شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-9-
إن فن الضحك ينقصكم.
ونحن جماعة المجانين أسعد حالاً منكم معاشر العقلاء؛ لأن الضحك لا يعجزنا في أي لحظة ننزع فيها إلى الضحك أو نشعر بحاجتنا إليه.
وإنني رغم ما يبدو على قسماتي من تجهُّم، لا أتكلّف كثيراً إذا نزعت نفسي إلى الضحك.. إنه يطاوعني في أي لحظة أخلو فيها إلى نفسي.. فأطلق العنان فيها لتخيّلاتي وأتركها تلون الحياة أمامي في صور شتى تشيع السرور في نفسي، وتثير في جنباتها الضحك الذي يملأ رئتي بالهواء، ويسوق الدماء في شراييني نشيطاً ليؤدي دورتين كاملتين مكان الدورة الواحدة.
فهل يملك العقلاء منكم مثل هذه المَلَكَة في اصطناع الضحك إذا عزّت أسبابه عليهم؟ وهل يرضون أن يغذوا في التخيلات والأوهام التي نغذ فيها ليهيئوا لأنفسهم من ألوان الضحك ما نهيئ؟
إنهم لا يرضون هذا، لأنهم عقلاء، والمجانين وحدهم هم الذين يرضون أن يضحكوا لأسباب متخيّلة موهومة.
لا بد لكم من الضحك.. والضحك الجدي الذي تجدون أسبابه مهيأة قابلة للضحك.
لا بد لكم من الضحك، لأن سأم الحياة وضجرها يدعوان إلى الملل، ويسيئان إلى دورة الحركة الدموية في الجسم.
لا بد لكم من الضحك، لأن العيش الرتيب الذي تنتظمه وتيرة واحدة لا تتجدد ألوانها، ولا تتغير مناظرها! شيء يدعو إلى الركود، ويبعث على السأم ويعوّد الخمول.
لا بد لكم أن تضحكوا لألعاب غريبة أو مشاهد مضحكة أو مفارقات مثيرة.
لا بد لكم أن تضحكوا.. ولو ملك مجنون مثلي إصدار الأوامر لفرض الجنون يوماً واحداً على جميع البلاد، وأباح لسائر العقلاء منكم -إذا كان لديكم عقلاء- أن يلبسوا طراطير من جلود الحيوان، وألا يستروا أجسامهم بغير أوراق الحناء وأن يحملوا على أكتافهم عرائس الخشب بعد أن يفتنوا في زينتها ويبالغوا في إعدادها للضحك.. والضحك المثير العالي.
لا بد لكم من الضحك، وقد سبقكم إلى هذا طوائف الضاحكين في عيد الماء، في الهند فهم يتراشقون به في ساحات المدن دون أن يستثنوا كبيراً له مقامه المرموق، أو وجيهاً له سمته الوقور يحتالون بذلك على إثارة الضحك وإشاعته بين عموم الأوساط.
وسبقكم إلى هذا أمم لها مكانتها، يحتفي بعضها بلعب (البالونات) في عبث يزيد عن عبث الأطفال، ويتفنن غيرها في إجادة أنواع من التنكر يخفي أشخاصها، ويثير فيها ألواناً من المفارقات، يحتالون بذلك للضحك والضحك المثير.
ماذا يمنعكم أن تضحكوا ما دام الضحك ضرورة لازمة لسروركم، ووسيلة نافعة لاستنارة نشاطكم؟؟
اضحكوا ما وسعكم الضحك، وهيئوا لأنفسكم من أسبابه ما وسعتكم التهيئة، وإذا عجزتم فلا أقل من أن تبيحوا لخيالكم ألواناً من الأوهام تثير فيكم الضحك الذي نتمتع به نحن معاشر المجانين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :375  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 42 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الثاني: أديباً شاعراً وناثراً: 1997]

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج