كلما استدار الزمان.. تموقع المرء حول بعض نواصيه يغرف من إيقاعات مناسباته لحناً مضمخاً بلقاءات الأحبة والأصحاب.. الذين عطروا سماوات جدة بألق الثقافة والفكر والآداب والعلوم بحضورهم البهي الذي ينسج أنوالاً مترابطة في فسيفساء تواصل الخير والمحبة والوئام، وتبقى الكلمات قبسات يُستضاء بها بين حميميات "الاثنينية" بتنوع ألوان طيوفها العسجدية.
هكذا جاء موسم "الاثنينية" الذي نضعه "حصاد عام" بين يدي القارئ الكريم، "الجزء الثامن والعشرون 1432هـ/2011م" من سلسلة أمسيات "الاثنينية"، كان فاتحة خيره، فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء والمستشار بالديوان الملكي، المعروف بآرائه المنفتحة، وتوجهه العصري في فهم القضايا الدينية الحياتية، ثم توالت الفعاليات التي لن أطيل سرد تفاصيلها -فهي بين أيديكم- غير أني أشير إلى إشراقات لا بد من إطلالة سريعة عليها، منها استضافة شاعرتين، إحداهما من خارج الوطن، من السودان الشقيق، الأستاذة روضة الحاج محمد التي صدحت بقصائد أججت المشاعر، فنالت استحسان الحضور، والأخرى من بنات الوطن، سعادة الأستاذة الدكتورة مريم بغدادي، التي رصعت سماء الشعر بقصائد اجتماعية فكهة، وروحانية عذبة أبدعت تصوير لوحات بشعاع من نبضات الحس المرهف والشجن الشجي، وكان لنا لقاء آخر بالأستاذ الشاعر عبد الله عيسى السلامة الذي فاز بجائزة شاعر "عكاظ" في الطائف عام 1430هـ-2009م.
ومن العلامات الفارقة، الأمسية الماتعة التي قدمتها الأستاذة الدكتورة أولريكا فرايتاج، التي قدِمت خصيصاً من جمهورية ألمانيا الاتحادية مهتمةً بالتاريخ كعلم له دلالاته ومصطلحاته التي تختلف عن "الاستشراق" وأهدافه.. لتؤطر علاقتها بالآخر، وتحدد أهدافها ومراميها في تسليط الضوء على المدن التاريخية كرافد ثقافي يجمع الماضي القريب بالحاضر والمستقبل.
وكان للطبابة والنطاسة مساحة مقدرة، إذ قدم جراح القلب السعودي العالمي المعروف الأستاذ الدكتور محمد راشد الفقيه، عصارة تجاربه عبر مراحل حياته المترعة بروح التحدي والطموح الوثاب، وقدمت الدكتورة إلهام أبو الجدائل شرحاً مستفيضاً عن استطبابات العلاج بالخلايا الجذعية، مما يشكل طفرة علمية لخدمة البشرية.
وتوالت الأمسيات بين اللغة العربية وآدابها، والمسرح، والنقد، إلى أن كان مسك الختام أمسية مميزة استغرق التخطيط لها زهاء الثلاث سنوات، جاءت على غير العادة، احتفت فيها "الاثنينية" بالذكرى المئوية (1392هـ/1910م). لميلاد الأستاذ الأديب الشاعر حمزة شحاتة -رحمه الله- ممثلة في ابنته الأستاذة زلفى حمزة شحاته، تحدث فيها لفيف من الأدباء والنقاد والمفكرين، وتزامنت هذه المناسبة، بأن أصدرت "الاثنينية" (الأعمال الكاملة للأديب الكبير الأستاذ حمزة شحاتة) في ثلاثة مجلدات، وهو أول عمل يلم شتات المنجز الشعري والأدبي للراحل المقيم.
متمنياً لكم أسعد الأوقات وأطيبها في معية هذه الكوكبة من رجالات وسيدات وطننا العربي الكبير الذين نعمنا بجميل معرفتهم وفضل عطائهم، وأسعدونا بإتاحة الفرصة للإسهام في توثيق مسيراتهم. والله من وراء القصد.