شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشيخ المرشدي والقشاشي والبدوي
وكان من أهم ضحاياه مفتي مكة في عصره الشيخ (عبد الرحمن المرشدي) فقد أمر بسجنه وتعذيبه بأصفاد الحديد.
وقد ذكر أن من أهم أسباب عداوته للمرشدي أن الشريف (أحمد) خطب فتاة اسمها سلطانة بنت علي شهاب فلم يزوجوه وزوجوا غيره فلما حضر الشيخ المرشدي (1) في حفلة العقد قال في خطبته ((الحمد لله الذي أعز سلطانة!! وأدحض شيطانه!)) فأدرك الشريف أحمد أنه يعرض به.. وقيل إن الشريف أحمد لما استولى على دار السعادة وجد رقعة بخط الشيخ المرشدي ذكر فيها وجوب قتال أحمد لظلمه وبغيه وسواء صح هذا أم غيره فإن الذي لا نشك فيه أن الشيخ المرشدي كان من رجال الشريف محسن ضد أحمد وأن أحمد انتقم لنفسه في شخص الشيخ وأمثاله من أعوان الشريف محسن.
وظل أحمد يستدعي الشيخ المرشدي من سجنه في كل شهر للحضور إلى ديوانه مصفداً بالحديد نكاية به فقال له الشيخ في إحدى المرات:
لا تضع للعزيز قدراً وإن كنـ
ت.. مشاراً إليه بالتعظيم
فالعزيز الكريم ينقص قدراً
بالتعدي على العزيز الكريم
فاشتد غضب أحمد وحاول بعض جلسائه أن يعتذر للشيخ فقال أحمد هيهات أنه قصد ما قيل في بقية الأبيات:
ولع الخمر بالعقول رمـ
ـى الخمر بتنجيسها وبالتحريم
وبهذا جعل نفسه عقلاً وجعلني خمراً ثم أمر بإعادته إلى السجن.. وقد ظل فيه إلى أن ورد أمير الحج لقتال أحمد فأسرع أحمد للقضاء عليه في السجن خنقاً (2) .
واضطربت مكة لأحداث أحمد وعادت الفوضى بين رجال القبائل فاضطرب الأمن وانتهك عسكر أحمد حركات بيوت الأشراف واستباحوا دخول المسجد بنعالهم وسكر بعض العسكر فدخل المسجد وضرب الحجر الأسود فأريد تأديبه فمنع عنه أصحابه من العسكر (3) وأخشى أن يكون في بعض ما أنقله شيء من المبالغات التي تلوكها الشائعات المغرضة ثم تسجلها بعض الأقلام التي تعاصر تلك الأحداث ولا تتحرى ما تسجل.
وعلى العموم فقد ذكر أن أحمد لم يستثن من عقوبته حتى جلساءه وأخدانه فقد سجن أحمد القشاشي (4) ومحمد المقدسي خليفة السيد أحمد البدوي (5) وغيرهم من أصفيائه.
وانسل الشيخ جمال محمد باقشير وكان من علماء مكة ليلة خروجه من مكة إلى مهاجره فوجد الأمير أحمد عائداً في موكبه من العمرة محرماً فكتب رقعة وأعطاها لأحد المارة وكلفه أن يسلمها الأمير أحمد فلما تسلمها الأمير قرأ فيها على ضوء الشمع الذي كان يسير به بدل المشاعل:
تستحل الدما وتحرم بالعمرة
دعها وعن دما الناس أمسك
ما رأينا واللَّه أعجب حالاً
منك واها لفاتك متنسك
فسأل عن صاحب الرقعة فلم يقف له على أثر (6) واتصلت أخبار أحمد بالعثمانيين وجاءت أنباؤه إليهم صارخة فأوعزوا إلى أحد قوادهم ((قانصوه)) وكان متوجهاً إلى اليمن لمباشرة أعماله فيها أن يعرج في حملته على مكة ويحتال على القبض على الشريف أحمد وتولية ابن عمه الشريف مسعود بن إدريس.
فمضى قانصوه إلى مكة في عام 1039 وكان أوان الحج فأظهر أنه جاء لأداء الحج حتى إذا فرغ من مناسكه ظل مقيماً في مخيم عسكره ظاهر مكة استعداداً لاستئناف رحيله إلى اليمن فلما نفر الحاج من مكة أعلن الرحيل وأوعز في الوقت نفسه إلى رجل يتعاطى خدمته من أبناء الطواف اسمه محمد المياس أن يلفت نظر الأمير أحمد إلى ضرورة خروجه إلى المخيم لتوديعه فلما انتهى الأمير إلى المخيم ظاهر المسفلة أدخل من خيمة إلى أخرى مع أتباعه ثم ما لبثوا أن انفردوا به وقبضوا عليه وعلى أتباعه واتصل الخبر بعسكر أحمد فثار ثائرهم وتقدموا لقتال عسكر قانصوه فاشتبك السلاح بين الفريقين وعمت الفوضى داخل مكة وفي أطرافها ورأى قانصوه أن يحسم الأمر فأخرج للمقاتلين رأس أحمد مقطوعاً ثم ما لبثوا أن سمعوا منادياً بولاية الشريف مسعود بن إدريس فانحازوا إلى المنادين وقدموا طاعتهم (7) .
وفي هذه السنة 1039 أمطرت السماء مطراً غزيراً وسال وادي إبراهيم (8) سيلاً قليل المثال طفح به المسجد إلى طوق القناديل وغرق نحو ألف إنسان. وقد صحب نزول المطر ((برد بفتح الراء)) كثير كان بعضه مالحاً والبعض الآخر مراً وأُصيبت الكعبة من جراء ذلك بتصدع في جدارها اليماني والشامي إلى الباب (9) وقد أمر الخليفة العثماني مراد بإصلاحها كما سنشير إليه في الفصل الخاص بذلك..
مسعود بن إدريس: وهكذا تولى الأمر مسعود بن إدريس وكان مسالماً فعمّ الناس بحلمه وشملهم بطيبته ولعلّ مسالمته شجعت قانصوه على بعض الأعمال العنيفة في مكة فإنه ما كاد يستقر الأمر لمسعود حتى شرع قانصوه يعاقب بعض الأهالي ويصادر كثيراً من الأموال وأحسب أن مسعوداً لم يحاول منعه ولعلّه شعر أنه بحاجة إلى مسالمته وهو طارئ على الحكم الجديد وفي طبعه ميل إلى السلم وعمّ الغلاء البلاد في هذا العام وقلت الأرزاق واضطر الأهالي إلى أكل ((الدخن)) بدلاً من ((القمح)) وسموا ذلك العام عام -الدخن (10) .
عقد الركب: وأعقب ذلك الغلاء مرض عام غريب شاع فيه اعتقاد الركب فكان الرجل يخرج من بيته سليماً فيعاد إليه محمولاً معقود الركب لا يستطيع القيام عليها من غير داء يشكوه وكانوا يتخذون له شراب ماء الليم (11) مع السكّر بعد أن ينضجوه على النار في قشرته (12) .
وأمعن قانصوه في استغلال مسالمة مسعود فوضع يده على عموم الواردات في جدة وأضافها إلى الخزانة التركية بعد أن كان العثمانيون قد تركوا نصفها لصاحب مكة في عهد بركات.
وظلت الواردات على ذلك إلى أن انتقلت الإمارة إلى زيد بن محسن جد الأمراء ذوي زيد الذي استطاع أن يعيد الواردات إلى إمارة مكة كما سيأتي.
وارتحل قانصوه إلى اليمن وظل مسعود يدير أمره في هدوء المسالم ونصفة العادل وكان إلى جانب ذلك كريماً يقدر العلماء ويجيز الأدباء حتى اتفق الناس على الثناء عليه ولم يدم أمره إلاّ سنة واحدة أو أقل من ذلك فقد وافته منيته في 22 ربيع الثاني سنة 1040 في بستانه بالمعابدة.. وهو بستان كان معروفاً عند حوض أبي طالب ويسمونه بستان مسعود (13) ثم سماه الناس بستان العواجي لأنه آل إلى دخيل الله العواجي من آل زيد (14) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :534  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 138 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.