شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الفصل الرابع
نفس المنظر في الفصل الأول. الوقت: الصباح المبكر.
(يرفع الستار عن ليلى وهي تعد بعض الشطائر. يرن جرس الباب، وتفتح ليلى لماجدة فنراها في ملابس العمل التي اعتادت ارتداءها في المتجر).
ليلى: أنت.. يا ماجدة! ماذا أتى بك في هذا الوقت المبكر؟ ما حدث؟
ماجدة: جئت لأساعد في توديع أستاذ شوقي يا ليلى، أين رفيق؟ ألم يستيقظ؟
ليلى: بل استيقظ (تتجه ماجدة نحو باب الحديقة وتقف به وهي تنظر إلى الخارج) استيقظ منذ فترة.
ماجدة: إذن.. فقد حل اليوم العظيم (تلتفت نحو ليلى) هل سيرحل رفيق.. أم أنه لن يرحل.. يا ليلى.
ليلى: (في قلق شديد وهي تتجنب نظرات ماجدة) كلا.. لن يرحل بالطبع.
ماجدة: لماذا؟
ليلى: لأن.. يا إلهي.. كيف له أن يرحل (تبكي) كفّي عن الحديث إليّ بهذا الأسلوب يا ماجدة.
ماجدة: لو كنت قد شجعته.. لقرر الرحيل.
ليلى: لقد شجعته.. ولقد سمعتني بنفسك وأنا أقول له في الليلة الماضية.. مرة بعد أخرى ((إذا كنت تريد الرحيل، فأنا لن أقف عقبة في طريقك)).
ماجدة: نعم سمعت.. ولكن.. أهذا هو ما قلته فقط أمس؟
ليلى: لا يهمني ما قلت.. سوف يتغلب على تلك النزوة.. الجميع يقولون إنه سوف يتغلب على نزوته.. فيما عدا لست أتصور كيف يرحل. إنها مجرد عدوى أصابته من أستاذ شوقي.
ماجدة: (في غضب) أستاذ شوقي كل شخص يتحدث.. وكأنما أستاذ شوقي رجل شرير، يحث الأزواج المساكين على هجر زوجاتهم.. كل شخص يقول ((إن السبب هو ذلك الرجل شوقي)) أو ((أن رحيل هذا الرجل سيكون نعمة كبرى)) إلى غير ذلك من أقاويل، وكأنما أستاذ شوقي شخصية بغيضة. والحقيقة أنه قد أتى عملاً رائعاً.. وجعلنا ننفعل جميعاً.. ونشعر بما نحن فيه من رتابة وسأم.. وها هو رفيق.. يتحرق شوقاً إلى المغامرة والرحيل وقد امتلأ حماساً وحيوية.. فلماذا لا تذهبين وتقولين ((إني فخورة بك. القِ بوظيفتك البغيضة في عرض البحر.. واذهب لتبني مستقبلك)) لقد كان هذا هو ما ينتظره، ولكنه بدلاً من ذلك، وجد الجميع ضده.. الزوجة.. وأم الزوجة.. وأبوها.. وكل المعارف والأقارب والأصدقاء.. الجميع يعتبرونه مجنوناً.
ليلى: كان ينبغي أن تكوني أنت زوجته يا ماجدة.
ماجدة: لا تستسلمي للغيظ والحقد يا ليلى.
ليلى: انتظري حتى تتزوجي من فريد ولسوف..
ماجدة: (مقاطعة إياها) أنا لن أتزوج من فريد..
ليلى: (وقد عقدت الدهشة لسانها) لن تتزوجي من فريد، ماذا دهاك يا ماجدة؟
ماجدة: لقد أنهيت ما بيني وبينه.. فعلت ذلك ليلة أمس.
ليلى: وما السبب؟ هل تشاجرتما؟ لقد كنت متهورة في تصرفاتك معه ليلة أمس، ولكن فريد متسامح جداً. (في قلق ألا تحبينه)؟
ماجدة: كلا.. لست أحب أحداً.. ولكنني ظللت طوال الأسبوع الماضي أفكر.. وأفكر، حتى اكتشفت ليلة أمس أنني لا أرغب في الزواج إلا من أجل أن أتخلص من المتجر.
ليلى: ولكنه شديد التعلق بك والتقدير لك.
ماجدة: لست أريد تقديراً من أحد.. إن رئيس العمل في المتجر يقدّرني بما فيه الكفاية.. ولست في حاجة.
ليلى: ما أغرب طريقتك في الكلام.
ماجدة: عندما سمعت رفيق وهو يتحدث أمس. أدركت كم أنا حمقاء إذ أهرب من قفص المتجر إلى قفص آخر.. هو قفص الزواج.
ليلى: ولكنك ستصبحين حرة بعد أن تتزوجي.
ماجدة: لا أحد يصبح حراً بعد الزواج.. ولاسيما المرأة، ولو كنت أحبه، ما اهتممت بهذه الحرية، ولكني لا أحبه، لست أحب فريد، ولكنني أحب البيت الذي سيجعلني أعيش فيه. والآن، بعد أن عدلت عن الزواج منه، فإنني أستطيع أن أترك المتجر في اليوم الذي أختاره، بعد أن أدخر ما يكفي لرحيلي إلى حيث أشاء. أما إذا تزوجت من فريد فمن المستحيل أن أتركه وقتما أختار.. أو أهرب إلى أي مكان.
ليلى: (في فزع) تهربين.
ماجدة: (تأخذ في الضحك) ألست ترينني الآن أمامك بعد أن هربت من فريد؟.. فريد. يا إلهي (تستمر في الضحك ولكن ليلى تبدو متجهمة).
ليلى: أنت لا تأخذين الأمور مأخذ الجد.
ماجدة: على العكس. إن فسخ خطبتي لفريد يدل على أني آخذ الأمور بمنتهى الجد.. هل سمعت ذات مرة أن أية فتاة ضربت عرض الحائط بزيجة طيبة كهذه؟
(يدخل شوقي).
شوقي: صباح الخير.. من؟ آنسة ماجدة صباح الخير يا مس ماجدة.
ليلى: (لشوقي) هل أنت تأهبت؟ سأعد لك إفطارك. (تخرج).
ماجدة: هل أدهشك أن تراني هنا مبكراً؟ لقد أردت أن أودعك.
شوقي: مجاملة لطيفة جداً منك.
ماجدة: إنني أنظر إليك كبطل.. وأشعر بأنني ينبغي أن أقوم بشيء مرح بمناسبة رحيلك.
(تدخل ليلى حاملة طبقاً من عصيدة البوريدج).
ليلى: تناولي بعضاً من هذا يا ماجدة.
ماجدة: شكراً.. دعيني أنا أصب الشاي.
(تخرج ليلى).
ماجدة: لا شك أنك تحس انفعالاً وإثارة شديدين.
شوقي: لا أستطيع أن أقول إنني أشعر بشيء من ذلك.
ماجدة: (وهي تتنهد وتنظر إليه بإعجاب) لو كنت مكانك لشعرت بذلك.. بل لطاش صوابي سروراً وانفعالاً.
شوقي: إني أرحل معتمداً على الحظ كما تعرفين.. وليس ثمة ثروة في انتظاري.
ماجدة: هذا هو أهم ما في المغامرة.. فأنت تعرف رغم رحيلك أن ما من شيء مضمون في انتظارك.. علاوة على ذلك الحديث الذي سمعته من الجميع من عدم استقرار الأحوال في أستراليا.. ومع ذلك فقد أصررت في شجاعة على الذهاب.. الحق أنك جعلتني لا أرضى عن بقائي هنا.. وأصبحت لا أشعر برغبة في الذهاب إلى المتجر.
شوقي: (في هدوء) سوف تتغلبين على هذا الشعور.
ماجدة: أرجو ذلك.
(تدخل ليلى وهي تحمل الخبز المقدد وتضعه بجانبه).
شوقي: (ملتفتاً نحوها) أرجوك يا مدام ليلى، لا تحضري شيئاً آخر.. فلن أستطيع أن أتناول كل هذا..
ليلى: إن أمامك رحلة طويلة لكي تصل إلى السفينة.
شوقي: ليست طويلة إلى هذا الحد.. ثم إن معي هذه الشطائر التي صنعتها لي (يضع يده على ربطة الشطائر بالقرب منه).
ليلى: أأنت واثق أنها كافية.. أستطيع أن أجهز لك في الحال عدداً آخر.
شوقي: إنها أكثر مما يجب.. والحق.. لست أدري ما الذي سأفعله بكل هذا العدد.
ليلى: سأضع لك تفاحة أو تفاحتين مع الشطائر.
شوقي: كلا.. لا تفعلي..
ليلى: إن لهما مكاناً في الربطة.
شوقي: (مستسلماً) أشكرك جداً.
(يدخل رفيق).
ليلى: هل حضرت؟ أجلس إذن يا عزيزي وتناول طعام الإفطار الآن.
رفيق: سأتناوله فيما بعد. أنت هنا يا ماجدة؟
ماجدة: طبعاً.. أيدور بخلدك أن يحدث هذا الحدث العظيم.. دون وجودي؟
(ليلى وماجدة تخرجان).
شوقي: (مبتسماً) إن الآنسة ماجدة تنظر إلى الأمر كأنني ذاهب إلى رحلة عادية ممتعة.
رفيق: (وهو شارد الذهن) حقاً؟
شوقي: لو أنها ذهبت إلى أستراليا لحظيت بزيجة طيبة... إن علامات القوة والصحة تبدو عليها.. وهذا النوع من الفتيات يختطفونه هناك اختطافاً وفي أسرع وقت.
رفيق: أسوف تستقل قطار الساعة العاشرة والربع؟
شوقي: (في دهشة) نعم. لماذا؟ أتريد أن تشيّعني إلى المحطة؟
رفيق: هناك قطار آخر يقوم في الثانية عشرة.
(يكف شوقي الذي كان يتأرجح بمقعده إلى الأمام والخلف عن حركته عندما يقترب منه رفيق).
شوقي: أهناك قطار في هذا الميعاد؟ لست أعرف.. ولكن ماذا يدعوك إلى..
رفيق: (وهو يخفض من صوته) إصغ إليّ أيها الصديق.. هب أنني ذهبت معك أيضاً..؟
شوقي: ماذا؟؟
رفيق: (في صوت أكثر انخفاضاً وانفعالاً) خفِّض من صوتك! إنني لم أنبئ أحداً بما اعتزمته.. ولكنني أعني ما أقول لك.. وأريدك أن تنتظرني وتبحث عني في الميناء.. فسألحق بك في القطار التالي.
شوقي: ولكن.. يا رفيق.. أريد أن أقول لك..
رفيق: لا تقل شيئاً، فقد أعددت كل شيء، ولا فائدة من أي جدال.. لأنني قررت نهائياً. سوف أخرج من المنزل كالمعتاد.. واستقل القطار التالي لقطارك وألحق بك في الميناء.. لا تحملق في وجهي على هذا النحو.. فقد درست كل شيء..
شوقي: (مقاطعاً إياه) ولكن هناك زوجتك.. ثم إن أهلك وأقاربك جميعاً ضد الفكرة.. إنك لا تستطيع أن تفعل ذلك.. ولسوف تتغلب على هذا الشعور بعد رحيلي.
رفيق: لن أتغلب على أي شيء، لقد كنت جباناً.. هل فهمتني؟ والآن أخلع الجبن وأرحل.. ولا فائدة من إحاطة ليلى بذهابي، فهي لن تفهم، ولكن عندما أصبح هناك، وأقف قليلاً على قدمي، وأعد لها بيتاً صغيراً نظيفاً.. سيصبح كل شيء على ما يرام. إنها سريعة التأثر، والنساء كلهن كذلك.. وكذلك أبواها.. وأنا أعذرهما لأنهما عجوزان، إن المرء عندما تتقدم به السن يخاف عادة من كل شيء...
شوقي: (مقاطعاً إياه) أتعني أنك سترحل اليوم؟
رفيق: وماذا يمنع؟.. ماذا يمنع؟ إنني لو أرجأت السفر.. لن أرحل إلى الأبد، ومثل هذه الأمور تحتاج إلى بت حاسم سريع وإلا هبطت عزيمة المرء. لقد أعددت حقيبة بها كل شيء.. فعلت ذلك منذ الفجر. وكتبت خطاباً لليلى سأتركه لها.. وقد أخبرتها فيه بكل شيء.. إن هذه هي الطريقة الوحيدة.. ولا طريقة غيرها. أقول يا شوقي.. سوف تقرني فيما أفعل وتساندني؟..
(يبدو شفيق من خارج النافذة).
شوقي: (في قلق) ليكن.. وأنت أدرى بمصلحتك.
رفيق: طبعاً.. لا سبيل غير ذلك.
(يسمع صوت الباب وهو يفتح، وضحكات ليلى وماجدة) من هذا الذي حضر؟ يبدو أنه ذلك الحمار شفيق. (يدخل شفيق وليلى وماجدة).
شفيق: (مخاطباً شوقي) أين ذلك الأحمق؟ لقد جئت لكي أقبله قبلة الوداع أيها الصديق العجوز.
ماجدة: (مخاطبة شفيق) ولكن.. ألا تخشى أن يفوتك قطار الثامنة والربع الذي تذهب به إلى عملك في المدينة..
شفيق: أعرف أنه سيفوتني.. ولست أهتم، إذ أردت أن أودع شوقي.. وأنت يا رفيق.. كيف الحال معك؟ لا يبدو عليك أنك على ما يرام..
رفيق: (ببرود) أنا في أحسن حال... ألا تكون صحتي جيدة إلا إذا ظللت أضحك في كل لحظة ودقيقة؟
شفيق: كلا بالطبع.. ولكني أخشى من أن تكون حمى الرحيل ما زالت تنتابك.. صدقني إن قلت لك إنه لن يمضي أسبوع حتى تجد نفسك راضياً كل الرضا، وستشعر بسعادة لا حد لها وأنت جالس تتناول شايكم اللذيذ بعد ظهر ذات يوم أحد إلى هذه المائدة.
رفيق: (مخاطباً شوقي) أظن موعد انصرافك إلى المحطة قد حان يا شوقي.
شوقي: (ناظراً إلى ساعة يده) لقد حان فعلاً.
ليلى: أأنت واثق من أنك لم تنس شيئاً؟
شفيق: لا تنس أن تكتب.. وأحطنا علماً بالسفينة التي سوف تعود فوق ظهرها.
شوقي: (ضاحكاً) هلا أغلقت فمك؟ أين وضعت قبعتي؟ (يبحث الجميع عن القبعة.. وأخيراً تجدها ماجدة).
رفيق: (وهو يلتقط ورقة من على المائدة) ما هذا؟ ألست في حاجة إليها؟
شوقي: إنها إحدى الخرائط.. لا أهمية لها.. ألق بها في المدفأة.
رفيق: لعلها تكون ذات فائدة مستقبلاً (يفتحها ويثبتها بدبوس في الجدار).
ليلى: نستطيع الآن عن طريقها أن نتابع رحلتك.. أليس كذلك؟
شفيق: لقد أزف ميعادك! حسناً.. مصحوباً بسلامة الله أيها الصديق العزيز.. واسمح لي بأن أتنبأ بأنك ستعود على الفور.. وتذكر ما قلته لك..
ماجدة: (من عند الباب وهي تنظر إلى السماء) يا له من صباح ساطع جميل، إن الشمس تشرق من أجلك يا أستاذ شوقي.. ولا توجد واحدة في السماء.
شفيق: أرجو ألا تنفق كل نقودك قبل أن تجد عملاً. وإذا تصادف وضرب الحظ ضربته ونجحت.. فاكتب إلينا.. مع السلامة (يتجه شوقي نحو الباب والجميع يحيطون به، يخرج ومعه ليلى ورفيق).
(ماجدة تجري بسرعة نحو النافذة وتفتحها حيث تشاهد شوقي وهو يصافح ليلى ورفيق مرة بعد مرة).
ماجدة: (من النافذة لشوقي) حظاً سعيداً.
شفيق: (من النافذة بأعلى صوته) بلغ سلامي لرئيس وزراء أستراليا.. لقد نسيت اسمه.
ماجدة: (تغني من النافذة مقطعاً من أغنية ((دعنا نرحل إلى فلادفيا))).
(ينفجر شفيق ضاحكاً، وهو يبتعد عن النافذة).
ماجدة: إن كل شخص يستطيع أن يعلم من منظرك أنك متحمس ومنفعل لرحيل شوقي.
شفيق: إن كان قد قدِّر لشخص أن يكون أحمق يا آنسة ماجدة.. فليسافر إذن وهو.. أحمق سعيد.. والمرح والغناء لا يكلفاننا شيئاً، والآن جاء دوري لأنصرف إلى عملي.
ماجدة: كم قطار قد فاتك من أجل أن تودع شوقي؟
شفيق: اثنان.. على ما أعتقد.. ولكنني أعدك بألا أكرر ذلك مستقبلاً.
(يخرج شفيق).
(يدخل كل من رفيق وليلى).
ليلى: (وهي تجفف دموعها) لقد ذهب إذن.. يا له من مسكين، أسأل الله له النجاح.
رفيق: (في هدوء وانشراح) سوف يوفق حتماً.. إنه ممن يستطيعون مواجهة الصعاب.
ليلى: مما يدعو إلى الأسف أنك لا تملك من الوقت ما كان يساعدك على مرافقته وتوديعه في المحطة.
رفيق: ليس هذا ضرورياً.
ليلى: سأذهب لإعداد إفطارك.
(تخرج).
رفيق: لست أتعجل الإفطار.
ماجدة: (وهي تتفرس في الخريطة المثبتة على الجدار) إنها مساحة شاسعة.
رفيق: يستطيع المرء على الأقل أن يستنشق هواء نقياً هناك.
ماجدة: (ملتفتة فجأة إليه) لن ترحل إذن بعد كل ما حدث؟
رفيق: أوه! كيف لي أن أرحل يا ماجدة؟
ماجدة: إن في رحيلك مزايا عديدة طبعاً.
رفيق: إن المسألة مسألة شجاعة.. أو تقاعس ولست أدري أيهما أختار.. ولكنها فكرة جنونية لا شك، وكل شخص يستطيع أن يدرك ذلك.. مهما كان معتوهاً.
ماجدة: أنت لست بمعتوه ولكن الآخرين هم المعتوهون. لو أنك استطعت أن تذهب. فإن ليلى ستكون في أمان، وقد تحزن قليلاً في أول الأمر.. ولكنها لن تلبث أن تصبح على ما يرام.. ولن يتغير شعورها نحوك، فهي من النوع الذي لا حدود لحبه ووفائه.
رفيق: ولكن فكري فيما سوف يقوله الناس.
ماجدة: وهل تغلبت على شعورك بالرغبة في الرحيل؟
رفيق: وماذا عساي أن أفعل؟ سوف أستقر هنا.
ماجدة: تستقر وماذا هنا يدعو إلى الاستقرار؟
وإذا كنت أنا.. قد رفضت الاستقرار.. فهل تستقر أنت؟
رفيق: ماذا تعنين؟
ماجدة: (في زهو) لقد فسخت خطبتي لفريد.
رفيق: (في دهشة) وماذا جعلك بحق الشيطان تفعلين ذلك؟
ماجدة: كان كل ما حدث بسبب أستاذ شوقي..
رفيق: شوقي..!! هل تحبين أستاذ شوقي..؟.
ماجدة: (في ضجر) يا إلهي كلا يا عزيزي لست أحمل له ذرة من جدل حول رحيله.. إنني إنما أتزوج فريد ليس لأنني أحبه، ولكن من أجل أن أؤمن حياتي وأن الخوف على مستقبلي هو الذي يدفعني إلى زواجه وعلى ذلك عدلت عن الزواج منه. أقول لك ذلك لاعتقادي أنه إذا كانت فتاة صغيرة مثلي تستطيع أن تواجه مخاطر المستقبل، فمن المؤكد أن الرجل يستطيع أيضاً. (تتنهد) ولكن يبدو أن لا جدوى من إقناعك..
رفيق: (في تردد) ماجدة (متفرساً في وجهها) ماذا تكون حقيقة رأيك فيّ.. لو أنني ذهبت؟
ماجدة: (في استغراب) ماذا؟ أتراك سوف تذهب أخيراً.. يا رفيق.
رفيق: أفرضي أنني لم أستسلم.. وأنني ذهبت..
ماجدة: هل تعني أنك قد عدلت عن...
رفيق: (مقاطعاً إياها) أعني ليلى.. هل أنت متأكدة من أنها لن تضار..؟ إذا كان الأمر كذلك فأنا سأرحل حتماً بصرف النظر عن كل شيء.
ماجدة: سأكرس نفسي من أجلها، وستصبح في خير حال بعد أسبوع واحد من رحيلك.. ولن أضن بشيء في سبيل ذلك.
رفيق: ولكنني إن رحلت فينبغي أن يكون ذلك فوراً.. فوراً هل فهمت؟
ماجدة: أجل.. أجل..
رفيق: وإذا أعتقدت ليلى أنني وحش لأنني تركتها بهذه الطريقة.. فوضّحي لها الأمر.. وكوني في صفي.
ماجدة: تقول ((بهذه الطريقة)) لا أفهم ما تعني.
رفيق: لقد أزمعت نهائياً الرحيل اليوم يا ماجدة.. وأعددت كل شيء من أجل ذلك.. وكتبت ورقة لليلى. أما من ناحية النقود فلسوف أترك ما يكفيها.. وبعد وصولي بوقت قصير، سوف أستدعيها لتلحق بي.. هذا أمر أنا متأكد منه، وعند ذلك سيغمرها الفرح لأنني غامرت وسافرت. قد أبدو وحشاً إذ أتصرف هكذا.. وأرحل دون علمها.. ولكن الظروف تحتم عليّ ذلك (تسمع طرقات ساعي البريد على الباب الخارجي) صه إن ليلى قادمة.. إياك أن تنبسي لها بحرف واحد مما ذكرته لك..
ماجدة: أأنت جاد حول رحيلك اليوم..؟
(تدخل ليلى وهي تحمل الخطابات).
ليلى: ها هو البريد.. خطابان لك يا عزيزي..
(تعطي الخطابين لرفيق.. ولكنه لا ينظر إليهما.. بل يتجه نحو الخريطة).
ماجدة: (مسرعة) سأعود بعد قليل لنذهب معاً إلى المحطة ومنها إلى العمل في المدينة.
رفيق: لا مانع.
(ماجدة تهرول خارجة).
ليلى: لا شك أنك على استعداد لتناول إفطارك الآن ولن يستغرق ذلك منك وقتاً طويلاً.
رفيق: لست جائعاً جداً.
ليلى: كان جميلاً من أستاذ شفيق أن يحضر لتوديع شوقي.. أليس كذلك؟
رفيق: نعم.. كان تصرفه كريماً.
ليلى: (أثناء تناول رفيق لإفطاره) إنهم جيران ظرفاء حقاً، ونحن محظوظون إذ ظفرنا بجيرتهم.
رفيق: نعم.. لقد استيقظت مبكراً جداً هذا الصباح ولسوف يحلّ بك التعب هذا المساء.
ليلى: إن هذه المناسبات لا تحدث إلا نادراً.. ونحن في الواقع نحسن تنظيم أوقاتنا.. ولسوف أحظى بساعات من الراحة أكثر في المستقبل. أليس كذلك؟
رفيق: (وهو ينتهي من الأكل فجأة) نعم.
ليلى: لقد خطر لي يا عزيزي أننا قد نشعر بشيء من الوحدة الليلة بدون أستاذ شوقي.. فما رأيك في أن نذهب إلى المسرح.. أو إلى..
رفيق: (مقاطعاً) لماذا؟ كلا.. لا أعتقد أنني أحب ذلك.
ليلى: أتفضل أن ندعو شفيق وزوجته لنلعب الورق؟
رفيق: (وهو ينهض) كلا.. لن ندعوهما.. فلست أهتم بهذا الأمر، إلا إذا كنت أنت ترغبين في ذلك يا عزيزتي.
ليلى: على العكس.. سأكون سعيدة جداً إذا أمضينا الوقت في بيتنا بمفردنا. وكم سرني أنك تفضل ذلك يا حبيبي.
رفيق: كنت عصبياً بعض الشيء مع من حولي في الفترة الأخيرة.. أليس كذلك؟
ليلى: ستشعر الآن بتحسن.. وسوف تهدأ أعصابك.. متى ستعود بعد ظهر اليوم يا عزيزي؟
رفيق: (في شيء من الاضطراب) أعود في نفس الميعاد الذي اعتدت أن أعود فيه طبعاً.
ليلى: لعلّك لا تتأخر يا عزيزي.. فلدي ما سوف أقوله لك بعد عودتك.. إنه نبأ سيسرّك.. على ما أظن.
رفيق: حقاً؟
ليلى: أتحب أن تسمعه الآن؟
رفيق: أهو نبأ هام؟
ليلى: يبدو أنه كذلك.. لأنه سيفرض عليك أن تكون من الآن فصاعداً رجلاً صالحاً.. وستجد نفسك مضطراً إلى أن تكون قدوة تحتذى.
رفيق: (في قلق) ماذا تعنين؟
ليلى: ألا يمكنك أن تخمّن؟ ما أبطأ تفكيرك، أنحن÷ قليلاً ودعني أقول لك (تجذب وجهه إلى أسفل وتهمس في أذنه).
رفيق: (وهو يرفع رأسه) ماذا يا إلهي (يحتويها بين ذراعيه) أهذه حقيقة مؤكدة؟
ليلى: نعم يا عزيزي.
رفيق: ليلى.. إنني.
ليلى: إنك سعيد.
رفيق: طبعاً يا حبيبتي.
ليلى: أليس جميلاً أن يفكر المرء في أمر مثل هذا؟ وهل تستطيع أن تتصور أمي وقد أصبحت جدة؟ إن النبأ سيثير ضجة! ما هذا؟ ما لك تقف مبهوتاً هكذا؟ اذهب وارتد ملابسك لتذهب إلى عملك.. وهذان الخطابان.. إنك لم تفتحهما.. إن الباب يدق، لا بد أنها ماجدة قد عادت.
(تخرج ليلى وتعود بعد لحظة ومعها ماجدة ويقابلان رفيق وهو خارج من الحجرة فتحدق ماجدة النظر في وجهه).
ماجدة: ماذا كنت تقولين لرفيق يا ليلى؟
ليلى: لماذا؟
ماجدة: يبدو لي مضطرباً بعض الشيء.
ليلى: قد يكون.. إن الدهشة قد تملكته تماماً في الواقع.. ولكن هذا شيء طبيعي.
ماجدة: (تغلق الباب وهي تتفرس في وجه ليلى) عمّا تتحدثين؟
ليلى: ما هو الشيء الذي أفضيت به إليه يجعله سعيداً أكثر من أي شيء آخر..؟
ماجدة: لست أعرف طبعاً.
ليلى: ماذا يحدث عادة عندما يتزوج الناس؟
ماجدة: (وقد فهمت) آه تقصدين هذا؟ ولكن.. ليلى.
ليلى: إن تشارلي قد ابتهج جداً.
ماجدة: (متحدثة بلا شعور عما يخالجها) إذن فلقد أرغمته أخيراً.
ليلى: (في غضب) ماجدة.
ماجدة: لماذا لم تخبريه سوى الآن؟
(تخرج ليلى وهي غاضبة بعض الشيء، يدخل رفيق وقد ارتدى ملابس المكتب).
ماجدة: رفيق؟
رفيق: ماذا حدث؟ لا تصدعي رأسي يا ماجدة.
ماجدة: والآن..
رفيق: دعينا من هذا الأمر.. لقد كنت أحمق منذ البداية.. لقد انتهى كل شيء.
ماجدة: ولكن..
رفيق: كنت مجنوناً.. إن الرجل لا يستطيع أن يفعل أي شيء يخطر على باله.. إن الموقف الآن أفضل من أي وقت مضى، ولو لم يحدث ما أنبأتني به ليلى لرحلت.. وتورطت في متاعب لا حصر لها وورطت ليلى معي..
ماجدة: ولكن إذا..
(تدخل ليلى).
ماجدة: (لرفيق) لا أستطيع أن أنتظر أكثر من هذا.
رفيق: لا تتعبي نفسك.
ماجدة: إلى اللقاء (تخرج).
ليلى: أنت لم تفتح خطابيك يا عزيزي.
رفيق: انظري ماذا بهما.
(تفتحهما).
ليلى: بخصوص الإعلان.. ردود سريعة.
رفيق: (بسرعة) دعي ذلك إلى ما بعد.
ليلى: هل أعددت نفسك للخروج؟
رفيق: (وهو يحرك رقبته بمشقة في الياقة البيضاء العالية) نعم.. ولكن هذه الياقة اللعينة.
ليلى: مما يدعو إلى الأسف إنهم يصممون على أن ترتدوا مثل هذه الأشياء.
رفيق: إن لي رقبة قصيرة.. لا ينبغي أن يعمل ذوو الرقاب القصيرة كموظفين في المكاتب، لأن رقابهم لا تتلاءم مع هذه الياقات.
ليلى: يا لها من فكرة.
(يقف رفيق محدقاً في الخريطة المثبتة في الجدار بعض الوقت. وفجأة يجذبها ويمزقها إرباً، ويلقي بقصاصاتها في المدفأة).
رفيق: إلى اللقاء يا ليلى (يقبّلها).
ليلى: إلى اللقاء يا عزيزي.
(يلتقط قبعته السوداء وقفازيه، وعندما يصل إلى الباب يضع القبعة فوق رأسه).
ليلى: (تسرع نحو الباب) مع السلامة.
رفيق: (من الخارج) سلمت يا عزيزتي.
(تسمع ليلى بعد قليل صوت الباب الخارجي وهو يغلق، فتنطلق في الغناء):
فلتحصوا نعم المولى
واحدة.. واحدة
احصوها لتعلموا
إنها.. متعددة
الخ.....
تمت
 
طباعة

تعليق

 القراءات :786  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 27
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.