا مطلبا؛ |
والأُلى لَمْ يَعْرِفوه هجعوا؛ |
مَطْعماً طابوا، وطابوا مَشْربا. |
ليتني قد ظلتُ أمّياً، ولم.. |
أدرِ ما قد أودعوه الكُتُبا، |
* * * |
ليتني لم أستمع شعراً ولم |
أصغِ للناثر، أو مَن خطبا، |
آه قد صدَّقتُ ما قالوه لَمْ |
أسألِ الناصحَ مِمَّن جرَّبا! |
وحملتُ الحرف أستهدي به |
طُرُقي عَلِّيَ ألقى مذهبا. |
ثلث قرنٍ كشريدٍ ما ثوى |
في حِمىً إلاَّ وعنه اغتربا، |
وهوى "صنعا" نشيدي في الدُّجى، |
ورسولي كلَّما هبَّ الصِّبا، |
وإذا مثَّلتُها في خاطري |
سكرتْ روحي وغنَّت طربا. |