شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مقدمة
مذ قرأت المقدمة التي كتبها الأستاذ المرحوم محمد سعيد عبد المقصود لكتاب ((وحي الصحراء)) ذلك الكتاب الذي جمعه بالاشتراك مع الشيخ عبد الله بلخير وطبعاه عام 1355 هـ، مذ قرأت تلك المقدمة وأنا أتلفت بين حين وآخر لآثار ذلك الرائد، وأتلمس أخباره، فلا أجد ما يشفي سوى ما نقلت بالتصوير من الصحف والمجلات، حتى جمعتني الصدفة بابنه الشيخ عبد المقصود الذي أفادني في أول مجلس بما فتح لي باب البحث. لقد أقبلت على ما عندي من مصورات ونتف أخبار فألفت شتاتها واستنسختها وأخذت في دراستها حتى ظفرت بجهد متواضع سأقدمه لأبناء وطني، وبخاصة الشباب ليتبينوا كيف كان أسلافهم، وليقبسوا من نور آرائهم وأفكارهم، التي لم تدفعها النزعة إلى الجديد، إلى إهمال الموروث، بل حفظت موروثها وحرصت على أن تطعمه بصالح الجديد، دون أن يذوب فيه أو ينهزم أمامه.
وأملي أن أكون بهذا العمل قد أسهمت في خدمة فكر أمتنا وأديت شيئاً من الواجب حيال أولئك الروّاد وتراثهم.
يعدّ الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود من مخضرمي العهود التركية والهاشمية والسعودية، وهذا يعني أنه كان في الطليعة من الروّاد الذين كان على أيديهم إيقاظ الأدب من غفوته، التي طال به الأمد فيها حتى بات أشكالاً بالية عبثت فيها أيدي العاجزين. ولقد وصف الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود عصره وما قبله في أدبه، وبخاصة تلك المقدمة التي كتبها لكتاب ((وحي الصحراء)) ثم ما كتبه من مقالات متناثرة هنا وهناك.
ولكوننا لا نرتاح للتكرار وملء الصفحات بما يمكن أن يغني عنه سواه فإنَّا لن نتحدث عن عصر صاحبنا.
ولسبب آخر هو أنك تجد الحديث عن هذا العصر مبسوطاً في مؤلفات المتأخرين. لقد عرف صاحبنا الحياة واستقبل التعليم في أيام كان يرى كل ما من حوله مشوباً بالعجمة إن لم يكن جميعه أعجمياً.
فلقد دخلت اللغة التركية الدواوين الرسمية والمطابع والمكتبات والصحف مع قلة هذه الوسائل وهزالها، ثم كان حزب الاتحاد والترقِّي الذي كان يحاول فرض آرائه وأهدافه على الناس.
وفي عام 1334 هـ انتهى عهد الأتراك في الحجاز وبدأ العهد الهاشمي، ومع أن دبيب الحياة في الوسائل التثقيفية من مدارس وصحف ومطابع ونحوها كان بطيئاً وهزيلاً، فإن البون كان شاسعاً بين العهدين التركي والهاشمي.
وفي عام 1343 هـ بدأ العهد السعودي في الحجاز، العهد الذي وحدت فيه البلاد وباتت في نجوة من الحروب وويلاتها، ومن أطماع الطامعين الذين يرهقون بنزواتهم العباد ويمزقون بأهوائهم البلاد فيسود الفساد والاستبداد ـ لقد انتهى ذلك في العهد السعودي فاستقرت الأحوال وهدأت النفوس، وأخذ الناس يصلون العمل بالعمل والجد بالجد ليلحقوا بالركب في ما جاورهم من البلدان. فانتشرت المدارس والصحف والمطابع وتقدمت أساليبها، ولهذا حديث إن شاء الله.
لقد نشأ محمد سعيد عبد المقصود في هذا الجو الذي أومأنا لحاله، فمن هو محمد سعيد عبد المقصود خوجه؟
لقد سعيت إلى الشيخ محمود حافظ الحسني القرشي، صهر الشيخ محمد سعيد فتزوّدت منه عن الرجل بأحاديث نجني ثمارها في هذا البحث. ثم في الدراسة الموسعة التي فرغنا منها والتي ستجد طريقها إلى أيدي القرّاء قريباً إن شاء الله.
الشيخ محمد سعيد عبد المقصود هو ذلك الرجل الذي ولد ونشأ في بيت علم وأدب بمكة المكرمة، وكان أبوه عبد المقصود خوجه عالماً أزهرياً من أبناء الفيوم بمصر، نزح إلى الحجاز في العهد التركي.
وكان يجيد علم الحساب إلى جانب علوم اللغة والدين، فعمل في المدرسة الرشيدية بمكة المكرمة، وكان الناس في الحجاز ومصر يطلقون على من يرتدي الزي الأزهري ويمتهن التدريس لقب (خوجه أفندي).
وحين توفي محمد سعيد عام 1360 هـ كان الناس يقولون إنه توفي في السادسة والثلاثين من عمره وهذا يعني أنه ولد عام 1324 هـ ومكان ولادته مكة المكرمة، وفيها كانت دراسته في مدرسة لم نعرف اسمها إلا أنه ذكر في حديثه عن ((دار الندوة وما طرأ عليها)) أن أباه نقله منها إلى مدرسة الفلاح على ما ستقرأه هناك، ثم في الحرم المكي حيث أخذ من جملة من علمائه.
كما لزم الشيخ إبراهيم خلوصي سنتين أخذ فيهما عنه الخط والإملاء، حتى أتقن ذلك كشيخه إبراهيم الذي اشتهر في الحجاز بإجادة الخط وله في ذلك كتاب.
وفي عام 1350 هـ التحق بالحسبة (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وهو أول من التحق بها من أهل مكة، وكان الناس يعجبون من أمر هذا الشاب الطويل، الأبيض الوسيم العصري الأديب، الذي يدور على أرباب المحلات ويلزمهم بالقيام إلى الصلاة، وذلك لأنه ما كان يلتحق بهذا العمل إلا من جاوز مرحلة الشباب، وكان هو إذ ذاك في السادسة والعشرين.
وكان قد عيّن مديراً لجريدة أم القرى ومطبعتها سنة 1345 هـ (1) ، وهذا يعني أنه كان يقوم بعمله في الحسبة إلى جانب عمله في إدارة جريدة ومطبعة أم القرى، وكان يقبل على عمله الجديد بنشاطه المعهود، وأخذ على عاتقه تطوير المطبعة بعد أن سماها مطبعة الحكومة وأرسل بعثتين إلى مصر، الأولى في أول عام 1357 هـ، ومهمتها إجادة فن الطباعة والتجليد، والثانية في آخر العام نفسه ومهمتها الدراسة في معمل الطوابع والزنكوغراف.
وكان لهاتين البعثتين أثر كبير في تطوير فن الطباعة إلى ما أضافه إلى أجهزتها من إضافات، وله في الطباعة بحث.
وظل مديراً للجريدة والمطبعة إلى أن اشتد به المرض في عام 1360 هـ، فأناب مكانه في الإدارة الشيخ عادل ماجد كردي، ورحل إلى الطائف حيث نصحه الأطباء بالإقامة هناك وأنزل في قصر الشيخ يوسف ياسين، حيث توفي هناك رحمه الله بعد مغرب يوم الخميس 1360 هـ.
وقد خرج جميع أدباء ووجهاء مدينة مكة وجدة إلى الطائف لتشييع جنازته، وذلك لما كان يحظى به من منزلة أدبية وعلمية واجتماعية، ودفن بجوار مسجد ابن عباس في المقبرة الخاصة بكبار العلماء والوجهاء.
وكان كبار المسؤولين وجميع الوجهاء في زيارة له متصلة، يرحلون إليه من مكة وجدة وغيرهما، وفي الحديث عن دأبه في العمل الفكري قال الشيخ محمود حافظ (إن الشيخ يوسف ياسين حين عاد الشيخ محمداً في مرضه قال لي: ((لقد قتل هذا الرجل نفسه بالدأب في العمل))) وكان الشيخ محمود يحدثني بذلك وهو متصل البكاء، قال: (وكان محباً لأعمال الخير كثير البذل في سبيلها حتى إن الناس كانوا يظنون به الثّراء الكبير من كثرة ما يقدمه من تبرعات، وعندما توفي أجرى الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ لأبنائه الصغار مرتباً تقاعدياً، وكان من أوائل الأشخاص القلائل الذين حصلوا على المرتبات التقاعدية إذ ذاك).
وحدثني الشيخ محمود حافظ بأنه يذكر أنه كانت لمحمد سعيد مكتبة ضخمة، كان مما حوته هذه المكتبة مذكراته ومخطوطاته، وكانت مكتبة كبيرة الحجم، ولكن هذه المذكرات والمخطوطات قد ضاعت، فلم نعد نعرف عنها شيئاً.
قال: وكان يقرأ كثيراً وكان مولعاً بقراءة الكتب الأدبية والتاريخية، وخصوصاً كتب التراث وكان إذا قرأ الكتاب يحرص على التهميش عليه بما يتبادر إلى ذهنه من معلومات إضافة أو نقداً وكان له يد مشكورة في طبع كثير من كتب التراث مثل كتاب (الأزرقي في تاريخ مكة) تحقيق رشدي ملحس، ولكن الشيخ محمد سعيد عبد المقصود كان يزهد في أن يذاع صنيعه في إخراج هذه الكتب ومن هنا خلت من ذكر اسمه، والمعاصرون له من المهتمين بالفكر يعرفون ذلك جيداً.
وكانت له نشاطات اجتماعية وأدبية، منها أنه كان يقيم في يوم 10 من ذي الحجة حفلاً كبيراً (بمنى) في منزل الشيخ ماجد كردي، لأنه كان يحتوي على صالة واسعة جداً، وكان الشيخ محمد سعيد عبد المقصود يدعو إلى هذه الحفلة التي يقيمها سنويًّا كبار شخصيات الحجاج من علماء وأدباء وسياسيين وعسكريين، وقد أطلق عليها (حفلة التعارف) وكان يطبع لها بطاقات بهذا العنوان تسلم لكبار الشخصيات، وكان يحضرها أيضاً وجهاء البلاد السعودية، ويتولى افتتاحها بخطبة أدبية بليغة فيها ترحيب بالحاضرين والوافدين، ثم يتولى تقديم الخطباء والشعراء واحداً بعد الآخر، وكان رجال الفكر من المسلمين العرب وغير العرب يقبلون على هذه الندوة ويعدّونها بمثابة احتفال العيد والحج.
ويبدو أن السبب في إعراض الأدباء عن الإشادة بالشيخ محمد سعيد والاهتمام بتراثه أنه كان المنافس الأول في ميدان الفكر والإصلاح للشيخ محمد سرور الصبان الذي كان أقوى نفوذاً منه.
يقول الشيخ محمود حافظ: (ومع هذا بلغني أن الشيخ محمد سرور الصبان قال بعد وفاة الشيخ محمد سعيد: ((لقد خسرت البلاد بوفاة هذا الرجل خسارة كبيرة، ربما أحسها أنا أكثر من غيري)).
هذه لمحة عن حياة الشيخ محمد سعيد عبد المقصود خوجه نقدمها في صدر هذا الكتاب، آملين أن نوفق إلى الكشف عما خفي علينا من جوانب حياة هذا الرجل الرائد لنتمكّن ـ مستقبلاً ـ من بسط الحديث عنه في الكتاب الآخر إن شاء الله.
وإذا كان الشيخ محمد سعيد عبد المقصود رحمه الله قد لقي عنتاً من أبناء زمانه وبخاصة الأدباء، فإن كثيرين منهم قد بكوه أحر البكاء بعد مماته، واعترفوا له بالفضل حين خلا منه الميدان ولن نقول لهم هلاّ كان ذلك في حياته فيسري عنه ويشد من أزره في ميدان كان يجالد فيه، وإخوانه في خصوم له.
لقد توفي الشيخ محمد سعيد عبد المقصود بعد مرض طالت مدافعته له أثناء عمله في إدارة مطابع أم القرى وصحيفتها التي تولى إدارتها 1345 هـ، وكان في أثناء عمله بها يؤدي أعمالاً اجتماعية كثيرة كما ذكر ذلك مؤبِّنوه الذين ذكر أحدهم أنه سافر إلى مصر للعلاج ثم إلى بيروت حيث تلقى العلاج في المستشفى الألماني ثم في مستشفى الجامعة الأمريكية.
ومن كتاب كلمات التأبين السباعي، وفؤاد شاكر، وعبد الله عريف، حسني عبد الظاهر، وغيرهم وهذه كلمات بعضهم نوردها نماذج لما كتب عنه، لأن في تلك الكلمات ما يستطيع الباحث (2) من طريقه أن يكشف عن كثير من جوانب شخصية الرجل، وبخاصة في ميادين السلوك والأخلاق، والتفاني في العمل، والدأب فيه وفاء للأمة وإخلاصاً للمجتمع وإرضاء للبارئ تبارك وتعالى عن طريق تأدية أمانة العمل الذي جاء فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم رحم الله أمرأً عمل عملاً فأتقنه.
ونبدأ بكلمة صديقه الأستاذ عبد الله عريف رحمه الله، لا لكونه صديقه الذي اعترف له بعد وفاته بالجميل علناً فوق صفحات صوت الحجاز.
وإنما لأن مقالة عريف تعطي صورة أكثر إشراقاً، وأصدق تعبيراً مما كتب الآخرون الذين قاموا بواجب الصداقة فكتبوا في نعيه ما كتبوا.
إن كلمة عريف هذه قد حوت من مفاتيح أبواب البحث في سيرة هذا الرجل الشيء الكثير، فهي أشبه بالاختزال، ولكنها مع ذلك تدل دلالة واضحة على صدق عاطفة كاتبها حيال صديقه خوجه، كما تدل على الوفاء والاعتراف بالجميل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1191  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 2 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأربعون

[( شعر ): 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج