لا أعرفُ بالضبط أول مؤلِّف فكر في أن يلتمس لإنتاجه ((كبيراً)) من أُدباء الجيل، يقدمه بفذلكة قصيرة، أو فصل مطول.. ولكنني أعرف أنه كان مهرِّجاً إلى حد!.. وأن فيما ابتدعه شيئاً من الشعوذة والحيلة، وشيئاً آخر من الاستجداء.
وأكبر ظني أنه في اليوم الذي دالت فيه دولة التقاريظ، واستفتاح المؤلفات بالسجع المقفّى، الذي يطري المؤلّفين ويرتفع بهم إلى مقام وحيد العصر، وفريد الدهر.. حل التقديم المفوَّف، والثناء المبطّن، محل ذلك البهرج المكشوف.
لنترك هذا إلى الطريق المطمئن، ولْنبدأ فيما ننتج مجردين من الصنعة.
بين يدي القارئ اليوم، قصة فتاة عاشت لأفكارها، ودانت لما تعتقد، ولم تخضع قط لتقليد لا يؤيده منطق، أو تدعمه بيِّنة واضحة.
وهي على ما يتألق في أهدابها الوُطْف، وأعيانها الدُّعْج، ومحيَّاها المشرق، تأبى إلاّ أن تعيش العيش الخشن، وتجالد مجالدة الأقوياء، ضد أوجاع الحياة، وتسخر سخرية الفلاسفة بأوجاع المجتمع.
ويصادفها شاب عاش لرجولته وأخلاقه السامية، بقدر ما ترفَّع عن تهافت الشباب الرقيع، فيأبى عليه سوء طالعه، أو حسنه إن شئت؛ أن تتفتح نفسه لما تألَّق في أهدابها وأجفانها، ويسحره ما أشرق في محيَّاها من الفتنة، فيغدو صريع هواها، وتغدو ساخرة بأفكاره التقليدية في الحب والحياة.
فهي تفلسف الحب، في شكله الأخير، فتعدُّه غلطة الأجيال والحقوب.. تحدرت إلينا في أسلوب كانت القصة والوضع أهم عناصره.
وهي ترى أن الرباط الذي يشدنا إلى ((العرف)) قد أحكم وثاقه حتى بتنا نتشبث به تشبثاً بشيء مقدَّس، وإن كان بعيداً عن المنطق والعقل، بعيداً عن الدين!
وتفضي المصادفة بينهما إلى صداقة أخذت تتنامى مع الأيام، فكانا يمضيان معاً في مذاهب كثيرة في ضواحي الطائف، ويتمتعان بينها بمشاهد جميلة أخَّاذة، ومناظر طبيعية فاتنة، ويتناول حديثهما صنوفاً شتّى من ألوان الحياة ومناحيها بالتفنيد والتعقيب، في روح الساخر بأوضاعها، الهازىء بتقاليدها.
وتمضي بهم القصة، أو يمضيان فيها إلى نهاية لا أستبق القارىء بها، ولا أوشّي بين يديها بكلمة.. وحسب القارىء أن يمضي في لِيَّته -إذا شاء- مجرداً من التهيئة والإعداد!