كتبت وأشرت فيما سلف الى الشيخ محمد نجيب مروة وما عاناه في حياته من ضيق، وقد دفعه إلى أن يضرب بالآفاق والأمصار، وكان منها ديار المغتربين اللبنانيين في أفريقيا، فشد رحاله واستعد للرحيل. وبالنظر لذلك أقام صحبه وأقاربه حفلة وداعية له في قرية الشياح بجبل عامر حيث قضى جلّ حياته. وضم الحفل سيّدة من سوريا اسمها "سامحة" سمحت لنفسها بأن تعظ الواعظ فيما يجب عليه من تغيير لهيئته، وهو ما يتعرّض له دائماً كل عازم على السفر الى "بلاد برّة". أشارت عليه السيدة سامحة بأن يترك الزيّ المحلي ويتخذ لنفسه هيئة الخواجات. ويظهر أنها قد أسرفت في النصح والوعظ بحيث دفعته في الأخير أن يقول بحقها هذه الأبيات:
يا أخـلائي اسمعـوا لي سانحـة
يا لهـا بين الـورى من سائحة
بينما الأفكار من فرط الجـوى
في سمـاء الهـمّ كانـت سارحة
إذ أتتني غادة شامية
من أولات الحسن تدعـى سامحة
جلست والمسك من أعطافهـا
ينعـش القلـب بتلك الرائحة
ثم قالت أيها الشيـخ الـذي
سيمة اللّطـف عليـه واضحة
إن وقت السير في البحـر دنـا
وأتى وقت قيام النائحة
فاحلق اللحية واعلم أنها
بعد هذا اليـوم ليسـت صالحة
واطرح العمّة في البحـر ونـح
فوقها واقرأ عليها الفاتحه
والبس القبعة واعلم أنني
لك في الأمر فتاة ناصحة
هذه في الواقع نصيحة ما زلت أتذكّرها القتها احدى عمّاتي على والدي رحمه الله، نصحته بأن يترك العمة ويلبس السدارة لينسجم مع العهد الوطنى الجديد ويتوفق ويتقدم في المناصب، فقال لها: لا أنا أفضل أن أبقى معلماً وألبس عمامة على أن أصبح وزيراً وألبس السدارة. وتوقع لها ما أثبتته الأيام وهو أن السدارة ستنقرض والعمة ستبقى.
بيد أن الشيخ مروّة لم يتمالك بعد ما سمع من نصيحة السيدة سامحة أن ينقل لرفاقه من المسافرين ما أبت نفسه عليه من نصح: