لقد علمتني أن لا أفسر.. وكتب الله لك بهدايتي إلى هذا المبدأ الذي تلقيته عن "دزرائيلّي" على ما أذكر، جنتين، الأولى أنك أرحتني من عناء حمل الناس على عاتقي الموهون، أما الثانية فإنك أرحتهم من هذري الذي لا ينقطع..
وهذا هو الحق الذي سألتني في مطلع رسالتك أن أقوله..
كنا أيضاً متفقين على ألاّ تنقطع الرسائل بيننا، أو أن هذا على الأقل هو ما وجب أن يكون مفهوماً.. حتى تتهيأ لي أو لك، أو لنا معاً، أسباب تهيُّج جديد.. ففي آخر رسائلك إليَّ شكوى مريرة من نضوب قدرتك على الكتابة أو من نضوب بواعث تحريك هذه القدرة.. وتراني أستعمل كلمة قدرة وهذا احتياط عقلي أنفي به الظن عن شهوة كلينا ورغبته.. في استدامة الاتصال الكتابي بيننا.. وفي ردي على تلك الرسالة ترديد صريح لشكواك، من ناحيتي، تلاقينا فيه لا على تقرير المبدأ والاعتراف فقط، بل وعلى التزام موجبه مع التصرف.. وهكذا سَكتَّ وأسكتُّ..
وإنك لتعلم كما أعلم أن اتصال الكتابة بين أخوين، أصبح دلالة على توفر الوقت لهما، وأنت على هذا الاعتبار في حال أنا في مثلها.. وليس ما بيننا من عمق العلاقة ووثاقتها وصدقها بحاجة إلى ما يؤكده أو يزيده، أو يشبع الشعور به ويحركه..
إن ما سمعته عن احتمال انتقالي إلى الحجاز، صحيح من حيث انعقاد الرغبة منه وعليه إن شاء الله. أما أن لي عملاً معيناً، أو وظيفة مسماة، فهذا لم أتلق عنه إشارة مفصّلة أو مجملة، حتى الآن.. وقد تكون الإشارة في الطريق!!.. وقد تكون من حيث لا أتوقع فيكون علم عزيز بها آتياً من هنا.
أرجو من الله أن يحيطك وكامل أسرتك بعنايته ورعايته.. كما أرجو أن يكون لك الله معيناً، فالحياة أعباء ومغارم.
ينبغي أن تنجب أكبر عدد من الأبناء الذكور لترصد لي منهم خمسة لخمس بناتي وإليك أسماؤهن على ترتيب الأعمار: شيرين، ليلى، سهام، نجلا، زلفى.. وحسن مآب إن شاء الله..
فاعقد عزمك على من شئت منهن، على أن يكون المبدأ، أن لا يفوتني ولد من أولادك.. فما يقنعني منك إلاّ أن تحمل العبء كاملاً.. وأنت أول وآخر صديق -على ما يبدو- ينعم بهذه الثقة النبيلة.. حفظك الله يا أبا فاروق ورعاك..
إن البنات هنا لا يتلقّين في المدارس شيئاً عن أمور الديانة.. ولكن هذا مما يمكن استدراكه متى بلغن طور الإدراك.. أو هذا ما نرجو أن يكون بتوفيق الله..
سافر سعادة الشيخ عبدالله إبراهيم الفضل إلى الحجاز، وأعتقد أن من غايات هذا السفر إجراء تعديلات عامة وترتيبات جديدة في وظائف القنصلية، والمفوضية، ومعظم الموظفين فيهما.. وأرجح أن سبيل نجحه ممهودة بالنسبة لشعور المسؤولين عندكم بضرورة إمضاء هذه التعديلات من زمن بعيد.. ويلوح لي أن الشعور بالحاجة إلى كفاءات جديدة يمثلها عنصر معين هو الموجه لهذه التعديلات المتوقعة.
ماذا تقول أنت في أن تقفز إلى هنا في هذه الحركة؟ ألاّ تجد مرشحاً ينفعك فتعيش حيث يمكنك إيجاد تناسب معقول بين مواردك واحتياجاتك. إن هذا التناسب أصبح مختل التوازن في الحجاز بالنسبة لتطور الغلاء. هذا التطور الذي أسمع عنه أروع الأنباء. حاول. وعسى أن يكتب الله لك النجاح.