شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تحريم القهوة
وفي هذا العهد شاع شرب القهوة في مكة والذي أظنه أنه انتقل إليها من اليمن وقد حاربها علماء مكة حرباً شديداً وأفتى بعضهم بتحريمها وقال إنها خمرة مسكرة فصدر الأمر بجلد بائعها وشاربها وطابخها وشاريها فكان الناس يتعاطونها في أقبية بعض البيوت فإِذا هاجمهم المكلفون سحبوهم بالعنف إلى ساحة عامة وضربوا رؤوسهم بأوانيهم وكانت من الفخار حتى تدميهم وربما قضى بعضهم من هول الضرب وربما اكتفوا عن ذلك بجلدهم بالسوط ثم ما لبثوا أن تهاونوا في شأنها فكثر شيوعها وزاد انتشارها (1) وطغى صوت العامة على المتعسفين.
عبد الله بن حسن بن أبي نمي: وبوفاة مسعود اجتمع الأشراف واتفقوا على تولية ابن عمه ((عبد الله بن حسن بن أبي نمي)) وكان عبد الله رجلاً عظيماً صالحاً وكان من أكبر آل أبي نمي (2) وبه سمى (العبادلة) من الأشراف في مكة ومن ذرية العبادلة (آل عون) (3) .
ذكروا أنه امتنع عن قبول الولاية وتخلف عن جنازة ابن أخيه مسعود بسبب ذلك إلاّ أنهم ما لبثوا أن ألزموه بذلك حقناً للدماء ثم كتبوا إلى دار الخلافة في القسطنطينية فوافاهم التأييد (4) .
وشاع الأمن والسلام في البلاد على أثر توليته، وكان يرى في أكثر لياليه طائفاً بالبيت وفي أيامه تمت عمارة الكعبة التي كان السلطان مراد قد أمر بها وهي العمارة الماثلة اليوم (5) وسيأتي بيانها في الفصل الخاص بعمارة المسجد لهذا العهد.
محمد بن عبد الله: ولم يلبث عبد الله في إمارته إلاّ سنة واحدة ثم رأى أن يتنازل عنها لابنه محمد ليتفرغ لما هو في سبيله من العبادة والصلاة كما رأى أن يعينه بابن أخيه زيد بن محسن وكان محسن قد فرّ إلى اليمن ومات بها كما تقدم بنا وخلف ولده زيداً الذي بعث عبد الله يستدعيه إلى مكة ولما حضر أعلن تنازله عن الإمارة لابنه محمد على أن يشاركه الأمر زيد بن محسن وذلك في يوم الجمعة غرة صفر 1041 وقد كتب بذلك إلى دار الخلافة (6) .
ذوو بركات وعبد الله وزيد: وفي هذا العهد اعتبر أمراء مكة أن بيوتهم إلى ثلاثة أقسام هي: ذوو عبد الله أو العبادلة من أبناء عبد الله بن حسن بن أبي نمي، وذوو زيد وهم أبناء زيد بن محسن من أحفاد الحسن ابن أبي نمي، وذوو بركات أخو الحسن بن أبي نمي.
وقد ظلت الفروع الثلاثة تتداول الإمارة نحو ثلاثة قرون ونصف قرن حتى انتهى حكم الأشراف في مكة بإمارة الحسين بن علي وهو من العبادلة كما سيأتينا ذلك.
ونعود إلى الأمير محمد بن عبد الله، فقد استقام الأمر له ولشريكه زيد بن محسن على أثر تنازل عبد الله بن الحسن لهما عن الحكم ولم ينسيا للمتنازل فضله فقد أشركا اسمه في الدعاء على المنبر وظلا يستضيئان ببعض آرائه إلى أن توفي بعد أشهر من تنازله في بستان كان يقيم فيه بالمنحنى بعد المعابدة إلى طريق منى في جمادى الآخرة من السنة نفسها 1041 وفي هذه السنة ثار أهل الطائف على الأشراف وقتلوا راشد بن بركات بن أبي نمي فخرج الأمير زيد في جماعة من بني عمه وبعض المقاتلين فهاجموا الطائف وقاتلوا الثائرين وعادوا ظافرين (7) .
واستمر محمد وزيد على وفاق تام وكان قد وافاهما التأييد من السلطان العثماني ((مراد خان)) إلاّ أن ذلك لم يعجب البارزين من البيت القديم في الأشراف ورأوا أن في تقحم زيد بن محسن على الإمارة ما يشبه التطفل فبدأ زيد وشريكه يعانيان قلاقل جديدة ولما يمضيا في إمارتهما عاماً واحداً.
وحاول بعض الأشراف من قرابة محمد بن عبد الله الأدنين وبعض أخوته إقناعه بإبعاد زيد بن محسن عن شركته في الإمارة والاستعانة ببعض أخوته فأبى ذلك عليهم احتراماً لإرادة أبيه المتوفى فلم يجدوا بداً من مناصبته وشريكه العداء.
واقعة الجلالية: وتصدى لذلك أحد بني عمومته -ذوي بركات- وكان معروفاً بشجاعته وإقدامه وهو نامي بن عبد المطلب بن الحسن بن أبي نمي وكان قد غادر مكة مغاضباً لابن عمه ثم اتصل به أن جماعة من عسكر الأتراك تركوا بلاد اليمن فراراً من قائدهم قانصوه وأنهم نزلوا القنفذة فأسرع بالاتصال بهم واستطاع أن يقنعهم بمساعدته في الهجوم على مكة فساروا حتى نزلوا ((السعدية)) على كيلومترات من جنوب مكة (8) ثم أرسلوا إلى أصحاب مكة يخبرونهم بضرورة السماح لهم بدخول مكة فامتنعوا عن الموافقة فزحف الجند في طريقهم إلى مكة وخرج محمد وزيد في عسكرهما حتى تلاقى الجمعان عند ((قوز المكاسة)) قريباً من المسفلة فاشتبك القتال وتقدم الصفوف الشريف محمد فأبلى بلاءً شديداً حتى قتل.
وبقتله تراجع المدافعون واشتغل بعضهم بنقل جثمانه إلى مكة لدفنه فيها ونشط المهاجمون الأتراك وعلى رأسهم نامي فاستطاعوا أن يدخلوا مكة فاتحين وبذلك انتهت ولاية محمد بعد أن ظل فيها ستة أشهر و 25 يوماً. وبدخولهم فر زيد بن محسن إلى البادية ثم توجه إلى بدر ثم إلى المدينة فاستقر بها وسميت الواقعة واقعة الجلالية (9) .
نامي بن عبد المطلب: ونودي بالشريف نامي أميراً على مكة وندب للاشتراك معه في الحكم الشريف عبد العزيز بن إدريس وهو من بني عمومته على أن يشاركه في ريع الإمارة دون أن يشار إلى اسمه في الدعاء على المنبر وكان ذلك في 26 من شعبان من السنة نفسها 1041.
وقاست مكة في هذا الفتح من الكروب والويلات كثيراً ونهبت بيوت أعيانها وكبار المجاورين فيها واستمر القتل في دروب المسفلة وبعض أطراف الشبيكة ثم امتد إلى أجياد فالمسعى قبل أن ينادي منادي الأمان فيها. وما أن استقر الأمر للشريف نامي حتى كتب إلى دولار أغا شيخ الحرم ((سنجق جدة)) (10) أن يسلم البندر فامتنع من ذلك فجهز نامي فريقاً من عسكر الجلالية برئاسة شريكه عبد العزيز فساروا إلى جدة وحاصروها ثم دخلوها عنوة ونهبوا بعض بيوتها وكثيراً من متاجرها وقبضوا على دولار آغا فضربوه وأهانوه ثم نفوه من جدة.
وعاد عبد العزيز بعسكره الجلالية إلى مكة فتفرقوا بين بيوت الأشراف والأعيان وفرضوا إقامتهم عليهم وعاث بعضهم فساداً في الأسواق كما صادر الشريف نامي أموال بعض التجار (11) .
زيد بن محسن للمرة الثانية: ولم ينم الشريف زيد بن محسن عن ثأره فقد ندب من المدينة رجلاً من بني عمومته وهو علي بن هيزع فوصل إلى مصر واتصل برجال العثمانيين فيها وسلمهم رسالة زيد بتفصيل ما حدث ليرسلوها إلى الخليفة وما لبثت أن صدرت الأوامر بتجهيز بعض ((الصناجق)) على رأس ثلاثة آلاف جندي من الأتراك فتوجهت القوة إلى ينبع براً ثم أشفعوها بمركب بحري يقل خمسمائة جندي إلى ينبع وكتبوا إلى الشريف زيد في المدينة أن يتولى إدارة الحركة كما أرسلوا إليه الخلعة السلطانية.
وبدأ زيد خطوته فلبس الخلعة في الحجرة النبوية ثم خرج إلى ينبع حيث استقبل جيوش المقاتلين واستأنف السير بهم حتى نزلوا في وادي الجموم (12) .
واتصلت الأخبار بمكة فندب نامي فريقاً من خيالته وبعض الهجانة ليكشفوا له أخبار الجيش فأحاط المقاتلون في وادي الجموم ببعضهم وقتلوهم وفر الباقون بأخبارهم إلى مكة فحذروا نامي عاقبة القتال وهولوا عليه الأمر ففر في بعض رجاله إلى خارج مكة ثم تابع فراره إلى الشرق وتبعه عسكر الجلالية وقد انتهى بهم إلى تربة وتحصن معهم فيها كما فر شريكه عبد العزيز فيمن تبعه إلى ينبع.
وباتت مكة في ليلة 5 ذي الحجة من العام نفسه سنة 1041 تنتظر دخول القادمين من الجموم وتطوّع الشريف أحمد بن قتادة من أشراف المدينة آل المهنا -وكان مقيماً بمكة- بالسهر على حراسة البلاد وأمن الحجاج وأرسل رسله إلى الجموم ليخبروا الشريف زيداً بأن البلاد أصبحت خالية تنتظر قدومه.
وفي 6 ذي الحجة أقبل الشريف زيد في موكب حافل تتقدمه صناجق الأتراك حتى نزل في دار السعادة وأطلق مناديه ينادي بالأمان وأنه منذ اليوم هو حاكم البلاد (13) .
وقضى الحجاج مناسكهم في ذلك العام في هدوء بعد الفتنة التي عانوها وتكبدوا أهوالها ثم ما لبث الأمير زيد أن سيَّر جيشاً إلى تربة لمحاصرة الشريف نامي وقد نجح الجيش في أعماله واقتاد نامياً وأخاه أسيرين إلى مكة فزينت أسواقها بهذا الظفر وظلت معالم الزينة قائمة سبعة أيام. ووجد الأمير زيد من العلماء من أفتى بجواز قتل الأسيرين فأمر بشنقهما وتعليق جثتيهما في روشنين متقابلين بالمدعى وذلك في آخر محرم 1042.
وثقبت سواعد كور محمود وهو من أتباع نامي وطيف به في شوارع مكة على جمل ثم قتلوه وحرقوه وأذروا رماده في الهواء. وبذلك انتهى أمر نامي بعد أن حكم مكة مائة يوم (14) .
وبه استقر الأمر للشريف زيد ودانت له القبائل، وكان الشريف زيد يجمع بين القسوة واللين، وقد استفاد من المزج بين خلتيه، واستطاع أن يدوم في الحكم مدة طويلة، وفي عهده اطمأنت البلاد وفاضت مواسم الحج فيها بالخير فحاز تقدير الأهالي ومودتهم وخشيه الأشراف على اختلاف بيوتاتهم فلم يناوئه أحد منهم.
وغزا في عام 1043 فخذاً من قبيلة حرب اسمها صبح فاستطاع أن ينكل بهم ويعيدهم إلى طاعته (15) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :854  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 139 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.