شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أحلام الخالدين
أخي محمد عمر
إن كل ما جاء برسالتك الأولى في التزام فكرة العودة العاجلة إلى الحجاز -حق لا غبار عليه.. وأنا إذا كنت -كما قدَّرت- أعرف ما أوردت من الحقائق في هذه الرسالة، معرفة العليم، فإني -وهذا اعتراف لا معدى عنه- أجهلها جهل العاجز عن العمل بمقتضاها.. فهذا الجهل معرفة ولكنها تُضحك وتُغيظ، لأنها لا تُفيد ولا تُنهض.
والعودة إلى الحجاز ضرورة، سواء تحقق بها أمل من هذه الآمال العريضة، أم أنتعش وهم، أو زاد بها المصير سوءاً على سوئه. هي حركة لا بد منها.. كالحركة ممن تغلبه بطنه..
وما تقوله من فرص النجاح والتزيُّد خليق بأن يحفِّز القادر على الوثب والقفز والمبادرة، إلى الاستجابة.. أما أنا فلست أرى في أي نجاح يتهيأ لي الآن غير تكملة للمعنى الساخر الذي ركبتني به الحياة حتى استنزفت نشاطي.. وما خير أن تظفر بالطعام بعد تحقق عجزك عن هضمه، أو بعد انقضاء اشتهائه؟ إنه وصال الهاجرة على الارتخاء، تزداد به النفس ازدراء للحياة..
قل إنه فساد الطبيعة وتخثرها وانحلال قوامها وتماسكها.. وهذا إن كان مرضاً فهو المرض الملازم على اليأس من شفائه.. وإن كان مجرد شعور فالحقيقة ليست أكثر من شعورنا بها في الواقع والخيال.
وقد سرني سروراً عميقاً أن تكون قد استخرجت من واقع الخيال، أو من حاصل الدنيا، هذا الوهم الذي ترضى به عن دوام الحركة في الدولاب الدائر.. فالحق أن الحياة هي هذه لا أكثر.. وما دام كل شيء إلى زوال فما جدوى التأثر والغلظة في علاج الأمور.. إن القانون الطبيعي هو استمرار التسيّر على نحو لا يكدّ الأعصاب ويثقلها بأعباء الانفعال والتوتر.. ولكن الفكر.. هذه العجوز الشمطاء التي ما تكفّ عن الثرثرة واللوم والثورة والتسخُّط -كيف تموت وتنطوي. أو تنقطع بها العلاقة الآثمة؟.. إنه المشكل ولا شيء غير هذا..
إن حديثك عن المركاز وأحلامه (الخالدين) فتح لي نافذة من الخيال على تلك الحياة التي كان كل شيء فيها (له) ذلك الطابع الخيالي الذي يطبع الأشياء والأشخاص بطابع التغلب على الحياة من طريق إهدار التزاماتها، وما أعرف هرباً يحقق غاية الانتصار إلاّ ذلك الهرب. هربنا من واقع ضيق المسالك، إلى واقع مصنوع بقوة الوهم والخيال والتصور.. وإنها لقدرة يفوتني منها اليوم أنني أعجز عن توليد وهم تعود به الحياة خفيفة المحمل عليَّ..
أما زلتم تتجادلون.. وتتفلسفون.. وتنتقدون.. وتضربون في مجاهل الفكر ومعالمه مضرب أرسطو وأفلاطون.. أم غدا الحديث أرقاماً.. ومذكرات.. وإحصاءات؟ والشجرة؟ ألم تعرفوا المجرم الذي اعتدى عليها؟ لقد كانت بالنسبة إلينا نقطة تحديد.. ولقد كانت صديقة.. ومستودعاً.. وشريك خيال.. أو هي بالنسبة لزيدان -دوننا- شريكة حياة طيبة يفضي إليها إفضاءة يرخص بها شيئاً من أذاه.. أو يميطه.. كما كان يفعل رجل من خير أنساب العرب في سنة كذا من التاريخ مع امرأة من بني أنف الناقة مثلاً.. أفما زالت لزيدان هذه العقدة التاريخية أم تغير بها (جدّ) الديوان.. وسمته.. ومتاعبه.. لا فائدة.. وعريف! أأتاحت له البلدة من وصلها حراماً.. أو حلالاً ما يجعله يفكرك بأن مجتمعاً عصرياً قد بدأ يتكامل في هذه البلاد السعودية، بدليل كمثل الشعور بإلحاح الحاجة إلى بروز صحف يومية تسند النهضة وتعمق مجراها؟
وبعد فما أخشى شيئاً، كما أخشى أن تكونوا فقدتم ذلك الطابع الخيالي.. الذي كان مشوار الحياة البهيج في أوسع مدى لحرية الفكر والنفس، فأنتم رمز القوة في المحيط الناعس.. أفتراني على حق؟..
ما أشوقني إلى الحجاز.. وإليكم.. وإليك أنت لنتلاحم فتعود بك صحبتي قليلاً.. أو تقودني إلى الأمام وهيهات!..
دمت يا صديقي وعشت سعيداً..
أخوك حمزة شحاتة
 
طباعة

تعليق

 القراءات :958  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 64 من 99
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج