شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سخطي على الدنيا
أخي محمد عمر
فرغت من رسالتي إلى المسؤول الآن.. وها أنا أبدأ كلمتي إليك..
ستقرأ رسالتي.. وستحتفظ بصورة لها عندك إن رأيت فيها شيئاً ينبغي أن يدخر إلى أن يحين أوان المحاسبة عليه، أو المناقشة فيه.. أو التجريح به..
وسيهولك أني لا أعرف ماذا أقول في موقف كهذا.. فكان حقاً أن أسألك الهداية جاداً لا هازلاً.. أرأيت أني استعرت حتى كلماتك في استفتاح الغرض؟..
ماذا كان في رسالتي الأولى مما يثير ويحرك، سوى أنني غدوت "غسّالة ذكراً" كما قال العرب.. حيّة ذكراً..؟
ألاّ ترى أن من دلائل الإدبار المجنَّح أن يسكت المسؤول فلا يجيب، ويكون الخسران بكشف العورة لغير راغب امتحاناً عسيراً لآخر بقايا الكرامة في نفس صاحبها؟
تشاؤم.. نعم إنه كذلك.. وإنه العالم البصير الذي يندر أن تخيب له فراسة أو يسقط حكم..
إن متاعي مُعَدّ من أول أيام رمضان، والنية معقودة على أن أطيف بك في الطايف على أن لا تكون إلمامة عجلى.. فلقد أخلق جسمي هذا القيام المتصل بآلاف الشؤون الصغار التي لا أقل منها لتأليف نسيج الحياة لفرد منقطع.
وكانت الرحمة بك تأخذني كلما هممت بأن آتيك ممسياً أو مصبحاً.. وكان الخوف من سوء المصير، أو عثرة السوء، للعلاقة بيننا، من دواعي التردد.. فالذي أعرفه بالتجربة أن ابن آدم أثقل ما في الوجود إن ثقل.. وأخف ما فيه إن خف.. وأنت لا تلقاني وحدك فيخف محملي عليك.. وإنما يلقاني من خلفك بيت فيه زوجة تعمل.. وعيال يطلبون.. والمنزل بمسؤولياته.. كميدان الحرب بخطوطه.. لا بد أن تقصر لتتماسك الحركة بهذا القصر في الخطوط.. والضيف المفتوح النفس مثلي شيء تطول به الخطوط، وتنفرج المسافة.. بينها.. ويزيد عدد المسؤوليات.. فيشيع الانقباض في جو البيت من الداخل.. أو يشيع الشعور بطول "المنزل!" عدا "عرضه!" فربما أعداك الشعور بعدواه، أو ساءك سوء وقعه في نفسك، لما تجد لضيفك عندك من هوى قديم أو حديث يجهل تأثيره "الداخل" فتضيق مساحة بشاشتك بهذا العامل.. فأظنها علامة الضجرة.. وفاتحة الأدبار، فأنكمش.. فيأخذك انكماشي بمثله.. فإذا بنا في ظل حالة من المسايرة بين عاقلين يكاد كلاهما أن يصيح بالآخر في كل لحظة: أأنت مجنون؟
ويجيء دور الشعور بهذا.. فأتهيأ للمفارقة.. كارهاً لما اعتدت من لين العيش ورقته وتوفر الجهد في منزلك -أو معرضاً بها.. فأرى أنك تتلقى الحركة بارتياح الراغب في التعجّل.. فأتهمك باللؤم، أو أتهم نفسي بالإفراط في الأثقال.. وأشعر بالجرح يثير فيَّ جراحاً قديمة نائمة.. فيتجدد سخطي على الدنيا.. وناسها.. وترى معي أن الأمر على هذا النحو خليق بأن يتقي شره.. وتدفع جوانحه.. وإن كنت لا أقصد بهذا إلاّ استبراءك واستفزاز حماستك في الإصرار على الدعوة.. وتوكيدها..
أبرقت -غير مرعد!- إلى المسؤول، مهنئاً بما دعوته سلامة العودة، وتجديداً لعهد الولاء والإخلاص.. ولم أتلق رداً.. فانقبضت.. وتلقيت الركبان بألوف الاحتمالات التي تَمُتُّ إلى السوء ولو بأوهى سبب..
وقضيت يومي وليلتي صاعداً هابطاً على هذه الوعور المسنونة.. حتى بدأ الأمر يهون في نفسي هوانه.. فقلت لقد كنت المخطئ بالبادرة.. فلم يبق في الأمر إلاّ ما فاتني من وضوح علاقة الرضا أو ورودها.. وليس في هذا الفوات ما يؤكد الموجدة، أو يستوجب ضرورة وجودها.. وهكذا استطعت أن أميل بالأمر عن مسقط نظري، أو أدفعه إلى حين..
إلى اللقاء يا صديقي وشكراً..
أخوك حمزة شحاتة
 
طباعة

تعليق

 القراءات :548  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 72 من 99
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.