شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الرسالة الحادية والعشرون
ـ ((أماه.. ليتك لم تغيبي خلف سور من
حجار لا باب فيه لكي أدق.. ولا نوافذ
في الجدار
كيف انطلقت على طريق.. لا يعود
السائرون))؟!
ـ سيدتي:
في عيني تلمع سخرية الحقيقة.. وأنا أرفع شعار: الرزانة!!
في سمعي.. تنغرز كلمات من الحراب الخشبية، وأنا أضحك، وأغني مع صوت جديد.. تخرج نبرته من: الحزن، والحب، مردداً:
ـ ((أنا مطحون.. والدنيا دي رحاية))!
ومع ذلك... حاولت أن أجمع لحظات فرحي، وأضعها داخل ((مرجيحة)) وأهدهدها، وأغني لك: حبيبتي!
وجدت تلك القدرة التي تجعلك - كإنسان - تنجح في جمع كل أشيائك النفسية، وأفكارك المؤقتة و ((المزمنة)) معاً، ومشكلاتك الساخنة والباردة.. وتضع كل ذلك فوق أو داخل ((مرجيحة))، وتقف لتمرجحها وأنت تبتسم، أو تقهقه بجنون!
وجدت أنني بذلك.. قد أعود طفلاً، أتطوّح في الهواء، ولا أخاف من السقوط!
وبعض الناس يشبهون ((المرجيحة)).. يطوحون بك وبأنفسهم، ثم تغيب الشمس، وتغيب معها الصورة التذكارية!!
أعذريني - يا طفلة قلبي - الكبيرة.
بعيداً عنك.. تراكمت أنا أمام الأشياء الباردة!
حاولت أن أتأمل.. لعلّني أستريح قليلاً!
ولكني اكتشفت.. أن حكاية الشوق والحزن ما زالت تطوف في دنيا الناس.. كأنها وعد الإنسان الراحل دوماً إلى الغربة.. حتى وإن لم يتغرّب، أو يسافر!
صرخت: آه لهذا الصمت الملتمّ فوق الأصداف.. يرعف هوى!
صرت أصرخ... منادياً على ((اللحظات القليلة)) التي لا يمكن أن تنتهي، ونطعنها من أجل أسباب كثيرة!!
في الحب.. نحن نخضع كل أسبابنا لتلك ((اللحظات القليلة))... فالذي نأخذه ونعطيه، هو لحظتنا الصادقة.. تلك التي تشعلنا حياة، وتضيئنا حساً، وتدعنا نفيض كشلال نقي غامر!
صرت أصرخ منادياً... فما أتعس أن يرتدّ النداء بلا صدى!
ملأت صوتي إنشاداً.. وخرجت إلى الحقول، أغني للشوك وللنوى، وللنهار.
قلت لطيفك: بعض الأشياء.. لا يوجد أكثر من مرة واحدة في حياتنا!
* * *
لست أدري - يا سيدتي - حين تأملت طيفك في هذه الوحدة.. كيف خطرت ((أمي)) أمامي.. كأنني أسترجع طفولة عمري يوم حُرمت منها، وأسترجع طفولة حبي يوم حرمني البعاد منك!
شعرت الآن.. أن طفولتي شاخت!
أن عاصفة مجنونة.. طوّحت بهذا ((الجندول)) الذي حملني بكل العمر إليك!
تساءلت: كيف يمكن لنا أن نعود الآن إلى طريق.. كثرت فيه حوادث مرور الأيام؟!!
كيف نقدر أن نترك الضفاف، والحقول التي زرعناها بابتساماتنا.. وقد وجدنا في بهائها أصدق لحظات العمر؟!
هاأنذا.. أتكئ على شيخوخة طفولة العمر.. أخاف على طفولة الحب من الشيخوخة!
هاأنذا.. يحملني الزمان، وأخاف أن لا أقدر على حمله!
حبة رمل أنا... تحولت فوق وقفتي أمام بوابة الانتظار لإيابك!
أدعو الشمس الدافئة أن ترحل إليك، لتدفئ شتاءك الذي يمطرني ثلجاً من الوحدة.
شتاء وحدتي طويل.. ينادي ربيعك البعيد!
فهل رآك الزمان.. وأنت تخطّين على صدري، وترسمين فوق كفي: حروف اللقاء/الانتظار؟!
هل يراك الزمان القادم.. تزرعين أرض أعماقي من جديد: ربيعاً من ضحكتك في غابة أحزاني؟!
لا أملك الآن إلا أن أشكوك إلى خفقة قلبك... فهل تسمعني خفقة القلب؟!
* * *
يا طفلة قلبي/الكبيرة:
أيتها المغيّبة في الفراق، والقسوة، والأصداء!
أيتها المضيئة دوماً في الحنين، والشوق، والعهد..
يتلفت دمعي إلى سرك.. فأجدك.
تغوص آهتي في صدري.. لتخلد ((الآهة)) بذكراك، وفي انتظار إيابك.. طالما بقي نبضي يتواصل!
((آه))... أناديك بها وحيداً.. من داخل زحام البشر البشع، والتافه.
أنا - بعدك - أبقى هذا الصوت المكسور بمساحة أيامك.. بمسافة أشواقي إليك!
((آه))... أصونك بها حياة، لكل النبض في صدري!
وأحمل دموعي إلى طفولتك التي كانت لحظاتي، وكانت طفولة حبي.
وأنتمي إلى حزني.. في كل لحظة أفقد فيها نضجك وإنسانيتك.. فإن حزني هو حرية جراحي!!
نقشت ضحكتك الصافية تلك التي أحببتها.. فحفرتها بين ضلوعي.
وبقيت أصداء ضحكتك ترن في أمسياتي.. فيفيض الشجن على حفافي الليل الباهت بدونك.
هذا الليل الذي ((اغتنى)) بمعطيات وجدانك لي.. وبعد رحيلك بتّ فقيراً إلى الحنان، وإلى الاحتواء الدافئ.. إلى الجدول، وحتى إلى الخصام الذي يشعل المزيد من براكين الحب في صدري لك!
فرحي غادر عالمي.. عندما غادرت المكان الذي ضم أول غرسة حب لنا.
ضحكتي... تشردت في المتاه.
أيامي... أصبحت عبوراً إلى اليوم الذي نلتقي فيه من جديد!
أريد أن أطمئن عليك.. وأحزن حين تقولين لي:
ـ لا أريد منك شفقة!!
اندهش حين تعنونين الحب.. بالشفقة!؟
فكيف هو الحب؟!
أليس هو الخوف على من نحبهم؟!
الشفقة تكون بين اثنين غريبين. وأنت وأنا هذا الشخص الواحد.
المسافة التي بيني وبينك.. هي: كلمة صادقة!
البعض يقول كلمة طويلة، طويلة.. لكنها لا تؤكد إلا ((اللحظة)) فقط.
والبعض الآخر.. يقول كلمة قصيرة، تخلو من التأكيد، ولكن نبرة الصدق فيها.. تحيلها إلى جزء يلتحم بأعماق النفس، وإلى زمن يواكب كل العمر!
والفرق بين الكلمة الطويلة، والكلمة القصيرة.. يتجسد في الإحساس بمعناها.. وفي الوفاء بكل ما تحمله، وما تلده!
* * *
وحين مرّ عام ((عمري)) الأول في حبك.. تلفتُّ عاشقاً، وممحَّضاً فيك!
فإذا نبضي نهر، ودمعتي جوهرة، وخفقتي ولاء!
حدقت في البعيد.. فإذا رؤياي ترمز، ولا تشير مباشرة!
ناديت ((العمر)) في زحام الخفقات، قائلاً:
ـ يا كل العمر... ليت الطرقات لا تتفرع إلى عدة دروب!
لنذهب إلى المنتهى... حيث القرار، والوصول، والمرفأ الواحد!
حيث التصاعد - بعد عام آخر - إلى تمجيد الذاكرة!!
وتساءلت - ثانية - بهمس جوانحي:
ـ هل كان هذا العمر: حلماً.. وسنفيق منه، أم تراه واقعاً وسنحفظه؟!
من يحكي ((الأحلام))... كأنها وقائع؟!
إن أشياءنا الغالية كالأحلام.. تأتي بلا موعد، ولا انتظار.
إنها تنغل في شراييننا كالفرح.. كالحريق. وتختفي بلا توقيت، وبلا انتهاء.. كمن يسري في أضلاعه كلها ضوء!
إن مقدار مسافة الهناء التي نحياها.. بمقدار مساحة القدرة على تقبّل تعب المسافة، وطول الطريق.
في الحب - يا حبيبتي - تتحول المسافات إلى إحساس. بحجم الحياة، وحوافزها وقيمتها.
وهكذ تبقى كل المسافات إليك: إحساس نحوك بحجم الحياة، وقيمتها!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1252  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 221 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.