بعد أيام قليلة يستقبل الفضاء الكوني، في مدار مداراته، - وما أكثرها - وافداً جديداً يحمل بطاقة تعريف تقول إنه (القمر العربي).. والأرجح أن الفضاء الكوني، حين يقرأ بطاقة التعريف هذه، لن يعني بمناقشة الخلفيات الكثيرة، التي ينطوي عليها ملف صاحبها لأسباب ربما أهمّها أن الفضاء ليس من اختصاصه أن يختزن ملفات في هذه المرحلة المبكّرة من نوافذ الأقمار إليه.. ومنها أن الفضاء رحب واسع إلى حد سوف يظل يتيح له استقبال ألوف الأقمار التي تصعد إليه من هذا الكوكب في هذه الأيام. ولكن لو كانت هناك ضرورة لوجود ملف عن القمر العربي، فإن أهم ما فيه سوف يكون، إنه يتكوّن من اثنتين وعشرين دولة عربية تتواجد على شريحة من الأرض، تمتد من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، وهي مسافة تطويها الطائرة النفاثّة في ست أو سبع ساعات.. وهو إجماع فريد من نوعه ولم يحدث قط أن وجد له مثيل في تاريخ جامعة الدول العربية، إلاّ مرة واحدة يتيمة، هي إجماع هذه الدول على الموافقة على مشروع السلام العربي في قمة مدينة فاس في المغرب العربي.. ولذلك فهذا القمر، بهذه الخصيصة في تكوينه، أو إرساله إلى الفضاء، يمثل حدثاً نادراً، في تاريخ الأمة العربية، ويجسّد - في نفس الوقت - إرادة هذه الأمة، التي تستطيع - عندما تجتمع وتتجمّع وتجمع - أن ترسل قمراً إلى الفضاء.
وتقول بعض مواصفات القمر العربي إنه ينقل الإرسال التليفزيوني والإذاعي بين الدول العربية كلّها،إلى جانب توفيره ثمان دوائر تليفونية.. ويتيح تطوير طبع وتوزيع الصحف العربية فوق مساحة 13 مليون كيلومتر مربّع. الخ الخ..
والذي يهمني شخصياً، هو نسبة الأمية المرتفعة في شعوب الدول الاثنتين والعشرين، والتي يتراوح تعدادها بين مائة، ومائة وعشرين مليوناً من البشر.. وإذا صحّت تقديرات المتفائلين والمتشائمين، فإن نسبة الأمية والأميّين في هذه الدول، تصل إلى أكثر من 75% مما يعني ببساطة أن أعظم هدية يقدّمها القمر العربي لهذه الشعوب، هي محو هذه الأمية أو العمل على محوها. عن طريق البث التليفزيوني الذي يمكن أن يصل ويشاهد في بلدان جميع هذه الدول.. والأميّة، في تقديري هي الوجع والداء الأخطر في حياة هذه الأمة، ولكنه يتميّز عن السرطان مثلاً، بأننا نستطيع القضاء عليه، وأن نتخلّص من شروره ومصائبه، إذا عرفنا كيف نضع البرامج التليفزيونية الجادّة لمشروع أو مشاريع محو الأميّة..
وليس كثيراً أن ننفق، وأن تنفق جميع الدول العربية، على هذه المشاريع، الملايين من الدولارات، لأنها الاستثمار الأعظم والأهم، والأفضل من كثير من البرامج التي ننفق على شرائها وإعدادها وإرسالها وبثها مئات الملايين في كل عام.