شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
وباء الخيل
وفي هذه السنة وقع الفناء في الخيل بمكة حتى لم يبق فيها إلاّ فرس واحد جعلوه لركوب الأمير وركب بقية الأشراف الحمير (1) وفي 20 ذي الحجة من هذا العام 1043 اشتبك عبيد الأمير مع الحج المصري عند المتوضآت، (حنفيات الماء)، وقت الورود فنشب القتال بين الفريقين، واستعان المصريون بمدفع لهم وضعوه بجوار الماء وكاد القتال يتفاقم لولا أن الشريف زيداً حال دون ذلك بما بذل من جهد (2) .
منع حاج العجم: وفي عهد الأمير زيد صدر الأمر العثماني بمنع حاج العجم من الحج والزيارة، فوصل الخبر في موسم عام 1042 فأمر من ينادي في أسواق مكة لتبليغ حاج العجم ذلك وهم يبلغونه إخوانهم إذا رجعوا (3) . ولم تذكر تواريخ مكة التي اطلعت عليها سبباً ظاهراً لهذا المنع إلاّ أن حوادث التاريخ الإسلامي تفسره تماماً، فالمتتبع يعلم أن العجم كانوا قد هاجموا بغداد في عام 1033 وأجلوا العثمانيين عنها، وقد ظلت في حيازتهم إلى عام 1042 حيث أجلتهم عنها جيوش السلطان مراد، فليس من المستبعد أن يمنع العثمانيون العجم من الحج في أوقات كان الخلاف فيها على أشده معهم في بغداد.
الشيخ محجوب: ومن غرائب ما يذكر أن بشيراً أغا الطواشي من مماليك السلطان مراد حج في عام 1049 وكان يحمل تفويضاً من السلطان بعزل وتولية من يرى توليته وعزله في البلاد التي يمر بها، فلما انتهى إلى مصر خرج واليها للقائه في ظاهرها وقبل ركبته ومشى بين يديه إلى أن أذن له بالركوب فلما انتهى خبر ذلك إلى الشريف زيد في مكة عزّ عليه أن يمشي في ركاب الطواشي، فاستشار الشيخ عبد الرحمن المحجوب وكان من رجال العلم الصالحين فقال له أسأل الله أن يكفيك ذلك فاستجيبت دعوته لأن بشيراً أغا ما كاد يصل إلى مكة حتى سبقه إليها خبر وفاة السلطان مراد وبذلك بطل مفعول التفويض الذي يحمله.
ودخل بشير أغا فقابله مقابلة عادية وصافحه ثم ركض زيد بفرسه حتى تقدم عليه وعزَّاه في السلطان فتضاءل بشير أغا لأنه كان يظن أن خبر الوفاة مجهول في مكة (4) .
وفي عام 1060 أُثيرت بعض القلاقل ضد الأمير زيد كان مصدرها الشريف عبد العزيز بن إدريس الذي ترك مكة إلى ينبع فاراً عند احتلالها من الأمير زيد فقد أراد عبد العزيز أن يثأر لنفسه فاتصل بالوالي التركي في جدة غطاس بك وأغراه بمساعدته على احتلال مكة وتوليته عليها وقد كاد ينجح لأن غطاس بك سير جنده إلى مكة لقتال زيد ولكن زيداً كان أكثر يقظة مما ظنوا فقد علم بخروجهم فقابلهم بجيش من مقاتلته بالقرب من وادي فاطمة في جمادى الثانية عام 1060 فأعادهم بعد قتال شديد على أعقابهم وكان كريماً مع خصميه غطاس بك وعبد العزيز لأنه أطلقهما بعد أن وقعا في أسره وسيرهما مخفورين إلى جدة فأقاما بها مدة إلى أن استصدر أمراً بنفيهما إلى مصر (5) .
واستمر الأمير زيد في إمارته خمساً وثلاثين سنة وشهراً وبضعة أيام قضاها في توطيد ملكه وإحياء كثير من معالم العدل وكان مجلسه يغص برجال العلم كما كان يقابل في المواسم أعيان العلماء من الآفاق فيناقشهم ويبحث معهم في كثير من أبواب العلم واستطاع أن يقيم الحجة على العثمانيين في حقوق الإمارة في واردات جدة حتى أعيد إليه نصيبه منها بعد أن كانوا أضافوه إلى الخزانة التركية -كما تقدم بنا في عهد مسعود بن إدريس- وقد ذكر عبد الله العياشي في رحلته كثيراً من مناقب الشريف زيد ثم قال وقد ولى الحجاز من أطراف اليمن إلى أقصى نجد مما يلي البصرة ثم إلى خيبر مما يلي ناحية الشام، ثم قال وكان يعتقد اعتقاد أهل بيته من الزيدية ثم باينهم ورجع إلى معتقد أهل السنة وتمذهب بمذهب الإمام أبي حنيفة وكف أهل بيته عن كثير مما كانوا ينالون من أهل السنة ومنعهم من إظهار معتقداتهم.
ومرض الشريف زيد في أوائل المحرم عام 1077 ولم يمهله المرض إلاّ أياماً ثم توفي ورشح للإمارة بعده ابنه سعد باتفاق بعض الأعيان في مكة وساعده على هذا شيخ الحرم التركي إلاّ أن الأشراف من آل بركات كانوا على نقيض ذلك لأنهم كانوا يكرهون كما أسلفنا أن يمضي ذوو زيد في توارث الإمارة دونهم وشاركهم العبادلة في ذلك لأن جدهم عبد الله بن الحسن كان صاحب الحق المقرر قبل تنازله وقبل عودة زيد من اليمن ليشارك ابنه في الحكم.
وتصدى للمناوأة ابن لعبد الله بن الحسن اسمه حمود، فقد كان يرى أنه الوريث الشرعي للحكم وأن له من وجاهته ومقامه بين الأشراف ما يؤهله لذلك.
وانضم إلى هذا الرأي كثير من الأشراف فشعر حمود بأن في استطاعته إذا استند إلى قوتهم وما يملك من عبيد وأموال وظاهره سنجق جدة أن يقوم بالأمر ضد ذوي زيد وأن يعيد الحكم إلى بيته من آل بركات.
ومضى يومان أو نحو ذلك دون أن تنصب مكة أميراً واشتد الخلاف وأقسم ذوو زيد على الدفاع عن حقوقهم فرأى شيخ الحرم وبعض من يشايعه في مكة من المجاورين والأهالي أن يضعوا الأشراف أمام واقع فاجتمعوا في رواق المسجد الحرام وذهبوا إلى دار الشريف سعد بن زيد وأعلنوه أنهم اختاروه أميراً عليهم وأنهم سيكتبون إلى دار السلطنة العثمانية فقبل منهم ذلك.
واتصل بعض الأشراف بشيخ الحرم وقالوا له إن السيد حموداً كبيرنا ولا نقبل به بديلاً فلم يسمع لهم.
ولما شعر المناوئون من الأشراف بذلك استنفروا القبائل الموالية لهم شرقي مكة وفي الطائف وأرادوا إعلان الثورة وخرج بعض المتحمسين إلى المسعى يطلقون بنادقهم في الهواء إرهاباً ووجد المفسدون في أطراف مكة الفرصة سانحة للسلب فهاجموا بعض البيوت ونهبوا موجوداتها ونشط العابثون في البادية فقطعوا الطريق على المسافرين بين مكة وجدة والطائف وكادت الفتنة أن يشتعل أوارها بأشد ما يكون الاشتعال لولا أن تداركهم لطف الله بالمتوسطين من علماء مكة وبعض عقلائها من الأشراف الذين سعوا إلى الصلح بين الفريقين بعد أن قاست مكة من الاضطرابات والفوضى ما قاست نحواً من ثلاثة عشر يوماً. وانتهى الصلح بتنصيب سعد بن زيد وتخصيص جزء كبير من ريع البلاد للشريف حمود لقاء قبوله ذلك (6) .
سعد بن زيد: واحتفلت مكة بالصلح احتفالاً عظيماً وأقيمت معالم الزينة في أحيائها وحاراتها ومن ثم كتبوا إلى دار السلطنة بما جرى وانتظروا أن يوافيهم التأييد وطال انتظارهم فلم يصلهم شيء من ذلك.
وفي أثناء هذا الانتظار -وكان قد أهلَّ رجب من السنة نفسها 1077- تحرش بعض أتباع الفريقين بالبعض الآخر فوقع الاصطدام بين أنصار سعد بن زيد وأتباع حمود ويبدو أن النفوس كانت مطبقة على أهواء مكبوتة تنتظر من يثيرها فما كاد ينشب خلاف بسيط حتى اشتعلت الصدور بما تضمر وثارت الفتنة وبدأت الطلقات النارية يرتفع صداها بين مداخل الشعوب في البلدة واشترك العساكر النظاميون في هذه الفتنة وكثير من رجال القبائل، وظل الأمر على ذلك يومين حتى تدخل المصلحون وعالجوا الخلاف بين الفريقين بما أرضاهم بعد أن ذهب ضحية الحوادث أربعة قتلى وكثير من الجرحى والمصابين.
ووافى تأييد السلطان على أثر هذا فسرّ به ذوو زيد وجرت المراسيم المعتادة للتولية ولبس الشريف سعد ((خلعة)) الإمارة المهداة من دار السلطنة وأقيمت معالم الزينة في مكة سبعة أيام ووزع الأمير سعد على جنده ألفي دينار وخلع على كثير من أتباعه وحاشيته.
وأقبل الموسم من ذلك العام 1077 فأقبلت بإقباله بواعث الخلاف لأن الشريف سعداً تباطأ في تسديد الحصة التي يستحقها الشريف حمود واشتد الخلاف فخرج الشريف حمود إلى البادية مغاضباً في 23 ذي القعدة 1077 في جماعة من الأشراف وقد أقام بها حتى وافى أمير الحج المصري فاجتمع به حمود وأخبره بما كان من سعد في عدم الوفاء وقال له ((إننا لا ندع أحداً يحج حتى نأخذ ما هو لنا)) وكان قدره مائة ألف أشرفي فكفل له ذلك أمير الحج المصري ونقده خمسين ألفاً.
ولما عاد الحج من عرفات أراد أمير الحج المصري وبعض المصلحين أن يصلحوا بين المتخاصمين وعقدوا لذلك مجلساً فلم يتم بينهما اتفاق فخرج حمود مغاضباً إلى ينبع ولحقه بعض الأشراف.
وندب على أثر ذلك بعض ولده وجماعة من الأشراف للسفر إلى مصر ليعرضوا الأمر على ممثل العثمانيين فيها فلما كان الوفد في بعض الطريق صادفهم مندوب مقبل من مصر يحمل مقترحات للصلح وأخبرهم أنه سيقابل الشريف حموداً في ينبع فعاد في صحبته وبعضهم وبقي البعض الآخر في ((الحوراء)) (7) ينتظر النتيجة.
ويبدو أن المندوب لم يستطع تسوية الأمور لأننا نجد المتخلِّفين في الحوراء ظلوا 15يوماً ينتظرون ثم استأنفوا رحلتهم إلى مصر فقوبلوا بترحاب عظيم من والي العثمانيين فيها.
ثم ما لبثت أن راجت إشاعة في مصر بأن الشريف حموداً قتل مندوب مصر فاستاء والي مصر وقبض على ضيوفه واستفتى العلماء في قتلهم فلم يفتوه فأودعهم السجن كرهائن.
وفي أثناء هذه الحوادث كان عصيان الشريف حمود في ينبع قد تفاقم أمره وكثرت قلاقله وانضم إلى صفوفه عاصٍ جديد هو محمد بن زيد الذي اختلف مع أخيه سعد في مكة وغادرها مغاضباً لينضم إلى حمود في ينبع. وصدرت الأوامر العثمانية إلى صاحب مصر بإرسال حملة عسكرية إلى ينبع لتأديب العصاة بها فتوجهت الحملة وهي في نحو خمسمائة جندي إلى ينبع فقابلها العصاة في جمع من مقاتلة الأشراف وبعض المتطوعة من قبيلة جهينة وفتكوا بها فقتل منها نحو أربعمائة جندي وفرّ الباقون وقد أسر قائد الحملة ونساؤه وأولاده فأبقوهم في الأسر كرهائن مقابل أسراهم من الأشراف في مصر وذلك في رجب عام 1079 (8) .
ثم ما لبث أن تولى حكم مصر والٍ جديد من العثمانيين فأطلق سراح الأسرى من الأشراف، فقابله أنصار الشريف حمود بالمثل وأطلقوا أسراهم عنده.
وظل العصيان على حاله في ينبع إلى أن أعد الشريف سعد في مكة عدته لتأديبهم وقد وافتهم الأنباء فانتقلوا متوغلين في داخلية البلاد حتى انتهوا إلى شرقي الطائف وهناك عانى الشريف حمود كثيراً من مناوشة قبائل مطير وبني ظفر وبني حسين فرأى أن يختزل العصيان ويتقرب إلى ابن عمه فانحدر إلى الطائف وقابل الشريف سعداً مواجهة فرحب به سعد وقبل منه وتعاهدا معاً على الصفاء في جلسة عامة في مسجد ابن العباس وذلك في سنة 1079.
وبذلك تم الصلح بعد أن قاسى المتضادون كثيراً من أهوال الخلاف وعانت مكة من جرّاء ذلك شدائد لا حد لوصفها. فقد اضطرب سير القوافل بين البلاد واشتد غلاء الحاجيات وعز القوت في مكة وجدة والطائف وأكل الناس في هذه الأثناء لحوم الكلاب والهررة والميتة والعظام (9) .
وما كاد يستقر أمر الشريف بعد ذلك حتى تعصب ضده عسكره وكانوا من مرتزقة اليمن يتجندون للخدمة العسكرية في مكة فتأخر عنهم صرف رواتبهم فأعلنوا عصيانهم على الشريف سعد وانحازوا إلى جهة المعلاة واعتدى بعضهم على الباعة في الأسواق ينهبون ما تصل إليه أيديهم بالأسواق ثم خرجوا متجمهرين يريدون اليمن فندب الشريف سعد أحد إخوانه لإصلاح الأمر فأصلحه بعد أن وعدهم بإنجاز مرتباتهم وقد أنجزها وكان ذلك في ثالث ربيع الأول من عام 1080.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :375  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 140 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج