شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الرزق المقسوم
أخي محمد عمر
لم أجد الشجاعة الكافية لرفض اقتراحك.. والواقع أني شعرت بتخاذل أعصابي تجاه الدعوة إلى أن أكتب بأجر.. بصرف النظر عن كونه ملائماً لمساعدة مواردي المحدودة، أو متكافئاً مع تحولي من الهواية إلى الاحتراف الذي هو تغيير يقتضي شيئاً من المرونة أراه الآن يعجزني.. نظرياً.
من حسن الحظ أني أصبحت مؤمناً، إيماناً جاداً، بأن الحياة عبارة عن تغيير مستمر -تغيير لكل ما فيها- وأن ثبات اطّرادها، يتنافى مع ضرورات النشاط البشري الذي هو عبارة عن مجموعة من التحولات.
ترجمة هذا الكلام إلى مفهوم واضح، يعني قبولي للمبدأ.. مبدأ تطليق الهواية، والتزام الاحتراف.. ولا بد أن اكتسابي المرونة الضرورية للاحتراف، لن يستغرق وقتاً أطول مما يحتمل صبر الصحيفة على كاتب قديم يتحول إلى جديد.. لن أشق غبار السابقين وبالتأكيد.. ولكني سأجد محلاً في المؤخرة.. أو على مقربة منها، إلى أن تقع المعجزة.. وإذا قُدِّر لها أن لا تقع، فالأمر لن يكون مقلقاً إلى الحد الذي يبرر الندم على الارتباط بيني وبينها.. فما يزال بين القرّاء على الأرجح، قطاع.. آدمي.. ثقيل الحركة، لم يتحول بعد إلى مستوى التجانس مع معطيات السرعة!
سيعطيني هذا القطاع، عدداً كافياً من العملاء، أقصد القرّاء المتجاوبين، بالقدر الذي يكفي لضمان الرزق المقسوم، بمعنى أنه يكفي لتقرير لون من الأهمية قابل للتطور..
الأهم بعدما تقدم أن تصغي إلى وجهة نظري، في ما يتطلبه تحولي عن الهواية، من نوع الاستعداد ومتطلباته.. فأنا سأقرأ، أي لا بد أن أقرأ كثيراً، بعد انقطاع طويل، لأعوّض ما فاتني.. وسأقبل على الحياة والناس، وسيقبلان عليَّ، وستفرض عليَّ هذه العلاقات المستأنفة نشاطاً يتسع نطاقه باستمرار، فأين الطاقة والجلد على كل هذا؟
ولن يسعني الهرب من تبديل مظاهر حياتي التي اتخذت إلى الآن مجرىً محدوداً، في إطارات ضيقة جداً، تشبه قوالب الضغط والكبس.
هذا تطور ينبغي أن يحسب حسابه، وحساب جرائره وتبعاته، حتى بالنسبة إلى أسرتي.. وخاصة أصدقائي الذين لن يفوتهم العلم الصحيح بحقيقة الحال.. والرقم!
إن كونك تعمل عملاً ما، لا يعني إلاّ اتساع نطاق إمكانياتك مادياً.. ومن هنا أتحول من رجل في (قوقعة!)، إلى رجل يحترف عملاً، في صحيفة ناجحة، وبأجر يزيده الغموض، والقياس، والتخمين -قابلية أتوماتيكية، للنمو، والارتفاع، والتضخم!
باختصار، وبعد تحليل الموقف على هذا النحو، معقولاً كان، أو غير معقول -إن الأجر المعروض في الاقتراح، لن يغطي بحال، احتمالات المشروع -وتكاليفه، وبإيجاز، مخاطره..
إنها صراحة علمية -من النوع الذي كنا نستنكره، قبل أن تصير الأمور إلى ما صارت إليه..! ولكن يزكيها واقع الحياة ومقاييسها.. وإذا لزم الدفاع عنها، فإن إعلاناً تجارياً يشغل، ولمرة واحدة، مساحة ما أكتبه في الأسبوع بمعدل نصف صفحة على الأقل، سيمثل ضعف أجري لشهرين، وربما لثلاثة على التقريب!
يبقى بعد هذا أن الجريدة لا تتجشّم من مشقة العمل والمسؤولية الأدبية والاجتماعية، وربما الرسمية، ما يتجشمه الكاتب، مع إغفال شتى الالتزامات الخفية والظاهرة!
ليس هذا تعقيداً للمسألة، بقدر ما هو تبسيط مخلص لها.. يدل على ربة جادة في الالتزام!
إني أدرك مقدماً أنك -إذا كنت وحدك- ستخرج لسانك لي -وأنه سينطلق بكلمة أحمق- أو خيالي -أو دون كيشوت.. وسيكون ذلك مؤسفاً، ليس لأنه دليل على سلاطتك، بل لأنه يضع حداً مؤلماً لخيالي الذي ما أنكر أنه نشط، ولاقتراحك، ولسمعتي كهاوٍ واشتهر في ماضي حياته بالتصوف -والزهادة- والرومانسية الحالمة!.
سيكون من حقك نشر رسالتي هذه، ليدرك القرّاء، أن فساد الاحتراف قد زحف إلى نفوس الهواة أو لتأجيل حكمهم، أعطيك حق نشرها، على شرط الهواية، بلا أجر ولكن أتراك تخدم الحقيقة والفن بنشرها؟ لا..
لشد ما قد يسخر الزمن من كفاحنا يا صديقي، منذ كانت حياتنا.. على ما يشبه السراط.. زحفاً وانطلاقاً، شيئاً معلقاً في الفضاء، لا ينتسب إلى الأرض، ولا إلى السماء.. أو كأنها الصلب الذي لا ينتهي فيه عذاب المصلوب بانقضاء أجله!
والآن أتعتبر رسالتي هذه مقارنة سطحية، أو شكلية، بين المقالة الأدبية، والإعلان التجاري في صحيفة واحدة؟
أرجو أن لا تقع في الشرك.. وإلى اللقاء أيها الصديق الحبيب.. وشكراً..
من أخيك حمزة شحاتة
 
طباعة

تعليق

 القراءات :569  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 93 من 99
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.