شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مصر تستأنف حملتها
ولقد كان عبد الله بن سعيد على محبته للسلم بعيد النظر عندما تنازل عن الإمارة لأنه كان يعلم أن ذوي بركات سوف لا يصبرون على ما نالهم من مساعد وأن محمداً علياً بلوط سوف لا يتخلى عن مناصرتهم.
والواقع أن الأمر كان كذلك فإن الشريف عبد الله بن الحسين البركاتي ما كاد ينهزم من جدة قبيل وفاة مساعد حتى شد رحاله إلى مصر وقابل فيها محمداً علياً بلوط وشكا إليه مما قاساه من الويلات فجرد محمد علي بك لنصرته حملة عسكرية من الترك والمصريين وأرسلها في صحبته إلى ينبع من طريق البحر بقيادة مملوكه محمد بك أبي الذهب.
واتصل خبر الحملة بمكة ولما يمضِ على تولية الشريف أحمد بن سعيد إلاّ شهر واحد وبعض شهر ثم وافته الأنباء أن درويشاً أغا وزيره في ينبع عجز عن ملاقاتها ففر هارباً، وأن الحملة بعد أن احتلت ينبع نهبت ما فيها وأن الشريف عبد الله بن حسين يتقدم الحملة في طريقه إلى وادي فاطمة في جموع حاشدة من العربان.
فنشط أحمد بن سعيد وأرسل أهله وحريم ذوي زيد إلى الطائف وندب من يستنفر القبائل لنصرته فلم يجبه إلاّ القليل فشرع يحصن مركزه في حدود ما يستطيع (1) .
عبد الله بن الحسين: وفي اليوم الرابع عشر من ربيع الأول عام 1184 وصلت الحملة إلى وادي فاطمة فندب الشريف أحمد علي بن عبد القادر الصديقي مفتي مكة والشريف عبد الله لمقابلة قائدها محمد بك أبي الذهب وبحث الأسباب التي تدعو سيده إلى التدخل في شؤون الحكم بمكة فلم يجد المندوبان إلاّ جواباً عسكرياً مؤداه أنه مأمور بانتزاع إمارة مكة وتسليمها إلى عبد الله بن الحسين البركاتي ليتولى أمرها فعاد المندوبان بما سمعا إلى أمير مكة.
وفي 16 منه تحركت الحملة من وادي فاطمة فعسكرت في الزاهر وأعدت مدافعها بحيث تشرف على بئر طوى فخرج أحمد في جنده وبعض من تبعه من العربان إلى المصانع التي في الريع ونسميه اليوم ريع ((الرسان)) (2) في نهاية حارة الباب.
ثم ظهر أن لا فائدة من لقاء مثل هذا الجيش بعد أن تفرقت عنه البادية مستجيبة إلى الذهب الذي يبذله غريمه في الجيش المهاجم فأودع بيته الشريف حامد بن الحسين أحد إخوان غريمه على طريقتهم في ذلك ثم غادر مكة من طريق المعابدة إلى الطائف بعد أن حكمها نحو خمسين يوماً.
ودخل الجيش المهاجم مكة في يوم الجمعة 18 منه وتفرق جنده في كل حي منها ونزل عبد الله بن الحسين في دار السعادة ثم نودي له بالإمارة وأقبل المهنئون والشعراء يرتلون له آيات التبريك.
وعاثت الحملة العسكرية في مكة ولم يسلم من أذاها أحد وعانت الأسواق من جورها ونهبها شيئاً كثيراً وسجن قائد الحملة مفتي مكة علياً الصديقي ولم يطلقه حتى غرمه عشرين ألف ريال وأخذ كثيراً من أموال التجار ونهب دار الشريف مساعد في سفح أجياد وشرد من بقي من ذوي زيد في مكة (3) .
ووقع حريق في دار السعادة نزل ذوي زيد فقيل إنه من تدبير قائد الحملة ولكن صاحب خلاصة الكلام (4) ينفي ذلك ويقول إنه لم يثبت.
واستقر الأمر للشريف عبد الله بن الحسين ولم يبد منه ما يدل على ظلمه وجوره ومما يذكر أنه جيء إليه بعد ولايته بأموال جزيلة جباها صاحب بيت المال من السيد أحمد بن علي طبيلة المتوفى وكان من أعيان جدة وكان يملك أموالاً وعقاراً ومراكب بحرية عديدة وقيل له إن هذا نصيب الإمارة من تركة المتوفى فرفض قبول الأموال وزجر حاملها إليه وتلا قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِم نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (5) (النساء: 10).
ولم تمضِِ الأيام حتى وافت أنباء جديدة بأن أحمد بن سعيد بن زيد، وقد تركناه يغادر مكة فراراً من المهاجمين قد اتصل ببعض العربان في وادي ليه وأنه هاجم الطائف فاحتلها في 24 منه فندب عبد الله بن الحسين بعض أقاربه من ذوي بركات على رأس حملة مشتركة من الأشراف والعربان وجنود أبي الذهب فلما علم أحمد بدنوهم هرب من الطائف إلى ثنية كرا (6) وحشد في طريقه من استطاع من عرب بني سعد وثقيف فعسكر بهم في عرفة فخرج جند عبد الله بن الحسين وعسكر أبي الذهب لملاقاته واحتدم القتال بين الفريقين واشتد عنفه ثم برز إلى الميدان جماعة من عسكر أبي الذهب منكسين أعلامهم وصاحوا بالشريف أحمد يظهرون انحيازهم له فخدع بهم وحازهم نحوه فاحتاطوا به وأسروه وبذلك تم النصر لعبد الله بن الحسين وأبي الذهب واستطاع الشريف أحمد بعد هذا أن ينطلق من أسره فتوجه إلى الليث وأقام بها.
وفي 20 جمادى الأولى عام 1184 ارتحل أبو الذهب في جنده إلى مصر بعد أن ترك بعض الجند للحماية في جدة بقيادة حسن أغا شبكة الذي جعله والياً في جدة.
وهكذا تبدلت الأمور وتوطنت الفرقة العسكرية التابعة لصاحب مصر في جدة بدلاً من الفرقة العثمانية وأصبح الأمير في مكة مديناً بولائه لصاحب مصر بعد خليفة العثمانيين.
ولم تفتّ الحوادث الماضية في عضد الشريف أحمد بن سعيد بن زيد فقد كان من أصحاب العزائم الماضية، فليس غريباً أن نراه وقد ارتحل أبو الذهب عن مكة يستأنف نشاطه لأخذ الثأر فيندب الشريف ثقبة ليستنفر له القبائل من ثقيف ومن والاها ويصل من ناحيته بقبائل الجنوب حتى يحشد منها عدداً طيباً ثم يتفق مع ثقبة على الاجتماع في عرفة بما حشدوا.
وقد نزلوا في عرفة في 21 جمادى الثانية 1184 ومنها زحفوا إلى مكة في فرقتين هاجمت إحداها أعلى مكة وزحفت الثانية من أسفلها فاحتدم القتال واشتدت وطأته نحو أربع ساعات ثم أسفر عن هزيمة عبد الله بن الحسين ومؤيديه من عسكر مصر (7) وبذلك فروا إلى وادي فاطمة بعد أن دام حكم الشريف عبد الله لمكة شهرين وثلاثة وعشرين يوماً.
أحمد بن سعيد بن زيد للمرة الثانية: وعلى أثر هذا دخل أحمد بن سعيد مكة ظافراً ونودي بإمارته فيها في 23 جمادى الثانية عام 1184 وأمر بأن يحرق دار الهناء ونزل آل بركات لاعتقاده أن عبد الله بن الحسين أمر بإحراق دار السعادة وقد أحرقت دار آل بركات ونهب الناس ما فيها (8) وزادوا فحرقوا كثيراً من دور المقربين من آل بركات وأتباعهم.
وفر العسكر المصري إلى وادي فاطمة ثم انتقلوا إلى جدة وتحصنوا فيها وراء المتاريس والمدافع فجرد الشريف أحمد سرية عسكرية فيها بعض القبائل فسارت في طريقها إلى جدة حتى عسكرت في ((غليل)) بالقرب من جدة ثم تواطأوا مع أهل جدة حتى مكنوهم من الهجوم عليها في الباب اليماني وبذلك استولوا عليها في آخر جمادى الآخرة 1184 وقتلوا بعض المتحصنين وفر البعض الباقي إلى ينبع من طريق البحر ثم غادروها إلى مصر على رأسهم الشريف عبد الله وقد أقام عبد الله في مصر ثم ارتحل إلى تركيا فمات فيها.
وباحتلالهم جدة هاجم المحتلون بيوت التجار ومخازنهم فنهبوها فأثر ذلك في تموين البلاد واشتد غلاء الأسعار وعمّ الكرب معظم البوادي حتى أكل بعض أهل البادية الهررة وشربوا الدم المسفوح من شدة الجوع ودام ذلك إلى نهاية عام 1184 ثم انقشعت الكروب في أوائل عام 1185 بورود الغلال من شتى الجهات وعادت العلاقة بين مكة والعثمانيين إلى سابق عهدها (9) .
وظل أمر أحمد بن سعيد على هذا إلى أواخر عام 1186 ثم ثار عليه ابن أخيه سرور بن مساعد بن سعيد بن زيد (10) .
ذكروا أن أحمد بن سعيد أراد أن يعزل وزيره في جدة يوسف قابل فكتب كتاباً بالعزل سلمه إلى أحد الأشراف وأمره بالذهاب إلى جدة للقبض على يوسف وغله بالسلاسل وكان سرور بن مساعد في المجلس فلما علم بذلك أصرّ على اغتنام الفرصة لفائدة نفسه.
وكان سرور إذ ذاك شاباً لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره وكان شديد الثقة بنفسه كثير الطموح وكانت له على سنه منزلة في بني قومه تمتاز بنفاذ الكلمة.
أصر سرور على اغتنام الفرصة فركب ناقة مسرعة وتوجه إلى جدة فوصلها قبل أن يصلها مندوبو العزل فنزل بدار يوسف قابل واتفق معه على أن يتصدى سرور لإعلان الثورة وأن يمونها يوسف قابل بأمواله.
ولما وصل المندوبون وجدوا سروراً عنده وقد تصدى لمنعهم عنه فطلبوا إليه أن يصحبهم ويوسف قابل لمقابلة الشريف أحمد فخرجوا جميعاً من جدة فلما كانوا في بعض الطريق عرج سرور ويوسف قابل إلى وادي فاطمة حيث اجتمع سرور بمن يليه من رجال البادية ثم أرسل يستدعي بعض القبائل من عتيبة فوافوه طائعين.
وعلم أحمد بالأمر فندب من يسوي الأمر بينه وبين ابن أخيه فأبى سرور إلاّ أن يجلي أحمد عن مكة فاستعد أحمد للدفاع.
واجتمع الثائرون في وادي فاطمة ثم انتقلوا إلى العابدية (11) ثم زحفوا إلى المنحنى بأعلى مكة حيث اشتبك مع عمه في قتال مرير لم يدم إلاّ ساعتين انهزم في نهايتها أحمد بن سعيد ففرّ إلى وادي نعمان (12) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :410  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 154 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.