شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المغربي يشرف على الإمارة
وغلب نفوذ الشيخ المغربي على جزء كبير في عهد بركات مما لم يعهده أشراف مكة قبله واستطاع أن يمضي أموراً كثيرة كانت لا تجد من يستطيع معارضتها رغم ما كانت تثيره من احتجاجات (1) .
ومما أمضاه المغربي أنه أخرج أصحاب الخلاوي من خلاويهم وأربطتهم وقد كانت موقوفة على آبائهم -وتوارثوا وقفيتها مع ما ربط لها من غلال واستبدل بهم غيرهم لأنه كان يرى أن هذه الخلاوي ما بنيت إلاّ لتؤوي المجاورين من طلبة العلم ممن ليس لهم بيوت يأوون إليها وأن غلالها ما ربطت إلاّ لتعول هذا النفر الذي ليس له عمل إلاّ طلب العلم وأنها إذا كانت قد آلت بتقادم السنين إلى ورثة لهم بيوت يسكنونها مع عائلاتهم ولهم طرق للكسب يستطيعون بها أن يستغنوا عن الخلاوي ومربوطاتها فإن من الحق أن تنتزع منهم لتوجه للمجاورين الفقراء يستفيدون منها. وهي فكرة أرى أنها لا تستحق الطعن ولكن الإنسان في كل زمان هو الإنسان.. فلا عجب أن يستاء أصحاب الخلاوي مما حدث ويعتبرون أعماله تقحماً على حقوقهم الموروثة وتهجماً على أبناء البلاد وتعزيزاً للغريب الطارىء ولا عجب أن نرى بعض مؤرخي مكة ينعتون أعماله بالتعسف والظلم.
ولم تقتصر أعمال الشيخ محمد بن سليمان على شأن الخلاوي فقد أخذ مدرسة الشرابية من الشيخ أحمد الحكيم بالرغم من الأوامر والمستندات التي تخوله حق السكنى فيها وأعطاها لبعض المجاورين ليسكنوها وأخرج إبراهيم بيري زاده من وقف الدروبي الكائن بأعلى المدعى من جهة سوق الليل ووجهه كما يبدو لبعض المجاورين كذلك.
لهذا اشتد استنكار المكيين لهذه الأعمال حتى قال شاعرهم ((المهتار)):
وظائف الناس قد صارت مفرقة
ما بين عبد ومعتوق وآفاقي
وأهل مكة قد غارت نجومهم
فما ترى كوكباً يبدو بآفاقي
وأنشأ الشيخ المغربي مزولة في المسجد لمعرفة أوقات النهار كما أنشأ تكية في المسعى وكانت تعرف إلى عهد قريب بتكية السيدة فاطمة (2) وصرف عليها أموالاً كثيرة وصارت فيها للفقراء ((دشيشة)) ينفق على صنعها من كراء أوقاف جقمق وقايتباي (3) .
ولا نشك في أنه كان يريد الإحسان بذلك إلى الفقراء والمجاورين، ولكني أرى أن في بناء التكايا ما يغري على الكسل ويساعد على اجتذاب فقراء الآفاق إلى هذا البلد الذي عانى ويعاني من مشاكلهم إلى اليوم ما يجل عنه الوصف.
وعمّر الشيخ محمد بن سليمان المغربي عدة أوقاف بمكة كانت قد خربت واستولت عليها بعض الأيدي، وليته استبدل بها مدرسة تحارب الأميّة وتنشر العلم ولا أجيز لنفسي أكثر مما تؤديه كلمة ((ليت)) لأن موضوع الأوقاف الخربة وما تؤدي إليه من نتائج له بحث أوسع من أن يوفيه قلمي وهو قبل هذا يخص أصحاب الاختصاص من رجال الدين أكثر مما يخصني.
ومنع الشيخ أصحاب الزوايا من ضرب الدفوف في ليالي المولد. وتخالجني كلمة ((ليت)) مرة أخرى وبودي أن أقول ليت الشيخ أقنع أصحاب الزوايا في لين ورفق بأن في ميدان الحياة من الأعمال المنتجة لعزّ الإسلام وسؤدد هذا البلد الحرام ما هو أجدى وأنفع من العمل المحدود في ظل الزوايا.
وبنى الشيخ المغربي بمكة رباطاً للفقراء يعرف ((في عهده)) برباط ابن سليمان عند باب إبراهيم يسكنه أهل اليمن.
وأدخل الشيخ بعض التعديلات على النظم القائمة يومها في مدرسة قايتباي فأضاف إليها جملة صالحة من مدرِّسي المذاهب واستبدل مدرس المذهب الحنبلي بآخر يدرس الحديث (4) وبنى مقبرة في المعلاة سميت مقبرة ابن سليمان وأعتقد أنها المقبرة الموجودة الآن وتسمى السليمانية.
وقام الشيخ بأعمال كثيرة يطول سردها وهي تدل بالإضافة إلى ما ذكر على مبلغ ما كان يتمتع به الشيخ من جرأة وما كان يملك من نفوذ.
ولسنا نشك في أن الشيخ المغربي كان يستمد جرأته من مصدر يؤيده في الآستانة وقد ذكروا أن الوزير الأعظم أحمد باشا الكبرلي كان يؤيد نفوذه ثم يقولون إن الخلل ما لبث أن تطرق إلى مركزه على أثر وفاة الوزير المذكور في استامبول، وأنه فقد نفوذه تماماً بعد ذلك لأن الوزير الجديد أصدر أوامره في عام 1086 برفع يد الشيخ عن كل ما يتعلق بأمور البلاد بعد أن تمتع بإشرافه عليها نحواً من ثلاث سنوات ثم ما لبث أن صدرت الأوامر بإبعاده من البلاد ولكن بعضهم تشفعوا فيه وطلبوا توجيهه إلى المدينة ثم تشفعوا فيه فسمح له بالإقامة في مكة على أن لا يتعرض لشؤون الحكم (5) .
ونعود بعد هذا الاستطراد إلى أمر الشريف بركات فقد تركناه يتولى أمر مكة في عام 1083 ورأيناه يسالم الشيخ محمد بن سليمان المغربي ولا يتعرض لأعماله وترتيباته ويقبل فكرة إشرافه التي لم يتعودها آباؤه بروح المسالم الضعيف، بل إنه يذهب إلى أكثر من هذا فيحضر حلقته بالمسجد ويستمع إلى دروسه.
والغريب أن هذا المسالم لا يلبث أن نجده في بعض المواطن قوياً كأقسى ما يكون الأقوياء، فقد خرج في عام 1084، 1085 على رأس جيش من الأشراف والعربان وبعض العساكر لقتال العصاة من قبيلة حرب، ولما نزل قرية بدر لم يبدأ القتال فوراً بل ظل يرابط فيها، وكلما اعتزم العمل عاود الصبر حتى صاروا لا يهتمون لحركته، فلما طال الأمر ورأى بعضهم يفترق عن بعض وثب عليهم وثبة جبارة فكسر جموعهم واستأصلهم وأقام في قتلهم ستة أيام قطع فيها دابرهم وأحرق نخيلهم وأقام حكمه في بلادهم، ولما انتهت الأخبار إلى مكة زينت أسواقها ثلاثة أيام ابتهاجاً بالنصر (6) .
وفي هذا العهد ورد مرسوم من السلطنة بتقسيم واردات مكة أربعة أقسام يختص بأحدها الشريف بركات وتوزع الثلاثة أرباع على الأشراف في مكة سهاماً متساوية. واستعان الشريف بركات بالخواجا عثمان بن زين العابدين حميدان الذي جعله وزيراً له (7) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :374  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 142 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج