شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حسن بن عجلان
وفي هذه الأثناء وبين غمار هذه الفوضى لمع اسم جديد في مكة هو حسن بن عجلان الذي كان من أشد أخوته حزماً وإيماناً بنفسه، ولعلّه لم يكن من أبناء عجلان مثله في قوة الشكيمة والقدرة على ضبط الأمور وقد عده أصحاب التراجم من العلماء وأصحاب الفضل (1) .
والذي يبدو من ثنايا ما كتبه المؤرخون أن حسناً كان غير راضٍ عن الفوضى في عهد أخيه وأنه توجه إلى مصر في عهد حكم أخيه علي قبل قتله بعام واحد فدس علي عليه لدى الشراكسة فاعتقلوه ظناً منهم أنهم بذلك يساعدون علياً على وجود الطمأنينة في مكة لكن الأمر لم يلبث أن بدا على عكس ما يظنون فإن الثورة ما لبثت أن اشتد أوارها حتى انتهت بقتل علي وقيام أخيه محمد بعده، ولعلّ الشراكسة انتظروا بضعة أشهر ليروا تأثير حكم محمد في تهدئة الأحوال، فلما خاب فألهم عادوا يفكرون في أسيرهم حسن وعند ذلك أطلقوا سراحه وكتبوا مرسوماً بولايته على مكة فشد رحاله إلى مكة وتسلم زمامها من أخيه في 24 من ربيع الآخرة سنة 809 بدون قتال (2) .
وقد استطاع ضبط أحوال البلاد وحسم أسباب الفساد فيها ونظر إلى الفوضويين من أبناء عمومته من الأشراف نظرة قوية حازمة أراد بها أن يمهد للموسم الجديد تمهيداً طيباً ليعود الهدوء إلى البلاد قبل حلول الموسم فأعد لهم حملة تأديبية قاسية صبَّحهم بها في مكان بواد فاطمة كان يقال له الزبارة وذلك في 5 شوال من السنة نفسها وقد نجحت الحملة نجاحاً راح ضحيته نحو أربعين شخصاً (3) من الأشراف وانتهى بالهدوء والاستقرار واستطاع التجار الفارون بأموالهم من الفوضى أن يعودوا إلى متاجرهم في مكة.
وفي هذا العهد أهدى بعض ملوك الإسلام إلى المسجد الحرام شيئاً من الخيام وطلبوا إقامتها في صحن المسجد ليستظل بها المصلون من الشمس يوم الجمعة قريباً من الخطيب وقد قبلها حسن وأقامها منصوبة في المسجد إلاّ أن المصلين كانوا يتعثرون في أطنابها فما لبث أن أبطلها (4) .
وفي هذا العهد مات أمير المدينة ثابت بن نصير (5) فأرسل حسن إلى أحد أخوة المتوفى واسمه عجلان بن نصير يستدعيه إلى مكة فلما حضر فوّض إليه أمر المدينة وقبل أن يغادر مكة وافت الأنباء بأن جمنازاً بن هبة ثار بالمدينة واستولى على ستارة باب الحجرة النبوية وعلى مخازن المسجد بما فيها من هدايا نفيسة وأموال عظيمة ولعلّه أراد أن يمون ثورته بها.
ولست أعجب لشيء عجبي لمن يهدي إلى المساجد نفائس غالية لتربط باسمه في مخازنها في وقت يكون المسلمون فيه أحوج إلى أثمان هذه النفائس لتنفق في إصلاح مرافق البلاد وإنشاء المشاريع وتعميم التعليم.
وقد سير الشريف حسن ابنه أحمد في جيش بلغت عدته مائتين وستين ما بين فارس وراجل واثنين وعشرين مملوكاً كما سير عجلان بن نصير الذي أمّره على المدينة في جيش آخر لإخضاع الثورة وقد نجح الجيشان في طرد الثوار وإقرار الأمن في المدينة لعجلان بن نصير وذلك في عام 811 (6) .
وفي عام 812 منع صاحب اليمن تصدير الأرزاق إلى مكة لاستيائه من حسن بن عجلان. ويورد الغازي (7) سبب الاستياء فيذكر قصة غريبة خلاصتها أن صاحب اليمن كان قد طلب إلى حسن بن عجلان نظم بيت من الشعر في موضوع اقترحه فأرسل إليه بذلك فلما لم يهده مقابله شيئاً عمد إلى العفيف عبد الله الهبي -ولعلّه كان وكيلاً لليمن في مكة- فأخذ منه خمسة آلاف مثقال من الذهب فغضب صاحب اليمن ومنع تصدير الأرزاق إلى مكة فشق ذلك على الشريف حسن ووجد من يغريه بغزو اليمن ويعده بجمع الرجال لمساعدته فاستعد لذلك ثم ما لبث أن أشار عليه بعضهم بانتداب السبكي إلى اليمن لتسوية الأمور فانتدبه وبذلك سويت الأمور وعادت إلى مجراها الطبيعي أو ما يقرب منه.
وفي هذه السنة (812) وشى بحسن بن عجلان عند الناصر فرج بن الظاهر برقوق صاحب مصر بوشايات ذكر فيها أن حسناً انحرف عن علاقته بالناصر، فأصر الناصر عزله عن مكة وأوعز إلى أمير الحج بأن يعد عدته من السلاح والجيش والمدافع -ولعلّها أول مرة وصلت إلى الحجاز مدافع- وأن يعلن أن الغرض من حركته هو اليمن وقد فعل، ولكن الشريف حسناً لم يخف عليه الأمر وقرر الدفاع عن إمارته فاستنفر القبائل العربية والأشراف حتى اجتمع له منهم في الطائف، ولية، وجبل الحجاز (8) أربعة آلاف واجتمع له في مكة ألفان كما اجتمع له نحو ستمائة فرس.
وبينما كان قائد الجيش المصري في طريقه إلى مكة أرسل الشريف حسن يبلغه: ((إني على استعداد لملاقاتك ولكني أرى أن تحرص ألاّ يصيب الحجاج شيء فإما أن تتقدمهم أو تتأخر عنهم)) (9) .
وقبل أن تبارح الرسالة مكة وافى رسول مستعجل من الملك الناصر يعلن عدوله عن الحركة وتأييده من جديد لإمارة الشريف الحسن.. وكان رسول السلام هو فيروز ساقي الملك الناصر وقد جاء يصحب معه الخلع والهدايا وبذلك عادت الطمأنينة إلى مكة وظل الشريف حسن على إمارته فيها.
وطلب رسول السلام إلى الشريف حسن أن لا يتعرّض لجيش مصر فقبل بشرط أن يسلم الجيش سلاحه وآلة حربه في رباط ربيع بأجياد فوافق أمير الحج بعد تمنع وظل السلاح محجوزاً حتى تسلموه بعد قضاء الحج وبذلك استقر الأمر ودخل أمير الحج مكة آمناً وزار الشريف حسناً في داره بأجياد ومع هذا فقد صادف بعض الخوف في عرفات ومنى لعدم اطمئنانهم لما انتهى إليه الوفاق.
ويقول تقي الدين الفاسي أنه كان بين حجاج هذا العام وأن أمير الحج الشركسي لم يثبت عنده يوم الوقوف فدفع بجيشه بعد الغروب من عرفة ثم عاد إليها ليستأنف الوقوف في اليوم الثاني فظن أهل مكة أنها خدعة الحرب فحدث الاشتباك واضطرب حبل الأمن وكادت الفتنة أن تقع لولا أن تداركها عقلاء الطرفين (10) .
ويذكر القطبي في حوادث سنة 815 أن هذا العام كان شديد الجدب على الناس وقد بيعت الغرارة من الحنطة بعشرين ديناراً ذهباً كما بيعت البطيخة بدينار من الذهب.
وفي هذا العهد قطع الحج العراقي فلم يصل ركبه إلى مكة ولا محمله وظل ذلك نحو سبع سنوات وذلك بسبب ما أثير من الفتن في العراق فقد ثار فيها ابن يوسف التركماني فقتل صاحب العراق واستولى على حكمها (11) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :370  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 103 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج