شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحالة الاجتماعية في عهد الشراكسة
ويصف ابن بطوطة هذه القبائل فيقول: إنهم فصحاء الألسن صادقو النية يتطارحون على الكعبة داعين بأدعية تتصعد لرقتها القلوب ويتزاحمون عليها حتى يعجز غيرهم عن الطواف معهم ثم قال: وهم شجعان أنجاد ولباسهم الجلود وإذا وردوا مكة هلّت أعراب الطريق مقدمهم (1) أقول: وقد فقدت هذه القبائل من مزاياها اليوم ولعلّ ذلك يعود إلى كثرة اختلافهم على المدن واستيطانهم لها وامتهانهم فيها بعض الأعمال الصغيرة كالخدمة وما يشبهها وقد أفقدهم ذلك أخلاق القبيلة التي كانوا يعتزون بها كما أن بلادهم اختلطت بأجناس كثيرة من الدخلاء.
وأتى ابن بطوطة على وصف احتفالات الأهلين في مكة بشهر رمضان فذكر ما ذكرناه في عهد الأيوبيين عن ابن جبير من تفرق الأئمة في كل زاوية من المسجد لصلاة التراويح وقال أنهم يستقبلون رمضان بالطبول والدبادب ويجددون حصر المسجد ويكثرون فيه الشمع والمشاعل حتى يتلألأ نوراً وقال عن التسحير أن المؤذن الزمزمي يتولاه والمؤذنون في المنائر الأخرى يجيبون عليه وذكر قناديل المئذنة التي تطفأ إشارة بالإمساك كما ذكرها ابن جبير (2) .

نوع من المصابيح التي كانت شائعة في هذا العهد في بعض جهات المسجد وفي منازل بعض الكبراء

وذكر أصحاب الصناعة الذين اتخذوا مقاعدهم في بلاط المسجد المتصل بدار الندوة كالخياطين وبجانبهم المقرئين والنساخين كما ذكر ابن جبير قبله وأوردناه في العهد الأيوبي إلاّ أن ابن جبير ذكر بيع البضائع في المسجد من الدقيق إلى العقيق ولم يذكره ابن بطوطة (3) .
ويبدو أن مماليك الشراكسة كانوا ألصق بحياة مكة من أسيادهم مماليك الأتراك لأن حاميتهم التي استوطنت مكة اتصلت بالأهلين ولعلّ الأهلين تأثروا ببعض مظاهرهم الخلاّبة فقد كان جنود الشراكسة يميلون إلى الأبهة وكانت آثار الغنى تبدو واضحة عليهم في كل مكان يتركون أثرهم في البيئة التي تحيط بهم.
يقول القطبي أن طائفة من المقدمين في خدمة الشراكسة كانوا يشدون على أوساطهم شدوداً مصقولة ويسدلون أطرافها إلى أنصاف سوقهم (4) ونحن نرى اليوم صورة هذه الشدود في مكة لدى الأغوات في المسجد في شكل لا يبعد عن الأصل ولا أستبعد أن تكون هذه الشدود استعملت لدى الأعيان في مكة ثم تركت بتداول الأيام إلاّ من الأغوات الذين احتفظوا برسمها بل أقدر أن مناطق العلماء التي كانوا يشدونها في أوساطهم تحت الجبة إلى عهد قريب لا تزيد عن صورة ملطفة من شدود الشراكسة.
وفي عهد المماليك تحسنت أحوال البلاد مادياً إذا استثنينا أيام الفتن وفاض الغنى في عهد الشراكسة ونمت الثروات نتيجة لوفرة النقد لدى الشراكسة وحبهم للجود والبذخ شأن أكثر الذين أثروا بعد فقر فكان المتصلون برؤساء العسكر في مكة ينالون من خيراتهم شيئاً كثيراً.

جندي شركسي ويظهر أنه من الفرسان

وفي هذا العهد زادت المراسيم في قصور الأمراء في مكة عن مثلها في العهد الفاطمي والأيوبي. وأن من يقرأ وصف الاحتفالات التي كانت تتبع في استقبالاتهم يدرك مبلغ الأبهة التي انتهوا إليها في مراسمهم.
ذكر القطبي في الأعلام أن الأمراء كانوا إذا قدم أحدهم من سفر دخل مكة لتأدية النسك ليلاً ثم عاد إلى الزاهر للمبيت فإذا أصبح الصبح شرعت مراسيم الاحتفالات العظيمة فيمضي موكبه إلى المسجد الحرام حيث يستقبله علية القوم وخدم المسجد وإذا شرع في الطواف قام أحد المؤذنين على قبة زمزم ((المقام الشافعي)) ينشد له بعض الأدعية ويستمر في إنشاده حتى يفرغ من طوافه فإذا فرغ وأدى ركعتي الطواف وقف في موكبه في ظل زمزم متوجهاً إلى الكعبة وارتفع صوت من يقرأ مرسوم الولاية -إذا كان قدومه لتولي منصبها- بين حشد الحاضرين ثم يأخذ الموكب طريقه إلى الصفا حيث يمتطي الأمير فرسه أو عربته ماراً بأهم شوارع البلدة ((ولعلّه يستعرضها أو يعلن ولايته بمروره فيها)) ثم ينتهي بعد ذلك إلى قصره ليستقبل وفود المهنئين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :485  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 127 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج