| زوجة أب |
|
سعاد: لا يعرف (سالم) أمه بل لا يذكر صورتها.. |
|
عزة: كيف يا سعاد هل كان سالم صغيراً إلى هذا الحد |
|
سعاد: أجل يا عزة أجل.. ماتت أمه ولم يبلغ الثالثة من العمر على أثر حمى نفاس أصيبت بها عقب ولادتها لأخته. |
|
عزة: وأخته إذن كانت صغيرة جداً. |
|
سعاد: نعم. |
|
عزة: مسكين سالم مسكين. لا يذكر أي شيء من لمحات أمه أو قسماتها أو لونها. |
|
سعاد: لا.. لقد حمله هو وأخته أحد أقاربهما يوم وفاة أمهما إلى سطح أحد البيوت المجاورة وتركهما هناك يخطان على ترابه مصيرهما المجهول. |
|
عزة: إذن، فالغمامة التي تظلل محيا سالم في بعض الأحايين إنما هي انعكاس هذا الماضي الأليم. |
|
سعاد: بكل تأكيد. والشيء الأفظع. |
|
عزة: ما هو؟ |
|
سعاد: والد سالم تزوج بعد ثلاثة أشهر في حفل بهيج. |
|
عزة: بعد ثلاثة أشهر. يا لفظاعة الرجال! ما أشدّ نسيانهم لزوجاتهم. |
|
سعاد: لو كان الأمر بالعكس وتزوجت أم سالم لنهش الناس لحمها وأكلوا عظمها. |
|
عزة: أجل يا سعاد دائماً، المرأة هي الحيطة المايلة أو الجانب الضعيف. |
|
سعاد: والشيء المبكي المضحك في زواج والد سالم أن سالم حين رأى زوجة أبيه أو خالته في ثياب العرس صار يقول لوالده. |
|
عزة: يقول ماذا..؟ |
|
سعاد: خليها كده يا بابا.. |
|
عزة: وانخرط من كانوا يعرفون والدة سالم في البكاء. |
|
سعاد: أجل يا عزة، وكاد العرس ينقلب إلى مأتم ولكن الله سلم. |
|
عزة: يلوح لي أن خالة سالم أو زوجة أبيه قد أحسنت معاملة سالم ولن تكون من النوع الذي قال فيه المثل ((مرت الأب ما تنحب)). |
|
سعاد: في الحقيقة كانت تعامل سالم وأخته كما لو كانا ولديها. |
|
عزة: شيء غريب! لعلي أسمع لأول مرة بهذه النموذج من زوجات الآباء. |
|
سعاد: الله تعالى رحم سالم وأخته بهذه الخالة ولكن. |
|
عزة: ولكن ماذا..؟ |
|
سعاد: والدة زوجة الأب كانت قاسية وشديدة على سالم وأخته. وخاصة عندما رزقت ابنتها ولداً. |
|
عزة: إذن، فقد تذوق سالم وأخته طعم اليتم. |
|
سعاد: أجل وبفظاعة من والدة زوجة الأب. ولكن هذا العذاب لم يدم طويلاً. |
|
عزة: كيف..؟ |
|
سعاد: وقعت والدة زوجة الأب من أعلى الدرج فما وصلت إلى نهايتها حتى انكسرت سلسلة ظهرها فشلّت فماتت. |
|
عزة: لا شماتة في الموت. يرحمها الله. |
|
سعاد: ونعم سالم وأخته بحنان زوجة الأب في الوقت الذي حرما فيه حنان والدهما. |
|
عزة: كيف؟ |
|
سعاد: كان والدهما في وظيفة مرموقة تتطلب لقاءات وسفرات، ولذلك كان من النادر أن يلتقي باليتيمين. |
|
عزة: أنا لا أعذر الآباء أصحاب الوظائف العالية على حرمانهم أطفالهم حنانهم وأولادهم عنايتهم ورعايتهم. |
|
سعاد: أنت على حق يا عزة، ولكن هذا ما جرى بالنسبة لسالم. ولذلك إذا رأيته حزيناً الآن على مرض زوجة أبيه فذلك لأنه يحبها كأمه. |
|
عزة: إنها بمعاملتها الحسنة له أصبحت أماً له لا ينقصها سوى أشهر الحمل. |
|
سعاد: وقد زاد في حنان زوجة الأب على ((سالم)) عقوق ولدها (أكرم) ولذلك فعندما مرضت كانت تطلب أن ترى سالم قبل موتها، فأبرق إليه أبوه بأن يأتي على عجل. |
|
عزة: وولدها (أكرم) ألم تطلبه؟ |
|
سعاد: لا. صدقيني. |
|
عزة: وقائع يكاد العقل لا يصدقها. |
|
سعاد: والشيء الغريب أو الأغرب يا عزة هو.. |
|
عزة: هو ماذا.. |
|
سعاد: هو تحسن صحة زوجة الأب بعد حضور ((سالم)) إنها تتماثل إلى الشفاء بعد أن كاد الأطباء ييأسون من شفائها. |
|
أكرم: ما الذي تقرأ يا سالم؟ |
|
سالم: كتاب من الوالدة. |
|
أكرم: ماذا به؟ |
|
سالم: أخبار غير سارة. |
|
أكرم: هل عاود المرض والدتي..؟ |
|
سالم: لا. |
|
أكرم: إذن ماذا..؟ |
|
سالم: أحيل الوالد على المعاش. |
|
أكرم: ارتاح يا شيخ من التعب والشقاء. |
|
سالم: وتعليمك وتعليمي من سيتحملهما؟ |
|
أكرم: والدنا. |
|
سالم: ولكنه خرج من الوظيفة كأي موظف شريف. |
|
أكرم: ومعاش التقاعد. |
|
سالم: يكاد بالجهد يكفي لمعيشتهما وتعليم أحدنا. |
|
أكرم: ما العمل؟ ماذا تقترح الوالدة؟ |
|
سالم: الوالدة اقترحت أن أكمل أنا دراستي، ومتى تخرجت في كلية الطب سأتولى أنا تعليمك. ما رأيك؟ |
|
أكرم: أهذا رأي والدتي؟ |
|
سالم: خذ الكتاب واقرأه إذا كنت في شك في ذلك. |
|
أكرم: هل يخامرني شك وأنا أعرف مبلغ محبة والدتي لك؟ |
|
سالم: ما رأيك إذن؟ |
|
أكرم: رأي والدتي هو رأيي حتى لو لم تقله هي. |
|
سالم: بورك فيك يا أخي. بورك فيك. |
|
سعاد: وهذه صفحة جديدة من صفحات زوجة والد سالم المشرقة. |
|
عزة: ما هي؟ |
|
سعاد: معاش التقاعد الذي يتقاضاه والد سالم لا يكفي لتعليم ولديه بالجامعة بالإضافة إلى معيشته. |
|
عزة: مسكين. مسكين. |
|
سعاد: فقررت زوجة والد ((سالم)) أن توقف ابنها أكرم وتمنح الفرصة لأخيه سالم لاستكمال دراسته. |
|
عزة: حقاً إنها تضحية لا تقدر بثمن ولا سيما وأنها تصدر عن زوجة أب. |
|
سعاد: إنها امرأة صالحة ملأ الله قلبها بالإيمان فعرفت معنى قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
(الضحى: 9 - 10). |
|
عزة: لا شك أن الله سبحانه وتعالى سيجزيها الجزاء الأوفى على ما تفعل. |
|
سعاد: سيتخرج ((سالم)) في كلية الطب ويعود لينضر حياتها وحياة أبيه. |
|
عزة: وسيقوم بتعليم أخيه أكرم، الذي ضحت أمه في سبيل تعليمه، أليس كذلك؟ |
|
سعاد: أجل يا عزة أجل. |
|
عزة: إنني يا سعاد أزداد كل يوم إعجاباً بزوجة والد سالم. |
|
سعاد: يظهر أن الإعجاب متبادل. |
|
عزة: كيف؟ كيف؟ |
|
سعاد: نعم يا عزة، فزوجة والد سالم معجبة بك أيضاً. طالما مدحتك أمامي وأثنت على خُلقك وخَلقك. وتتمنى.. |
|
عزة: تتمنى ماذا..؟ |
|
سعاد: تتمنى لو يقيض الله لسالم زوجة في مثل خلقك وخلقك. |
|
عزة: ولكن سالم لا بد أنه انتقى له شريكة من الوسط الجامعي الذي يعيش فيه. |
|
سعاد: وأنت. ألست مثقفة وعلى خلق كريم. |
|
عزة: هذه عين الرضا يا سعاد.. |
|
سعاد: هذه هي الحقيقة. |
|
عزة: أنت يا سعاد أو زوجة والد سالم تتكلمان في موضوع صاحب الكلمة والشأن فيه غائب. |
|
سعاد: ولكن الجانب الهام من الموضوع موجود. |
|
عزة: سالم لا شك أنه في طليعة شباب هذا البلد المثقف والمعروفين بحسن سيرتهم وسلوكهم، ولكن الأمر يخصني وحدي بل يخص والدي وسالم. |
|
سعاد: ربنا يختار ما فيه الخير. |
|
سالم: متى جئت يا أكرم؟ |
|
أكرم: هذا الصباح. |
|
سالم: خيراً إن شاء الله. |
|
أكرم: أوفدتني أمي لأحضر حفل تخرجك في كلية الطب. |
|
سالم: كيف هي؟ كيف والدنا؟ |
|
أكرم: سرورهما لا يوصف ولا سيما والدتي. وبالطبع أنا. |
|
سالم: الحمد لله يا أخي. فسروري لا حد له إذ وفقني الله لكي أقوم بما لوالدتك من فضل علي بعد الله. |
|
أكرم: أليست والدتك؟ |
|
سالم: وأعز يشهد الله يا أكرم. |
|
أكرم: بالرغم من سرورنا جميعاً بنجاحك يا سالم إلا أننا كنا نتمنى لو كانت أختك معنا. |
|
سالم: ما كل ما يتمنى المرء يدركه. وأختي الآن مع زوجها في أمريكا يكملان دراستهما. |
|
أكرم: صحيح. إن شاء الله تحضر حفل تخرجهما أيضاً. |
|
سالم: وأنت يا أكرم يا من ضحيت بنفسك في سبيل إكمالي لتعليمي، أنسيت حقك علينا كلنا؟ |
|
أكرم: لقد قمت بواجبي وقد اشتغلت خلال المدة التي كنت تدرس فيها وكان ما أحصل عليه يساعد على عيشتنا عيشة كريمة. |
|
سالم: سأعوضك بإذن الله عما فاتك حتى تحصل على أكبر شهادة في العالم. |
|
أكرم: بورك فيك يا أخي. بورك فيك. متى نعود إلى البلد؟ فوالدتي تنتظر قدومك على أحر من الجمر. |
|
سالم: غداً إن شاء الله. |
|
سعاد: ألا تودين الذهاب يا عزة لتهنئة والدة سالم؟ |
|
عزة: تعنين زوجة أبيه. |
|
سعاد: هل بعد ما فعلت تقولين عنها زوجة أبيه؟ إنما فعلته أكثر مما تفعله والدة لولدها. |
|
عزة: صدقت، لقد ضربت مثلاً عالياً في التضحية وفي القدوة الحسنة ولكن. |
|
سعاد: ولكن ماذا؟.. |
|
عزة: ألا ترين أن زيارتي لوالدة سالم قد تفسر تفسيراً لا ترضينه لي. |
|
سعاد: اتركينا من تفسيراتك وتخريجاتك فكأنك محام شرعي. |
|
عزة: إنني مترددة يا سعاد. |
|
سعاد: لا أرى ما يدعو إلى التردد يا عزة، فليست هنالك شائعات خطوبة أو تفكير فيها. |
|
عزة: أخشى.. |
|
سعاد: تخشين ماذا..؟ |
|
عزة: أخشى أن تصرف والدة سالم بعض العبارات التي تلبس زيارتي ثوباً لم تكن لها يد في نسجه. |
|
سعاد: أأقول لك يا عزة. وقد يكون في ما أقول مفاجأة لك. |
|
عزة: قولي. |
|
سعاد: والد سالم خطبك من أبيك لابنه. |
|
عزة: وماذا قال والدي؟ |
|
سعاد: وافق وعلق موافقته على قبولك أنت وترك لي جس النبض. |
|
عزة: وسالم صاحب العلاقة. |
|
سعاد: هو الذي طلب من والده أن يخطبك. |
|
عزة: أيعرفني من قبل؟ |
|
سعاد: وهل يخفى القمر؟ |
|
|