شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فتنة أغوات المدينة
وفي عهد مبارك ثارت فتنة بين أغوات المدينة ورجال حاميتها من العسكر؛ ذلك أن رجلاً من توابع الأغوات أراد الانخراط في سلك الجندية فحيل بينه وبين ذلك فغضب لأجله أغوات المسجد وأغلظ بعضهم القول لرجال الحامية فثارت الفتنة وتحصن الأغوات بالمسجد فأراد قاضي المدينة أن يتوسط للصلح فامتنع الأغوات من الحضور إلى المجلس ولعلّهم خافوا ذلك فاعتبرهم القاضي عصاة للشرع وأمر بقتالهم في المسجد فقاتلوهم فيه وبذلك عطلت صلاة الجماعة ثم ما لبث الأغوات أن طلبوا الأمان فأبى رجال الحامية إلاّ بتقديم كبارهم إلى مكة ليرى الشريف مبارك رأي الشرع فيهم فقبلوا ذلك وتقدم من كبارهم خمسة أو ستة أشخاص اعتقلتهم الحامية وأرسلتهم إلى الشريف في مكة فثبتت إدانتهم لديه فكتب إلى الخليفة بذلك فجاءت الموافقة بعقوبة بعضهم ونفي الآخرين.
وأراد الأغوات أن يثأروا لأنفسهم فاتصل بعضهم بعاصمة الخلافة في تركيا وأقنعوا المسؤولين بأنهم كانوا مظلومين وأن أسباب الفتنة كانت سعاية أهل المدينة وعلى رأسهم عبد الكريم البرزنجي وكان من جملة علمائها فصدر الأمر بقتل المذكور وبعض المتهمين معه ففر البرزنجي إلى جدة.
المظلوم في جدة: وقبض حاكم جدة على عبد الكريم البرزنجي ونفذ فيه حكم الإعدام شنقاً ثم تركه مسجى في بعض الشوارع حتى توسط له بعض المقربين ودفنوه في الجهة التي تسمى اليوم باسمه ((حارة المظلوم)) نسبة إليه (1) .
يحيى بن بركات للمرة الثانية: واستقر أمر الشريف مبارك بن أحمد ابن زيد في مكة كما يبدو إلاّ أن دار الخلافة ما لبثت أن أثارت النزاع وأن الأمير المعزول يحيى بن بركات استطاع في عام 1134 أن يتصل بالخليفة في دار السلطنة ويرجوه تأييده فلم يستطع الخليفة أن يخيب ظنه فأمر بتعيينه في الإمارة متغافلاً عن وجود الأمير مبارك الذي يتولى حكمها بمرسوم صحيح.. تغافل عن كل هذا وأمر بأن تدعم أوامره الجديدة بقوة أمراء الحج الشامي والمصري العسكرية (2) وبذلك أثار الفتنة التي كانت نائمة وأباح الفرصة للمتقاتلين لتشتبك أسلحتهم في زحام الموسم أيام الحج.
وهكذا انتهى الأمير الجديد إلى مكة فوصلها في عسكر جرار في 6 ذي الحجة عام 1134 وقد قاومه مبارك ما استطاع إلى ذلك سبيلاً وفي مقاومته شيء من معاني الرفض لأوامر الخلافة هيأهم الخليفة لها.
وبذلك تم لآل بركات العودة إلى الإمارة في شخص يحيى بن بركات وهي الولاية الثانية له (3) .
بين ذوي زيد وذوي بركات: ولم يستقر الأمر ليحيى بن بركات لأننا لا نلبث أن نجد أن الأمير المهزوم مباركاً الزيدي يعتصم في أطراف الطائف بمكان يسمى جرجه (4) بين وادي ليه وبلاد ثمالة ولعلّ يحيى أراد أن يرهبه فعامل أتباعه من ذوي زيد بالعنف وأبعد كثيراً منهم وأراد أن يهدم قصر إمارتهم ((دار السعادة)) فلم يتهيأ له ذلك.
واستفاد مبارك من شدة يحيى وضمّ إليه في جرجة (5) جميع الأشراف المبعدين والهاربين واستعان بكثير من قبائل ثقيف وبجيلة وناصره وبني سعد واتخذ له حصناً شاهقاً كان لبعض بني ثقيف في جرجه وظل مقيماً فيه ينظم أموره للهجوم.
واستعان يحيى بعساكر الأتراك وحامية جدة وسار بهم نحو الحصن ففر أصحاب الحصن فعاد يحيى منصوراً واستأنف الشدة مع بقية المقيمين بمكة من ذوي زيد وبعض الأشراف من غيرهم وبعض الأهالي ممن آنس ميلهم إلى مبارك فاضطربت الأحوال في مكة واشتد الغلاء وكثرت حوادث السطو وفر من استطاع الفرار إلى نواحي الطائف، فشجعوا يحيى على المسير فاستأنف جميع القبائل وسار بهم إلى الطائف فاحتلها في شهر رمضان عام 1135 (6) .
وفي هذه الأثناء توسط بينهم بالصلح الشريف محسن بن عبد الله ((وهو جد الأشراف من ذوي عون العبادلة)) وحكم على يحيى بن بركات أن يدفع للأشراف من ذوي زيد غلة شهر كامل كترضية لقاء هدوئهم في الطائف فقبل الطرفان واستقر الحال بعض الاستقرار.
ثم ما لبث أن عاد الأمر إلى الاضطراب في أواخر عام 1135 فأشار بعض رجال الدولة التركية في موسم الحج على يحيى أن يتنازل عن الأمر لابنه بركات ويستقل بوظيفة مشيخة الحرم (7) .
بركات بن يحيى: فأعلن الأب تنازله في ذي الحجة عام 1135 (8) إلاّ أن ذلك لم يخفف من حدة الاضطرابات لأن الأشراف أدركوا أن التنازل أضاع عليهم استحقاقاتهم المنقطعة لدى يحيى كما أدركوا أن بركات يستمد آراءه في الحكم من أبيه لهذا ما عتموا أن أعلنوا سخطهم وانحاز الشريف محسن ((جد آل عون العبادلة)) إلى الساخطين وانضموا جميعاً إلى الشريف مبارك الزيدي كما انحاز إليهم أحد أمراء مكة السابقين عبد الله بن سعيد الزيدي في الطائف فسار بجموعه إلى مكة لاحتلالها فخرج إليه بركات ووالده في جموع غفيرة من عساكر الترك والتقى الجمعان في المنحنى بالقرب من المعابدة في 12 محرم عام 1136 وقد استبسل الأشراف وأوقعوا بالترك في مقتلة عظيمة لم يسمع بمثلها حتى امتلأت أعالي مكة بجثث القتلى منهم واستمر الهجوم عدة ساعات تم النصر فيها لذوي زيد فاحتل مكة مبارك بعد أن فر بركات إلى وادي مر ثم توجه ووالده إلى الشام حيث توفيا فيها (9) .
مبارك بن أحمد: وبذلك تمت الولاية لمبارك بن أحمد الزيدي للمرة الثالثة وقد احتفل بمراسمهم المعتادة وباستيلائه على الإمارة مكّن لذوي زيد فيها نحواً من خمسين سنة، واستقر أمره أيامه الأولى وهدأت الأحوال بعض الهدوء وأمنت الطرق بعض الأمن ثم ما لبث أن اختلف مع أحد بني عمومته من ذوي زيد عبد الله بن سعيد أحد أمراء مكة السابقين.. كما اختلف مع ((الشريف محسن آل عون العبدلي)) فعاد اضطراب الأمن وقد كتب الأول إلى الخليفة يعرض بمبارك ويذكر أنه أثخن في قتل الأتراك عند هجومه على مكة فعاد الجواب السلطاني بعزل مبارك عن الإمارة وتولية عبد الله بن سعيد الزيدي كما لو كانت الولاية رهن خطابات صادرة وأخرى واردة.
وحمل عبد الله بن سعيد خطاب توليته إلى قاضي مكة وطلب إليه تسجيله وإعلانه فتوقف القاضي ثم أذعن للواقع عندما شجعه على ذلك محسن جد آل عون (10) .
عبد الله بن سعيد بن سعد بن زيد: وهكذا نودي بالأمير الجديد في 15 جمادى الثانية عام 1136 وخرج في موكبه إلى سويقة فاتصل خبر ذلك بالأمير القديم فنشط في قصره للدفاع ولكن محسن العبدلي عرف كيف يؤكل الكتف لأنه استطاع أن يؤثر فيه ويقنعه بترك الإمارة بدون قتال فأودعه بيته وأهله ثم خرج إلى بركة ماجل في المسفلة في طريقه إلى الحسينية ومنها توجه إلى اليمن ولم يعد إلى مكة مرة أخرى ولم تدم ولايته هذه إلاّ خمسة أشهر (11) .
واستمر عبد الله بن سعيد بن زيد مدة طويلة قاسى في أوائلها بعض الشدة فقد أبطأ في صرف حقوق الأشراف بعد توليته بعدة شهور لقصر ذات اليد فاشتد لغطهم في مكة وطلبوا محاكمته لدى القاضي ثم تطور الأمر ونشب القتال بينه وبينهم في 25 ذي القعدة من السنة نفسها 1136 وتحصن جماعة من الأشراف في دار الرحمة المعروف لآل بركات واشتد إطلاق النار وامتنع الأتراك عن مساعدته ثم ساعدوه حتى انتصر على الثائرين ففروا إلى بئر ذي طوى وأقاموا فيه فخرج لترضيتهم فامتنعوا عليه ثم اجتمعوا بأمير الحج الشامي فتوسط للصلح بينهم واستطاع عبد الله بن سعيد أن يثبت له أن واردات مكة لا تكفي لمقررات الأشراف فأقترح أمير الحج الشامي إنقاصها وعقد بينهم اتفاقاً على ذلك.
وتعقب عبد الله بن سعيد بعد هذا بعض المناوئين الذين انضموا إلى فتنة الأشراف من الأهالي فاعتقل فاتح بيت الله الحرام محمد بن عبد المعطي الشيبي وألزمه بيته وفرض عليه غرامة كبيرة وولى منصبه أحد بني عمومته وفعل مثل ذلك في علامة عصره شيخ الحديث الشيخ سالم البصري وفي عالم آخر تركي (12) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1159  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 149 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج