شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإصلاحات في عهد المماليك الأتراك والشراكسة
لم يبذل المماليك الأتراك الجهود التي بذلها مماليك الشراكسة بعدهم في سبيل الإصلاح ومع هذا فقد كانت لهم إصلاحات منها أنهم في عام 736 عمروا الأساطين التي حول المطاف وقد جعل بعضها من الحجارة المنحوتة الدقيقة والباقي آجراً مجصصاً وجعل بين كل أسطوانتين خشبة تعلق فيها القناديل عوض الأخشاب التي كانت تعلق فيها (1) .
وفي عام 749 عني الأمير فارس الدين من مماليك الأتراك بإصلاح المسجد وجدد الأعمدة حول المطاف (2) وفي سنة 720 عمر الناصر محمد بن قلاوون رخام الحجر ثم عمر من بعده المنصور علي بن الأشرف سنة 781 وصنع باباً للكعبة، وصنع ولده الناصر حسن باباً للكعبة سنة 871 (3) .
ووقف الصالح إسماعيل الناصر في عام 743 قرية من نواحي القاهرة يقال لها ((بيسوس)) (4) بجوار القليوبية وظل ينفق من غلتها على الكسوة وقد ذكر ابن بطوطة في رحلته إلى الحج سنة 728 أن الملك الناصر كان يتولى كسوتها وكانت سوداء مبطنة بالكتان.
وأنشأ الناصر بن قلاوون متوضأ مقابل باب علي.
وعني الشراكسة بالإصلاحات في مكة وفي المسجد فجدد برقوق في عام 801 عقد المروة وأصلح درجاتها وعمر في عام 842 ناظر الجيش الشركسي ومدير الحرم (سودون) كثيراً من المواضع المأثورة في منى ومزدلفة وعرفات وأزال أشجار الشوك والصخور الكبيرة من طريق عرفات لأن اللصوص كانوا يختفون وراءها (5) .
وكانت العين من نعمان إلى عرفات خربة انقطع ماؤها من عهد المماليك الأتراك فأصلحوا مجراها في عام 748 إلى أن عاد ماؤها يروي الحجيج (6) .
وأمر السلطان قايتباي بهدم المتوضأ الذي ذكرنا أن المماليك الأتراك أنشأوه أمام باب علي ثم بنى مكانه رباطاً للفقراء وأدخل في مساحة الرباط نحو ثلاثة أذرع من المسعى وعندما عارض قاضي مكة إضافة الأذرع تم إنفاذ البناء بقوة العسكر وأنشئ إلى جانب الرباط متوضأ صغير وجعل له باب يشرع على سوق الليل -القشاشية- كما أنشئ بجواره مطبخ تطبخ به الدشيشة وتوزع على الفقراء كما عمَّر قايتباي مسجد الخيف في منى ومسجد نمرة في عرفات (7) .
وفي عهد الشراكسة شبّت النار في رباط رامشت (8) بين باب إبراهيم وباب الوداع في شوال سنة 802 فاتصل لهبها بسقف المسجد ثم التهمت جميع الأروقة إلى باب الباسطية فندب الشراكسة أمير الحج المصري في عام 803 لإصلاح ما تهدم وقد احتاج العمل إلى تغيير بعض الأسطوانات الرخامية فنحتوا من الجبل المعروف بجبل الكعبة حجارة بشكل نصف دائرة أقاموا منها الأسطوانات الثخينة ثم زخرف المسجد بالألوان ونيطت السلاسل بالسقف لتعليق القناديل كما كانت في العهد العباسي وعمرت المقامات الأربعة على هيئاتها القديمة وتمت أعمال البناء في سنة 807 وذلك في عهد أبي السعادات ابن الظاهر برقوق ثاني ملوك الشراكسة (9) .
وشيدوا مقام الحنفي في عام 802 على أربع أساطين من حجارة عليها سقف مدهون مزخرف وقد أنكر ذلك -جماعة من العلماء وأفتوا بتعزير من أجاز بناءه كذلك، لشغله حيزاً كبيراً من المسجد (10) ولتمييزه- على ما أظن عن بقية مقامات الأئمة في المسجد إلاّ أن هذا الإنكار لم يغيره بل أضاف إليه كثيراً من الزخرف، فقد كشف الأمير سودون سقفه في عام 836 وعمره وزخرفه أحسن مما كان وفرش أرضه بالحجارة الحمراء وعقد فوق سقفه قبة وعني بعد ذلك بتحسينه عدة مرات (11) حتى كان عهد نفوذ العثمانيين الذين حسَّنوه أكثر مما كان وقد أزيل في أعمال التوسعة في عهدنا الحاضر.
وظل الأئمة في هذا العهد يصلون مرتين، كما كان الشأن في عهد الأيوبيين فيصلي الشافعي ثم المالكي والحنبلي معاً ثم الحنفي وفي بعض السنوات كان الحنفي يتقدم ثم المالكي (12) ويقول ابن بطوطة (13) أنه شهد المالكي والحنبلي يصليان بعد الشافعي معاً ثم يصلي الحنفي في آخرهم.
أما المغرب فيصلي الحنفي والشافعي في وقت واحد. وكانت قد رفعت شكوى من التشويش إلى الناصر فرج بن برقوق الشركسي فأمر بأن يصلي الشافعي بمفرده في المغرب وذلك عام 811 ثم لما تولى الملك المؤيد أمر بأن يصلي الأئمة في وقت واحد (14) .
ويذكر ابن بطوطة (15) قبة زمزم في هذا العهد وما يجاورها من القباب فيقول إن قبة زمزم مفروشة بالرخام وقد استدارت بداخل القبة سقاية سعتها شبر وعمقها مثل ذلك وارتفاعها عمّ الأرض نحو خمسة أشبار تملأ ماء للوضوء وحولها مصطبة دائرة يقعد الناس عليها للوضوء ثم وصف قبة العباس بما وصفها ابن جبير في عهد الأيوبيين وذكر الدوارق التي كان يبرد فيها الماء وقال وفيها تخزن الكتب والمصاحف ومنها مصحف بخط زيد بن ثابت نسخ سنة 18 من وفاة رسول الله وقد تبرك به كما فعل ابن جبير قبله ثم يقول وباب هذه القبة إلى جهة الشمال ويليها القبة المعروفة بقبة اليهودية (16) وقد عمر الشراكسة في القبتين في هذا العهد سنة 807 ولعلّهم أجروا بعض التغيير فيها لأن ابن ظهيرة وصفها بعد هذا العهد فقال إن قبة العباس مخصصة للشراب أما المحفوظات فكانت في القبة الأخرى ولم يذكر شيئاً عن مصحف زيد بن ثابت.
ونحن لا نستبعد أن يكون قد عبثت به الأيدي في إحدى الفتن الكثيرة التي منيت بها مكة.
أما القبتان فقد أزيلتا من أساسهما في عام 1310 كما سيأتي في حينه.
وفي هذا العهد عام 807 سد باب الخلوة إلى جانب زمزم والتي كان فيها مجلس ابن عباس وجعل في موضع الخلوة بركة مقبوة وفي جدرانها التي تلي باب الصفا ((بزابيز)) (17) من نحاس يتوضأ الناس منها على أحجار نصبت للجلوس وفوق البركة المقبوة خلوة فيها شباك إلى الكعبة وشباك إلى الصفا وطابق صغير إلى البركة.
وعمر الشراكسة حجر إسماعيل بالرخام وأرسلوا له كسوة من الحرير الأسود كسي به دائره من الداخل والخارج وكانت أول كسوة من نوعها لحجر إسماعيل وآخرها أيضاً (18) .
وأمر قانصوه في عام 917 بنقض جدار الحجر مرة أخرى وأرسل لإصلاحه رخاماً جديداً من مصر وأنشأ الشراكسة فوق مصلى إبراهيم قبة عام 881 وأرسلوا منبراً من الخشب في عام 815 وأرسلوا غيره عام 866 ثم غيره في عام 877.
وعنوا بكسوة الكعبة طوال مدة حكمهم في مصر وفي عام 810 أحدثوا في جانبها الشرقي جامات منقوشة بالحرير وفي سنة 819 جعلوا لبابها ستارة أجمل مما كانت وكانوا يكتبون في طرازها اسم صاحب مصر الشركسي (19) .
وكسا جقمق الجانب الشرقي والشمالي من الكعبة ديباجاً أبيض بخامات سود في عام 865 وكساها قايتباي من الداخل في عام 883 (20) ولا تكسى الكعبة من الداخل إلاّ إذا بليت كسوتها أو أراد أحد الخلفاء تجديدها (21) .
وفي عام 817 عمَّر الغوري في زيادة باب إبراهيم وبنى فوقه قصراً مرتفعاً مع مرافقه وجعل حول القصر من خارج المسجد معازل ومساكن وبنى خارج ذلك متوضأة تشتمل على مراحيض وبركة ماء ووقف القصر والمساكن على بعض أعمال الخير وبنى على يمين الداخل باب إبراهيم من الداخل حاصلاً في أرض المسجد وعلى اليسار مثله وقرر فيهما بعض المستحقين وجعل في الجانب اليماني حاصلاً يشتمل على سبيل ماء وصهريج كبير من ماء المطر من سطح المسجد.
وخربت المظلة القائمة فوق بئر زمزم في عام 818 فنقضت وبنيت مرة أخرى (22) ثم عمر الشراكسة كثيراً من الخرائب في أماكن متعددة من المسجد وعمروا باب النبي وعمروا ثمانية عقود جهة باب الزيادة ونقضوا منارة باب السلام ثم أعادوها في عام 816 كما نقضوا بعد ذلك منارة باب الزيادة ثم أعادوها في عام 823 وأصلحوا في سطح الكعبة وتراكمت في هذا العهد طبقات من التراب في المسجد فاستعان المسؤولون بالثيران لجرفه ثم نقلوه إلى المسفلة ثم بطح مكانه بطحاً مغربلاً نقلوه من ذي طوى ووادي الطندباوي (23) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :462  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 129 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.